أفكار وآراء

كوريا الشمالية .. هذه هي لحظة الحقيقة

16 أغسطس 2017
16 أغسطس 2017

ديفيد إجنيشس -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

يمثل التهديد النووي الكوري الشمالي لحظة « مفصلية» للولايات المتحدة والصين وللنظام العالمي الجديد الذي يقول كلا البلدين أنهما يريدانه. فإذا تمكنت كل من واشنطن وبيجينج من البقاء إلى جانب بعضهما البعض في التعامل مع بيونج يانج سينفتح الباب لعهد جديد تلعب فيه الصين دورا أكبر ومسؤولية أوسع في الشؤون الدولية يتناسبان مع قوتها الاقتصادية. وإذا لم يكن بمقدور القوى العظمى التعاون فسينغلق الباب. وربما أن هذا الانغلاق سيطلق صراعا عسكريا كارثيا في شبه الجزيرة الكورية. أسلوب التَّنَمُّر الذي يتَّبعه الرئيس ترامب حتى في التعامل مع المسائل التافهة المتعلقة بالسياسة الداخلية يحجبُ المدى الذي مضى إليه في محاولته المزاوجة بين سياسة الولايات المتحدة حول كوريا الشمالية مع تلك المتعلقة بالصين. ومن المفاجئ أنه كان ناجحا في ذلك إلى حد كبير. بيجينج وواشنطن كانتا في الغالب تساندان بعضهما كما حدث في التصويت الجماعي بمجلس الأمن مؤخرا على فرض عقوبات إضافية ضد بيونج يانج بقصد معاقبتها على استمرارها في اختباراتها الصاروخية. الهدف الدبلوماسي لواشنطن، رغم أنه لم يصرح به علنا على هذا النحو، هو تشجيع الصين على التوسط بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وتنظيم مفاوضات لنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. أما ما تهدد به فهو أنها ، في حال لم تساعدها الصين على إيجاد تسوية دبلوماسية، ستسعى وراء الحل الخاص بها وبالوسيلة العسكرية إذا دعت الضرورة. لقد صَعَّدَ ترامب من خطابه حين أخطر الصحفيين بأن الكوريين الشماليين سيواجَهون بنيران وغضب لم يشهد لهما العالم مثيلا من قبل. ربما أن التهديد الأمريكي خدعة. ولكننا مع ترامب لن نعرف الحقيقة أبدا. يعلم كبار المسؤولين الأمريكيين أن الحرب الوقائية ضد كوريا الشمالية يمكن أن تؤدي إلى خسائر رهيبة في الأرواح وإلى عاقبة ستكون وخيمة لكل الأطراف. ولكن حين يقول مستشار الأمن القومي مكماستر أن كوريا الشمالية المسلحة نوويا « لا تطاق» بالنسبة لترامب فسيكون على المرء الافتراض بأنه يعني حقا ذلك وأنه يُعِدُّ قائمة من خيارات عسكرية. والآن تحلُّ لحظة حافة الهاوية النووية. فقد قال وزير الخارجية الكوري الشمالي ري يونج مؤخرا ردا على تصويت الأمم المتحدة والدعوات الصينية الأمريكية لإجراء محادثات أنهم لن يضعوا «الرؤوس النووية والصواريخ الباليستية على طاولة المفاوضات، تحت أي ظرف من الظروف» هل يخادع؟ مرة أخرى نحن لا نعلم. لقد وجد بعض الدبلوماسيين التباسا في عدم وضوح شروط الوزير الكوري الشمالي لإجراء محادثات. غير أن محللين كبارا عديدين يعتقدون أن كوريا الشمالية بدلا عن إبعاد نفسها عن الحافة تسابق الزمن للحصول على قدرة صاروخية نووية عملياتية يمكن أن تضرب بها الولايات المتحدة كنوع من الحماية الذاتية. لقد أضفى تقييمان استخباريان كشف عنهما يوم الثلاثاء (8 أغسطس) إلحاحا إضافيا للأزمة. فقد توصلت وكالة استخبارات الدفاع في أواخر الشهر الماضي إلى أن كوريا الشمالية أتقنت التقنية اللازمة لتصغير الرأس الحربي النووي الذي يمكن تحميله على صاروخ يستطيع ضرب الولايات المتحدة، بحسب صحيفة الواشنطن بوست. وتوصل تقرير رسمي آخر أعدته وزارة الدفاع اليابانية إلى نتيجة مشابهة، محذرا من أن التهديد النووي صار الآن مشكلة وشيكة. لقد هاجم الخطاب الكوري الشمالي الولايات المتحدة بشدة. ولكننا نجد، في العمق، أن الصين هي التي تم وضعها في موقف لا يطاق من قبل بيونج يانج. فقد ظلت الصين تطلق إشارات الخطر حول البرنامج الكوري الشمالي لفترة تزيد عن العام. وردَّ نظام الرئيس كيم يونج أون على ذلك بإجراء الاختبار النووي الخامس لكوريا الشمالية في سبتمبر الماضي. وواصل اختباراته الصاروخية على الرغم من التحذيرات الصينية الملحة. بل شملت الصفعة التي وجهها كيم للصين اغتيال شقيقه من أحد أبويه كيم جونج نام والذي كان تحت الحماية الصينية. يتجذر تحدي كوريا الشمالية للولايات المتحدة والصين في آيديولوجية «جوشي» أو الاعتماد الكفاحي على الذات. يلخص الموقع الرسمي لكوريا الشمالية على الإنترنت هذه الفلسفة كما يلي «الاستقلال في السياسة والاكتفاء الذاتي في الاقتصاد والاعتماد على الذات في الدفاع الوطني» إنها عقيدة تعزز المواجهة المنفردة. أهمية الرهان الذي تنطوي عليه هذه المواجهة أضاءته جلسات التجمع السنوي لمؤسسة السياسة الخارجية (مجموعة آسبِن للاستراتيجية) الذي انعقد قبل عدة أيام والذي ضم في اجتماع هذا العام خمسة مسؤولين بإدارة ترامب إلى جانب زمرة من كبار المسؤولين في الإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة. ومن بين أوضح النقاط التي أجمع عليها المسؤولون السابقون أن أزمة كوريا الشمالية تقدم ما وصفها أحد المشاركين باللحظة «المحفزة» فإذا أمكن للصين والولايات المتحدة إيجاد مسار مشترك وحل الأزمة سلميا فإنهما ستنجحان في «تحديث النظام العالمي» الذي كان الموضوع الرئيسي لمساجلات «آسبن» . ولكن ماذا إذا فشلا في ذلك؟ ماذا إذا نَفَّرَت لغةُ ترامب النارية الصين وجعلتها تبتعد بدلا عن تحفيزها؟ ماذا إذا قررت بيونج يانج اختبار عقيدتها في الاكتفاء الذاتي بمقامرة نووية؟ وماذا إذا صار ترامب أول رئيس منذ عهد جون كيندي يجد نفسه حقا على الحافة النووية؟ إن الشهور القادمة ستشكل، على نحو أو آخر، الأمن العالمي لأعوام عديدة قادمة.