Untitled-1
Untitled-1
تقارير

ثورة الطاقــة القادمـة وعود ومخاطــر ابتكارات التقنيـة الرفيعة

16 أغسطس 2017
16 أغسطس 2017

ديفيد فيكتور وكاسيا يانوسيك -

ترجمة: قاسم مكي -

فورين أفيرز -

خلال العقد المنصرم أحدث الابتكار انقلابا في صناعة الطاقة. جاءت أولا ثورة الغاز والنفط الصخريين حين بدأت الشركات منذ عام 2005 في استغلال إمدادات جديدة وضخمة من الغاز الطبيعي ثم النفط من الترسبات الصخرية بفضل تقنيتين جديدتين هما الحفر الأفقي والتكسير المائي. لقد توصل المهندسون إلى معرفة كيفية حفر آبار عمودية ثم توجيه حفاراتهم جانبيا للحفر على طول طبقة الترسبات الصخرية الغازية أو النفطية ثم تفجيرها بضخ ماء ورمل ومواد كيماوية تحت ضغط عالٍ لتفكيك الصخور وتمكين المواد الهيدركربونية (النفط والغاز) من التدفق. ساعدت هذه التقنيات على خفض أسعار النفط حيث هبطت من أعلى ذروة بلغتها في أي وقت من الأوقات وهي 145 دولارا للبرميل في يوليو 2008 إلى نحو أقل من الثلث اليوم. وصارت الإمدادات أكثر استجابة لظروف السوق مما قوض قدرة أوبك على التأثير على أسعار النفط العالمية. تلك كانت البداية فقط. فاليوم يتم توظيف الإدارة الذكية للأنظمة المعقدة وتحليل البيانات والأتمتة في إعادة بناء الصناعة من جديد مما يعزز إنتاجية ومرونة شركات الطاقة.

سلعة رخيصة ووفيرة

بدأت هذه التغييرات في إحداث تحول ليس فقط في الصناعات التي تنتج سلعا مثل النفط والغاز ولكن أيضا في الطرق التي تستخدمها الشركات في توليد وتوزيع الكهرباء. فثمة صناعة كهربائية تتشكل. وهي صناعة تتزايد فيها اللامركزية. وهي صديقة للمستهلك ويمكنها دمج مصادر مختلفة وعديدة للطاقة الكهربائية في شبكات عالية الموثوقية. وفي الأعوام القادمة يرجح أن تجعل هذه التطورات الطاقة سلعة رخيصة ووفيرة ومستجيبة لظروف السوق وأكثر كفاءة من أي وقت مضى. ولكن هذا التحول لن يكون سهلا. فهو قد يهز استقرار البلدان التي تعتمد اقتصاداتها على إيرادات موارد الطاقة التقليدية مثل روسيا وفنزويلا وغيرهما من كبار المنتجين. وقد تؤذي العمال ذوي المهارات المتدنية الذين تكون وظائفهم عرضة للأتمتة. كما سيجعل رخص الوقود الأحفوري من الصعب إجراء التخفيضات الكبيرة المطلوبة في حجم الانبعاثات لوقف الاحتباس الحراري.

كُن ذكيا

توجد ثلاثة اتجاهات تدفع بثورة الطاقة الجديدة تتمثل في الإدارة الأكثر ذكاء للأنظمة المعقدة وتحليل البيانات الأكثر تطورا والأتمتة. سمح الاتجاه الأول للشركات بأن تكون أكثر كفاءة في حفر آبار النفط والغاز في بيئات جيولوجية تزداد تعقيدا. فمنذ حوالي 15 عاما على سبيل المثال سهلت الاختراقات التي حدثت في تقنية التصوير اكتشاف ترسبات النفط في المياه العميقة مثل خليج المكسيك وقبالة ساحل البرازيل. ولكن مع اندفاع شركات النفط والغاز لاستخراج هذه الموارد، أدت متطلبات العمل في المياه العميقة وطبقات الترسبات السميكة إلى زيادة التكلفة. وبحلول عام 2014 كانت مشاريع المياه العميقة مكلفة بحيث إن العديد منها حقق سعر التعادل فقط حين كان سعر النفط عند 100 دولار للبرميل تقريبا. ومع انهيار أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل في أوائل 2014 إلى أقل من 50 دولارا في يناير 2015 توقف العديد من هذه المشاريع. وبحلول عام 2016 كانت الشركات قد جمَّدت إنتاجا جديدا من النفط يقدر بنحو 4 ملايين برميل في اليوم، حوالي 40% منه في المياه العميقة. ومع توقف الحفر بدأ مستخرجو النفط والغاز الذين كانوا بحاجة ماسة لخفض التكاليف في إعادة النظر في الأنظمة المعقدة التي استخدموها. لقد كان من السهل تدبير بعض سبل التوفير. فالتقليل من النشاط الإنتاجي يعني تعطيل بعض المعدات والخدمات الحيوية للعملية الإنتاجية والتي كانت نادرة في السابق. وهبطت التكلفة اليومية لاستئجار حفارات النفط بنسبة 50%. ولكن أيضا كانت الصناعة تقلص التكاليف وتحسِّن الأداء من خلال إجراء تحسينات جذرية في الإنتاجية. فالتصميمات الأكثر بساطة تجعل منصات الحفر والإنتاج أسهل استنساخا وأرخص وأقل احتمالا في أن تعاني تأخيرات مكلفة أو تتجاوز التكلفة المقررة. كما تبث الشركات الدروس التي تعلمتها في أرجاء الصناعة. فشركة شل مثلا أعلنت مؤخرا أنها تطبِّق فنونا من عمليات إنتاج النفط الصخري في البر مثل حفر الآبار الأفقية وحقن المياه داخلها بهدف زيادة الإنتاج في الحقول البحرية الناضبة. واليوم بفضل هذه المبتكرات هبط متوسط سعر التعادل لمشاريع المياه العميقة إلى ما بين 40 إلى 50 دولارا فقط للبرميل في خليج المكسيك الذي يلعب دورا رياديا هاما ؛ لأنه أحد أكثر المناطق استجابة في العالم للتحولات في أوضاع السوق. وعلى الرغم من أن أسعار النفط لا تزال منخفضة (ويتوقع العديدون في الصناعة أنها ستظل كذلك) إلا أن الاستثمار يتزايد مرة أخرى. فقد تم التصديق على تنفيذ عشرة مشروعات مياه عميقة في عام 2016 والنصف الثاني من 2017 فقط.

الموارد المتجددة تدخل على

خط إنتاج الكهرباء

كذلك تتولى الإدارة الذكية للأنظمة المعقدة إعادة تشكيل صناعة الطاقة الكهربائية. إذ على مدى عقود هيمنت على هذه الصناعة مولدات الحمولة الأساسية للطاقة الكهربائية الممركزة (أساسا المحطات الكبيرة لتوليد الكهرباء بالفحم والطاقة النووية والمائية) ولكن في العقدين الأخيرين ظلت الحكومات تدعم توظيف طاقة الرياح والطاقة الشمسية وأدرجتهما في نظام التوليد بأمل تنويع موارد الطاقة في بلدانها وإيجاد وظائف جديدة وخفض انبعاثات الغازات الضارة. وحتى وقت قريب كانت هذه المصادر الجديدة أضعف من أن تؤثر كثيرا على النظام في مجمله. ولكن اليوم مع الانخفاض الشديد في تكلفة الموارد المتجددة وارتفاع حصتها في إمداد الكهرباء، بدأت في إحداث تحول في أسواق الكهرباء. ففي ألمانيا، تشكل الطاقة المستمدة من الرياح وحرارة الشمس ما يقرب من 30% من مزيج موارد الطاقة الكهربائية. وفي هاواي تشكل حوالي ربعها. وظلت مؤسسات إنتاج الكهرباء التقليدية تجهد نفسها كي تتواءم مع هذا التحول. ففي مارس، أوقف مشغلو شبكة الكهرباء في كاليفورنيا توليد 80 جيجاواط ساعة من مصادر الطاقة المتجددة بالولاية لأن الشبكة لا يمكنها التعامل مع تزايد إنتاج الكهرباء من أشعة الشمس في فترة الظهيرة. وعندما لا تتوافر سعة تخزينية أكبر يحدث تقليص أكبر في توليد الكهرباء. وفي ولاية تكساس تكون الأسعار أحيانا سلبية حين يشتد هبوب الرياح. فتوليد الكهرباء يزداد حينها دون أن تكون هنالك حاجة لهذه الزيادة. بكلمات أخرى تدفع الشركات للزبائن كي يستخدموا الكهرباء التي تنتجها. لقد تعثرت شركات الكهرباء التي لم تنتبه إلى قدوم هذه التحولات. فالقيمة السوقية لأكبر أربع شركات كهرباء ألمانية تعادل حوالي ثلث قيمتها قبل عشرة أعوام. يعود ذلك في جزء كبير منه إلى أن هذه الشركات لم تتخلص من تكاليف النظام القديم لتوليد الطاقة الكهربائية فيما تقدم الحكومة في الأثناء دعما سخيا لموارد الطاقة المتجددة.

تهديد قادم لشركات الكهرباء التقليدية

الموارد المتجددة جزء واحد فقط من هذا التحول. ففي الأعوام القادمة قد تواجه شركات الكهرباء تهديدا لوجودها من أنظمة توليد الطاقة الصغيرة واللامركزية المعروفة باسم “الشبكات الجزئية أو المتناهية الصغر” لقد ظهر هذا النوع من الشبكات أول مرة قبل عقود من السنين. وكان وراء ظهورها زبائن مثل الجيش الأمريكي الذي كان يهتم باستمرارية (عدم انقطاع) الإمداد الكهربائي أكثر من كل شيء آخر ولا يهمه أن يدفع أكثر مقابل ذلك. فالقواعد العسكرية يلزمها عدم انقطاع أدائها حتى إذا تعطلت شبكة الكهرباء الرئيسية عن العمل. كذلك كانت المجتمعات النائية مثل تلك التي تقطن في ألاسكا وتبعد عن الشبكة التقليدية من بين أوائل من تبنوا فكرة الشبكة المتناهية الصغر. ولكن هذه الشبكات تنتشر الآن في أماكن أخرى مثل مباني الجامعات والمستشفيات حيث يمكن الاعتماد عليها في الإمداد المتواصل بالكهرباء وفي الغالب يتم تصميمها لتوفير المال باستخدام الطاقة التي تذهب هدرا في تدفئة وتبريد المباني. بل قادت التقنيات الجديدة مثل خلايا الوقود وأنظمة شحن البطارية (لتخزين طاقة إضافية منتجة من الموارد المتجددة) إلى جانب البرمجيات الأكثر تطورا إلى ابتكار شبكات أصغر من الشبكات (المايكرو) أو المتناهية الصغر تسمى الشبكات (النانو) أو البالغة الضآلة. وقد بدأت متاجر الهايبرماركت مثل “وال مارت” وسواها في استخدامها. أما الشبكات التالية فقد تكون شبكات (البيكو) فمع اعتماد المزيد والمزيد من الناس على الشبكة التقليدية في الحصول على الكهرباء (مع استمرار ارتباطهم بها لضمان استمرار الإمداد الكهربائي) سيكون أصحاب القرار والشركات بحاجة إلى إيجاد أنظمة إجرائية ونماذج أعمال جديدة. فبعض الولايات الأمريكية مثل نيويورك احتضنت هذه التحولات وصارت تروج بشدة للامركزية الإمداد الكهربائي بمكافأة الشركات التي تستثمر في الأنظمة اللامركزية لتوليد وتوزيع الكهرباء. ولكن لم يضع أحد حتى الآن خطة تفصيلية لكيفية تكامل الشبكات الجديدة مع أنظمة الطاقة الكهربائية التقليدية.

أهلا بالروبوتات

المصدر الثاني الرئيسي للابتكار هو تحسن تحليل البيانات. فشركات النفط مثلا بدأت في استخدام لوغاريثمات معقدة لتحليل أحجام ضخمة من البيانات مما سهل لهم رصد مكامن النفط والغاز وإدارة الإنتاج. فمثلا في أبريل 2017 أعلنت شركة بيرتش بتروليوم أنها باستخدامها هذه الوسائل رصدت وجود 200 مليون برميل آخر من النفط في حقل قائم بخليج المكسيك. وبحسب الشركة فإن تحليل البيانات الذي كان يستغرق في الماضي عاما يحتاج اليوم إلى أسابيع قليلة. والمعالجة السحابية تجعل من الممكن استخراج ملايين السيناريوهات لتطوير حقل نفطي. فحينما يكون بمقدور الشركات تقييم المزيد من الخيارات يمكن أن يرتفع الإنتاج من الحقول بنسبة 5% مع تقليص حجم الاستثمار المطلوب للحفر والبدء بالإنتاج بنسبة 30%. كما بدأت الصناعة النفطية أيضا في استخدام تحليل البيانات للتنبؤ بأعطال المعدات قبل حدوثها. وتساعد هذه الممارسة التي بدأتها صناعة محركات الطائرات في خفض التكاليف المتعلقة بحفارات النفط والغاز حيث يمكن أن تتسبب أجهزة الضغط والمعدات الدوارة الأخرى انقطاعات باهظة التكلفة في الإنتاج إذا تعطلت عن العمل. الاتجاه الثالث والأكثر أهمية هو الأتمتة. ففي حقول نفط بحرية قصية بدأت الروبوتات منذ فترة في أداء مهام خطرة مثل ربط الأنابيب في أثناء عمليات الحفر. وهذا عمل ينفذه في العادة عمال مهام متعددة يعرفون باسم (روستاباوتس) أو عمال الحفارات وعما قريب ستمكن الأنظمة المؤتمتة من “ الحفر عن بُعد” ويتم التحكم به كله تقريبا بواسطة حفنة من العمال المهرة في التقنية الرفيعة من غرف بيانات موجودة على البر وعلى مبعدة مئات الأميال من (مواقع الحفر البحرية) كما تطور الشركات روبوتات يمكنها العيش في قعر المحيط وتفتيش خطوط الأنابيب البحرية والمعدات الموجودة تحت سطح البحر. في الوقت الحالي توظف حفارات النفط البحري في العادة ما بين 100 إلى 200 عامل. وهذا عدد يمكن أن ينخفض. وعلى الرغم من أن البشر لا غنى عنهم لأداء أدوار بالغة الأهمية تتعلق بالسلامة وتتطلب اتخاذ قرارات تتسم بالتعقيد إلا أن الأتمتة ستحدث تحولا في القوة العاملة في صناعة الطاقة. وبحسب دراسة أجرتها شركة مكنزي يمكن أن توظف شركات النفط والغاز خلال عشرة أعوام علماء بيانات من حملة شهادة الدكتوراه أكثر من الجيولوجيين. لقد غيرت الأتمتة من صناعة الكهرباء. فقد قضت العدادات الذكية على القراءة اليدوية لاستهلاك الكهرباء. وفي المستقبل ستسهل الأتمتة إلى جانب تحليل البيانات التحكم في عدم الانتظام في الإمدادات الذي ينشأ عن استخدام موارد متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والشبكات الكهربائية اللامركزية الأكثر تعقيدا. ويمكنها أيضا أن تجعل الشبكة أكثر موثوقية. فعجز مشغلي الشبكة عن فهم ما يحدث في الوقت الحقيقي يلعب دورا هاما في العديد من حالات انقطاع التيار الكهربائي. ويمكن في هذه الحال أن تجعل الأتمتة وتحسن التفاعل البشري - الحاسوبي حدوث هذه الانقطاعات أكثر ندرة. ولكن يمكن أن توجد الأتمتة مشاكل جديدة. فهي في قطاع تجارة الطاقة مثلا يمكن أن تجعل أداء الحكومات لبعض وظائفها، مثل النظم الإجرائية الخاصة بالسلامة التقليدية، أكثر صعوبة. فحين تحدث التحولات على مَهَل في أجهزة الحفر ومنصات الإنتاج وشبكات توزيع الكهرباء يمكن للجهات التنظيمية مواكبتها وفهمها وتطبيق الدروس المستفادة من الإخفاقات التي تحدث بين الحين والآخر. أما اليوم فتعقيد الأنظمة الفائقة الأتمتة يجعل مراقبة تصرفاتها والتنبؤ بها أكثر صعوبة. لذلك ستحتاج الجهات التنظيمية الى تطوير نفسها بذات السرعة التي تتطور بها هذه الصناعة وإيجاد أنظمة إنذار مبكر لتحديد الأماكن التي تحتاج إلى إشراف. وستكون بحاجة إلى التعلم بسرعة أكبر من بعضها البعض. فمثلا يمكن للجهات التنظيمية في بلدان أخرى دراسة الجهاز التنظيمي النرويجي الخاص بإنتاج النفط والغاز في الحقول البحرية والذي صار حاذقا في التعامل مع مستويات عدم اليقين المرتفعة التي تلازم صناعة النفط البحري. كما يمكنها أن تتعلم من الصناعة النووية الأمريكية التي تمكنت من معرفة كيفية استخدام مراجعة الأقران أو النظراء داخل الصناعة لتقييم إدارة المفاعلات.

الفائزون والخاسرون

التحول القادم في صناعة الطاقة خبر سعيد في غالبه للعالم. ولكن انتشار هذه الثورة سيحدث تغييرا كبيرا في السياسة والاقتصاد والبيئة.

وسيكون على صانعي القرار وقادة الأعمال التزام الحذر في خطواتهم. أولا وقبل كل شيء، يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار الطاقة لفترة طويلة إلى إضعاف النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي للعديد من كبار مصدري النفط الذين اعتمدوا لفترة طويلة على سيطرتهم على كل موارد النفط الرخيصة في العالم تقريبا. استجابة لذلك بدأ بعض هؤلاء المنتجين في التحرك. ففي العام الماضي دشنت المملكة العربية السعودية رؤية 2030. وهي برنامج لخفض اعتماد المملكة على النفط وتنويع اقتصادها. وأعلنت الحكومة عن خطط لبيع حوالى 5% من أسهم شركة أرامكو النفطية الحكومية العملاقة (درة تاج المملكة) في طرح عام أولي العام القادم. وهي خطوة قد تساعد الشركة على زيادة كفاءتها. هذه الإصلاحات واعدة وقد آن أوانها منذ فترة طويلة. ولكنها تواجه مقاومة كبيرة وينبغي الانتظار للتحقق من إمكانية تطبيقها بنجاح. كما يجب على روسيا أيضا مواصلة الإصلاح. قبل عشرة أعوام كان في مقدور الحكومة الروسية ضبط موازنتها (معادلة نفقاتها بإيراداتها) فقط حين يصل سعر النفط 100 دولار للبرميل. ولكن اليوم تتوقع روسيا أن تفعل ذلك عند سعر 40 دولارا للبرميل بحلول عام 2019 على الرغم من أن 35% من الإيرادات الحكومية لا تزال تأتي من النفط والغاز. ولكن هذا الوضع غير مستقر وسيلزم موسكو الاستمرار في خفض نفقاتها. لقد فشلت بلدان أخرى مثل أنجولا ونيجيريا في إجراء إصلاحات كافية. وساهم تدهور أسعار الطاقة في عدم استقرار أوضاعها. من شأن الحصافة المالية (ضبط والنفقات والإيرادات) والبيئة الأكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب أن تساعدا الصناعات المحلية على الحصول على أحدث التقنيات والمنافسة في أسواق الطاقة العالمية. وسيكون لثورة الطاقة في الولايات المتحدة آثار ضخمة تتجاوز كثيرا الوظائف والنمو الاقتصادي الذي ستحفزه الطاقة الرخيصة. وفيما يخص الكهرباء، تفضل اقتصادياتها باطراد استخدام الغاز الطبيعي والموارد المتجددة كوقود لتوليدها مما سيجعل من الصعب جدا للفحم أن ينافسها في ذلك بصرف النظر عن مزاعم الساسة. وكان الفحم يشكل وقودا لما يقرب من نصف التوليد الكهربائي في الولايات المتحدة عام 2007 ولكن نسبته تدنت إلى 30% في عام 2016. ولن تعود أغلب الوظائف المرتبطة بإنتاج الفحم. لم تشهد الولايات المتحدة حتى الآن حوارا عاما مؤسسا على معلومات وافية حول الكيفية التي تتغير بها طبيعة العمل في الاقتصاد الحديث. لقد جرَّبَت صناعة الطاقة هذا التحول مباشرة وفي مقدورها توضيح الكيفية التي يمكن أن توائم بها قوة العمل نفسها(مع هذا التحول) فشركات الطاقة مثلا بدأت في فهم كيفية إعادة تدريب العمال خلال فترة عملهم مع إحلال الوظائف الإشرافية في غرف التحكم بمحطات توليد الكهرباء وفي منصات الإنتاج بالأنظمة المؤتمتة. كما يتغير التعليم والتدريب أيضا. فجامعة “تكساس أيه آند أم” مثلا تدشن برنامجا دراسيا لدرجة الماجستير في تقنيات الجغرافيا المكانية يستهدف تحديدا القوة العاملة في قطاع النفط والغاز. وربما أن التغير المناخي يظل أعظم التحدّيات. فوفقا لآخر تقييم من اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي سيحتاج العالم إلى خفض الانبعاثات بنسبة 80% لإبطاء ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض ثم وقفه في النهاية. ولكن أوضحت مؤتمرات القمم والمفاوضات في العقدين الأخيرين أن هذا الهدف لن يكون سهلا. بل قد تجعله ثورة إنتاج الوقود الأحفوري أكثر صعوبة لأن أسعار مصادر الوقود الذي يرتكز على الكربون ستظل في الغالب منافسة قوية لتلك التي تصدر عنها انبعاثات كربونية أقل. يوجد جزء من الحل في المزيد من الابتكار. وفي مؤتمر التغير المناخي في باريس في أواخر عام 2015 التزمت حكومات أكبر بلدان العالم بمضاعفة إنفاقها على البحث والتطوير في مجال الطاقة. ولكنها حتى الآن لم تَفِ بذلك. وعلى الرغم من وجود زيادة في استثمار القطاع الخاص إلا أن الاستثمار الحكومي على أبحاث وتطوير الطاقة حول العالم الصناعي ظل ثابتا لفترة تقرب من أربعة عقود.

لقد بدأت المنافع الضخمة المستمدة من ثورة تقنية الطاقة في الوصول للمستهلكين. فتكلفة النفط الذي يستهلكه اقتصاد العالم في كل يوم (92 مليونا) أقل الآن بحوالي 2 تريليون دولار سنويا من تكلفته قبل عشرة أعوام. وفي الولايات المتحدة ساعدت ثورة الطاقة على استدامة النمو الاقتصادي. ففي الفترة من 2008 الى 2014 وفرت الأسعار المنخفضة ما يزيد عن 700 دولار للأسرة المتوسطة. لقد انتهى العهد الذي كانت تركز فيه سياسة الطاقة على أمن إمدادات الموارد الخام ( تأمين الحصول على براميل النفط وأطنان الفحم والغاز الطبيعي) فمهمة واضعي السياسات اليوم هي التعامل مع النتائج التي ينطوي عليها عالم جديد للطاقة الرخيصة والوفيرة.