أفكار وآراء

استقلال كردستان العراق .. هل يتحقق؟ عبد العزيز محمود

16 أغسطس 2017
16 أغسطس 2017

عبد العزيز محمود -

مع بدء العد التنازلي لإجراء استفتاء غير ملزم على استقلال إقليم كردستان العراق يوم ٢٥ سبتمبر القادم ، تتصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإثناء حكومة كردستان عن هذه الخطوة باعتبارها تهديدا للاستقرار في المنطقة.

والسؤال المطروح هل تنجح هذه الضغوط في تأجيل الاستفتاء الذي تأجل مرتين في السابق لضغوط مماثلة أم أن الاستفتاء الذي يحظى بإجماع الأحزاب الكردية الرئيسية سوف يتم في موعده مما يحقق حلم 35 مليون كردي يعيشون في العراق وتركيا وسوريا وإيران وأرمينيا في إقامة دولة كردية مستقلة؟

كل المؤشرات ترجح أن قرار الاستفتاء لا رجعة فيه، ما لم تحدث تطورات مفاجئة، وأن إقليم كردستان العراق الذي أنشئ في عام 1992 بشكل أحادي، ماض في إجراءات الاستفتاء على الانفصال عن العراق، والتي تشمل محافظاته الثلاث: أربيل ودهوك والسليمانية.

ومن الواضح أن حكومة الإقليم تتعامل مع الاستفتاء باعتباره خطوة نحو الانفصال، دون الإعلان الفوري عن الاستقلال، الذي يتطلب اعترافا دوليا، ما زال غير متوفر في الوقت الراهن، خاصة مع إعلان أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أنها لن تعترف بدولة كردستان العراق المستقلة في الوقت الراهن، رغم تفهمها لمطالب الأكراد التي وصفتها بالمشروعة.

وبينما ترى واشنطن أن تحقيق هذه الخطوة يمكن أن يتم بحلول عام 2030، أعلنت إسرائيل اعتزامها الاعتراف بالدولة الجديدة، انطلاقا من علاقات ومصالح مشتركة، لكن الاعتراف الإسرائيلي وحده ليس كاف.

ورغم أن نتيجة الاستفتاء محسومة سلفا، لكن النتيجة لن تغير شيئا على أرض الواقع، على الأقل في المرحلة الراهنة، لكنها سوف تضيف الكثير إلى رصيد الرئيس مسعود برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

ومع عدم الإعلان عن الخطوة التالية للاستفتاء، يبدو أن حكومة كردستان تخطط عقب الاستفتاء لإجراء مفاوضات مع الحكومة الاتحادية في بغداد لتحديد شروط الانفصال، الذي يبدو أنه لن يكون وديا، فالحكومة الاتحادية في بغداد تتعامل مع الاستفتاء باعتباره انتهاكا للدستور العراقي الصادر في عام ٢٠٠٥ والذي ينص صراحة على وحدة أراضي العراق مع وجود كيان فيدرالي كردستاني في إطار الجمهورية العراقية.

كما تعتبر بغداد الاستفتاء محاولة لا يمكن القبول بها من جانب الأكراد لتكريس الاستيلاء على الأرض والنفط حيث يوجد في كردستان ثلث احتياطي العراق من النفط الخام.

لكن الأكراد يعتبرون الاستفتاء خطوة مهمة ليس فقط لتحقيق حلمهم بإقامة دولة مستقلة، وهو الحلم الذي يداعب أكراد المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بل لإجبار حكومة بغداد على الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة النفطية.

يذكر أن النزاع بين الطرفين بلغت ذروته في عام ٢٠١٤ حين قطعت بغداد مخصصات إقليم كردستان التي تمثل ١٧٪ من إجمالي ميزانية العراق ردا على قيامه بإنشاء خط أنابيب إلى تركيا يسمح للأكراد بتصدير النفط بشكل مستقل.

ومع استيلاء قوات البشمركة الكردية على كركوك الغنية بالنفط عقب انسحاب الجيش العراقي أمام هجمات تنظيم داعش في أغسطس عام ٢٠١٤، وصلت العلاقة بين بغداد وأربيل -عاصمة كردستان- إلى طريق مسدود.

ويتهم الأكراد بغداد بعدم الوفاء بالوعود الرئيسية في الدستور العراقي فيما يتعلق بوضع مدينة كركوك والتصديق على قوانين عائدات النفط وتمويل قوات البشمركة الكردية في حربها ضد تنظيم داعش.

وبإدراج كركوك في الاستفتاء على استقلال كردستان تحاول أربيل إضفاء شرعية ما على مطالبتها بالمدينة الغنية بالنفط، والتي تضم أغلبية كردية بالإضافة إلى مواطنين عرب سنة وتركمان وشيعة يهددون بمقاطعة الاستفتاء وعدم الاعتراف بنتيجته.

وتتخوف حكومة إقليم كردستان من أن تؤدي احتجاجات محتملة للعرب والتركمان والشيعة في كركوك عشية الاستفتاء إلى قيام الحكومة الاتحادية في بغداد بإرسال الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي لاستعادة المدينة.

وهي خطوة من المحتمل أن تؤيدها إيران الحليف الأبرز للعراق، والتي تعارض الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، نظرا لوجود ٨ ملايين كردي يعيشون على أراضيها، وسط مخاوف إيرانية من تنامي المشاعر الانفصالية عبر الحدود.

ورغم العلاقات الجيدة بين إيران والأكراد في المناطق المتاخمة للحدود الايرانية، الا أن هذه العلاقة مهددة بالتوتر في حال استقلال إقليم كردستان لما قد يمثله ذلك من نموذج للأكراد الآخرين.

وترفض إيران بحسم قيام دولة موالية لأمريكا وإسرائيل على حدودها المباشرة، كما تعتبر هذه الدولة تهديدا لمشروعها بإنشاء ممر آمن من الأراضي يمر بشمال العراق وسوريا وصولا إلى لبنان.

من ناحية أخرى ترفض تركيا استقلال كردستان العراق خوفا من تشجيع الحركات الانفصالية الكردية داخل أراضيها، وإمكانية أن يستخدم مقاتلو حزب العمال الكردستاني أراضي الدولة الجديدة كقاعدة لانطلاق لعملياتهم ضد تركيا.

ورغم المصالح السياسية والاقتصادية التي تربط أنقرة بأربيل، إلا أن

الأولى قلقة من استقلال كردستان وتفكك العراق وعلى مستقبل التركمان في كركوك، وهذا ما دفعها لتجديد التزامها بوحدة وسلامة الأراضي العراقية، رغم علاقاتها الضعيفة مع بغداد.

ومع انتشار الكانتونات الكردية المستقلة ذاتيا على طول الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، وخضوعها لسيطرة وحدات حماية الشعب والحزب الكردي السوري اللذين يمثلان امتدادا لحزب العمال الكردستاني، والدعوة لإجراء انتخابات محلية في هذه الكانتونات يتزايد قلق أنقرة من قيام دولة كردية مستقلة على حدودها مع سوريا.

وقد دفعت الأوضاع في شمال سوريا- أنقرة للدفع بتعزيزات عسكرية، وشن هجمات مدفعية وصاروخية ضد وحدات حماية الشعب التي تمثل امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمردا مسلحا ضد الدولة التركية منذ ثلاثة عقود.

وتتخوف حكومة كردستان العراق في حال إعلان الاستقلال من قيام الأتراك بعملية عسكرية في أراضيهم على غرار عملية درع الفرات التي نفذها الجيش التركي في سوريا، أو لجوئهم إلى قطع خط تصدير النفط الرئيسي والوحيد والذي يمتد من السليمانية إلى الإسكندرونة.

هذا الوضع المعقد هو الذي يدفع حلفاء الأكراد وفي مقدمتهم الولايات المتحدة للمطالبة بتأجيل الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان،خوفا من أن يؤدي إلى اضطرابات تهدد الحرب على داعش، وحدوث تقارب تركي إيراني عراقي لمواجهة الطموحات الكردية في إقامة دولة مستقلة تكون نواة لإنشاء كردستان الكبرى التي تضم أراض من العراق وسوريا وتركيا وإيران وأرمينيا.

ويرى الأكراد أن الولايات المتحدة لم تقدم لهم ضمانات تشجعهم على القبول بتأجيل الاستفتاء، وهذا ما يدفعهم للمضي فيه مدعومين بتأييد إسرائيل التي أعلنت تأييدها لاستقلال كردستان العراق في إطار دعمها للأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران.

ويأتي الدعم الإسرائيلي انطلاقا من نظرية تدعو لإقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة ودول الطوق الثالث التي لا تربطها حدود مباشرة مع الدولة العبرية، وهو ما يفسر علاقة تاريخية مع الأكراد بدأت في عام ١٩٦٣ وتشمل تقديم المشورة والتدريب والدعم العسكري والاستخباراتي والاقتصادي والتقني.

ويتطلع الأكراد الذين يقدر عددهم بنحو ٣٥ مليون نسمة يتوزعون في تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا إلى إقامة دولة مستقلة، في ظل ظروف إقليمية يعتبرونها مواتية خاصة مع احتدام القتال في سوريا والعراق وضد تنظيم داعش.

لكن الأكراد يدركون أن تحقيق الاستقلال يلزمه أيضا توافقا كرديا ربما يكون غير متاح حاليا في ظل الصراع الدائر على السلطة والثروة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب غوران الانفصالي.

ومع توزع ولاء قوات البشمركة بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يصبح تشكيل جيش موحد للدولة الجديدة مشكلة أخرى.

وتحاول حكومة كردستان العراق استخدام الاستفتاء كأداة لدعم التلاحم الكردي، لكن الانقسامات تتواصل حول مرحلة ما بعد الاستقلال، ومن يسيطر على الدولة الجديدة، التي يسعى حزب العمال الكردستاني في الواقع للسيطرة عليها.

كما يستمر الجدل الكردي حول توزيع عوائد النفط (500 ألف برميل يوميا يستفيد منها 1% فقط من السكان)، في ظل أزمة مالية ناجمة عن سوء الإدارة وانخفاض أسعار النفط والحرب على داعش واستضافة ١.٤ مليون لاجئ وارتفاع الدين العام الخارجي إلى ٣٠ مليار دولار.

ووسط كل هذه التحديات يبدو الاستفتاء على الاستقلال أشبه بهروب رمزي إلى المستقبل، فتحقيق الاستقلال يتطلب توقيتا أفضل وظروفا مغايرة، مما يجعل الرابح الوحيد منه هو الرئيس مسعود برزاني الذي يتطلع للفوز بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وسواء تم الاستفتاء في موعده المحدد، أم تأجل استجابة لظروف طارئة، فالمؤكد أن استقلال كردستان العراق يتطلب ما هو أكثر من الحلم.