1083398
1083398
آخر الأخبار

20 فنانا يمزجون اللون بالظلال وينسجون مع خيوط الشمس لوحة خالدة

14 أغسطس 2017
14 أغسطس 2017

عاصم الشيدي

تنعكس أشعة الشمس من أعلى على شكل خيوط ذهبية حادة، ولكنها عند نقطة معينة تبدأ في التشتت والتناثر يمينًا ويسارًا، يحسبها الناظر عشوائية ولكن بقليل من التأمل تبدو تلك الخيوط اللونية، وهي تقوم بدور مواز ومساند لعشرين فنانا تشكيليا عالميا اجتمعوا في مكان واحد ولهدف واحد تقريبا هو القول بصوت واحد إن الفنون، تشكيلية أو ضوئية أو بلاغية قولية، هي الطريق الوحيد لتجميع هذا العالم عند نقطة الحب، وتقاطع السلام والجمال ومنعطف المحبة المطلقة.

يتشتت الخيط الواحد إلى خيوط عدة وتسقط على تلك الصفحات البيضاء التي بدأت ضربات الفرشاة الهادئة تكسبها الكثير من الجمال، وتحولها إلى كائن ناطق بلغة واحدة ولكنها مفهومة من الجميع.. لا يحتاج الأمر إلى ترجمان، فكل ضربة من الفرشاة على صفحة اللوحة تنطق بكل اللغات وتكشف عن سرها للجميع خاصة لأولئك الذين تنصهر أرواحهم مع اللون وتقاطعاته، ومع الظلال وتموجاتها. ومن فوق اللوحة وبعد أن تدثر الخيط الذهبي باللون يعود وينعكس على وضاءة الوجوه وحسنها ويكتمل المشهد بكل أبعاده الجمالية وبكل منطوقاته التي لا تنتهي.

عند تلك المساحة تحدث المفارقة التي من شأنها أن تنتج كل هذا الوهج وكل هذا الامتداد في عمق المشهد.

المفارقة الأخرى في هذا المشهد الجمالي أن العشرين فنانًا تشكيليًا الذين تجمعوا في ساحة الفنون بفندق البندر بمنتجع بر الجصة «شنجريلا» جاؤوا بدعوة من بيت الزبير «متحف ومؤسسة ثقافية خاصة وليست حكومية» ليشكلوا «ملتقى بيت الزبير الدولي الأول للفنون» وهو ملتقى قدّره الفنانون المشاركون عاليا لأنه من الملتقيات القليلة والنادرة في السلطنة. ومبادرة بيت الزبير بهذا المستوى وعند هذا الحد جديرة بأن تتكرر من المؤسسة نفسها أو من مؤسسات ثقافية حكومية وخاصة لرفد المشهد الثقافي وتحريك راكده فنيا وفكريا.

يبدو المشهد وأنت تنظر إليه من أعلى باذخا بالجمال، عشرون فنانا يعملون على أربعين لوحة تشكيلية بدأت بعض ملامحها في التشكل.. البعض يوزع ضربات فرشاته يمينًا ويسارًا فوق اللوحة، والآخر يتأمل المنظر من عدة زوايا، وفنان آخر افترش الأرض يمزج في الألوان ليخرج بلونه المفضل، وفنانة أخرى تمازجت مع اللوحة ومع تفاصيلها حتى أنك لا تعرف من أيهما يشع ذلك الجمال وذلك النور الرباني.

خطوة.. وثانية وتجد نفسك وسط لوحة كبيرة، ووسط بحر من التشكيل. اختار الملتقى لنفسه ثيمة عمانية تراثية يجتمع عليها الفنانون المشاركون وهي ثيمة المعمار العماني.. ولكن تفاصيل الثيمة لا تبقى عند حد معين ولكنها تحلق عاليا. فالمعمار العماني كما أكد المشاركون يتناغم مع مفردات كثيرة من بينها الحروفيات والنقوش الصخرية وجماليات السقوف وجماليات الأبواب والنوافذ والأقواس وكذلك جماليات الألوان المتناغمة مع الطبيعة أو كما قالت فنانة روسية هي إلينا «ترى القلاع العمانية وكأنها نحتت من الجبال لشدة التمازج بين ألوانها».

وسط هذا كله التقينا بالدكتور محمد بن عبدالكريم الشحي مدير بيت الزبير للحديث حول الملتقى. بابتسامته المعهودة قال الشحي: أهمية هذه الملتقيات تكمن في تعزيز الحيوية الثقافية خصوصا تلك المرتبطة بالوعي الجمالي والتربية والحساسية الفنية لدى المهتمين بقطاع الفنون التشكيلية، وبيان القيمة الجمالية في مفردات حسية أو مجردة تتحول عبر وعي الفنانين لمعادل بصري تم النظر إليه من زوايا فنية وتجاربية متنوعة ومتعددة.

ويضيف الشحي: وإذا كنّا قد اخترنا ثيمة رئيسة للملتقى وهي التقاليد المعمارية العمانية فإننا نبحث عن محاكاة للقيم الجمالية المحلية من أسماء فنية وأيقونات ذات تكوين إبداعي وهويات بصرية وبنى فنية أسلوبية متعددة ستثري بدورها مستويات واتجاهات التناول لهذه القيم والموضوعات.

ويختتم الشحي حديثه بالقول: تساعد هذه الملتقيات كذلك على الوقوف على آخر مستويات التعبير الفني وأدواته وتقنياته وتوجهاته، وعلى الصعيد الداخلي يهمنا النهوض بالخبرات والكفاءات في المؤسسة عبر انخراطها في أشكال تنظيمية وممارسات ثقافية متنوعة ومغايرة.

الفنان العماني حسين عبيد أحد المشاركين في الملتقى كان يعمل على لوحته، ينظر لها من زوايا مختلفة.. يقول حسين عبيد أهتم كثيرًا بالكتابات على الصخور، أو ما يمكن تسميته بالفن الصخري، وأعمل خلال الملتقى على لوحتين أمزج فيهما النقوش الصخرية والتمائم «العمانية» وأحيطهما بالتأثيرات المعروفة على الجدران، وهذا أثر مهم يمكن لأي مجتمع أن يقرأه وفق سياقه الثقافي ووفق الحضارة التي تنتمي لها تلك الثقافة.

حسين عبيد لا ينسى أن يحيي بيت الزبير على مبادرته الثقافية المتميزة معتبرًا أن مثل هذا الملتقى يُحدث حراكا ثقافيا مهما وتفاعلا بين فنانين من ثقافات ودول مختلفة.. «يصمت حسين عبيد قليلا ثم يعود للحديث»: أغلب المؤسسات في العالم اليوم تشتغل على مثل هذه الملتقيات/‏‏‏ الورش التي يكون فيها العمل حيا أمام الجميع بدل ملتقيات تعرض النتاجات فقط.

وإلى جوار حسين عبيد كان يعمل الفنان السعودي نهار مرزوق.. ونهار من مدينة جدة عروس البحر الأحمر جاء يحمل في ذهنه الكثير من جمال تلك المدينة ويضعه إلى جوار الفن الذي يمكن أن يستلهمه من البيئة العمانية وعمرانها الباذخ بالجمال.

أكثر ما تحدث عنه نهار هو فكرة وجود مثل هذا العدد من الفنانين العرب والأوروبيين والأسيويين في مساحة واحدة يعبرون عن ثيمة واحدة بمدارس مختلفة، معتبرًا أن بيت الزبير بهذا الملتقى يعطي رسالة للجميع أن الفن للجميع وأن مسقط جديرة بأن تكون المساحة الجميلة التي يجتمع فيها الجميع، ويأخذ من رمزيتها المكانية والزمانية الجميع لينتجوا فنا تشكيليا مختلفًا.

ونهار مزروق يشتغل على فكرة الحروفيات، والحرف العربي بشكل خاص والألوان التي يرى أن الطبيعة في عُمان تحتفل كثيرا بها وبتمازجها مع كل تجلياتها.

الكل في الملتقى منشغل بلوحته ولكن هذا لا يمنع الجميع من تبادل الحديث حول الثيمة المطروحة للملتقى وحول لوحة شدت الجميع أو فكرة في جدار أو في سقف لم يكن لينتبه لها أحد لولا لوحة الفنان وبدايات تمازج اللون على بياض اللوحة.

في وسط المشهد كانت الفنانة القطرية هنادي الدرويش منهمكة جدًا في لوحتها، تدور حولها من كل الاتجاهات، تريد رؤية المشهد من زوايا مختلفة.

هنادي تقول هذه زيارتي الثانية لمسقط، الأولى كانت قبل عشر سنوات المشهد الآن تغير كثيرا، ولكن حضارة عمان وتراثها ما زال باقيا وشاهدا على عراقة هذه البلاد. ولأن الثقافة العمانية هي جزء من ثقافة الجزيرة العربية تقول هنادي ننطلق غالبا من ثقافة واحدة ورغم اشتغالي على ثيمة المعمار العماني إلا أنني أحب تقديم العمل بروح معاصرة، الأصالة موجودة ولكن المعاصرة حاضرة أيضا. وفي عملي الجديد أشتغل على ثيمة الملابس النسائية القديمة التي تحضر فيها الورود الحمراء ولكن بأسلوب معاصر وبما يتناسب مع الثيمة التي يشتغل عليها الملتقى بشكل عام.

وتتحدث هنادي عن الحركة الفنية في الخليج والتي ترى أنها متقدمة وتساير الحراك الفني التشكيلي في العالم.. والجيل الجديد يسعى لتقديم المختلف ومثل هذه الملتقيات تكرس فكرة التأثير والتعرف على نتاج الآخرين ومدارسهم الفنية.

في لوحة باتت ملامحها واضحة جدا، وهي عبارة عن تأطير لمجموعة أقواس مستلة من جامع السلطان قابوس الأكبر ترى كيف يستطيع الفنان أن يضيف من إبداعه ومن خبرته على المشهد وكيف يحول تفاصيل بسيطة لا يلتفت لها أحد إلى علامات بارزة في اللوحة وفي تفاصيلها.

هناك كانت تقف الفنانة العمانية فخر تاج الإسماعيلية المهتمة في لوحتيها المشاركتين في الملتقى بالنقوش في الأبواب والشبابيك. وينتمي عمل الإسماعيلية إلى الأسلوب الانبطاعي ولكن العمل ما زال في بدايته وهو قابل ليشهد أكثر من منطعف كما تؤكد الإسماعيلية نفسها.

وحول أهمية مثل هذه الملتقيات للفنان ترى فخر تاج إنها تزيد كثيرًا من رصيد الفنان وتطور أساليبه من خلال الخبرات التي يستفيدها من الآخرين.

وفي ركن آخر من أركان ساحة الفنون في فندق البندر ببر الجصة حيث تقام فعاليات الملتقى كان الفنان العراقي المقيم في تونس علي رضا سعيد يقف أمام لوحته.. ولوحة علي رضا تتناغم مع الحرفة الإنسانية التي يحافظ عليها الإنسان العماني المحافظ دائما على تراثه. ويرى على رضا أن المكان يتناسب مع اللوحة وربطها مع مفردات المعمار العماني للوصول للوحة معاصرة تحقق ثيمة الملتقى.

الفنانان محمد الصايغ وسامي السيابي مشتغلان على فكرة توثيق الفن المعماري ولذلك جاءت ثيمة الملتقى متماسة مع اشتغالاتهم وهما معا يعتبران أن مثل هذه الثيمة التي اختارها الملتقى توثق المعمار العماني القديم وتضيف له الكثير من الأبعاد واللمسات الفنية.

وإلى جوارهم كان الفنان الشاب مازن المعمري يعمل على لوحة حروفية ولكن في سياق فكرة المعمار العماني.. وفكرة مازن أن توثيق مثل هذا المعمار مهم جدا عبر الفن التشكيلية مثله مثل التشكيل الضوئي خوفا من اندثاره ذات يوم مع النقلات التي تشهدها البشرية وتتحرك خلالها الفنون، وعندما يقوم الفن بدور التوثيق ولكن في سياق جمالي هذا يبطئ عملية الاندثار ويلفت نظر الناس للجمال الموجود في هذا المعمار.

أما الفنانة الروسية إلينا شابوفالوفا التي تزور عمان للمرة الأولى فتقول بانبهار كبير تفاجأت.. تفاجأت كثيرا بالطبيعة هنا رغم أن وصولي كان مساء ولكن شدت المدينة انتباهي كثيرا حيث رأيت مناظر جذابة وتناغم البحر مع التكوينات الجبلية وهذه المباني التي تبدو وكأنها منحوتة في الطبيعة وتأخذ ألوانها منها بشكل لا شك فيه.

وترى إلينا أن الجميع في الملتقى أصبحوا سريعا وكأنهم أسرة واحدة وفي اعتقادي هذا أحد أهداف الملتقى، الذي من شأنه أن يرسخ فكرة التمازج بين المدارس الفنية في مشرق الأرض ومغربها.

لوحة إلينا ما زالت بيضاء، لم تلمسها الفرشاة بعد وعندما سألتها عن السبب قالت أريد في البدء أن أتأثر بالمكان، بالتفاصيل.. لدي صور كثيرة وأحاول أن استقرئ ألوانها وأن أرى الفنون المعمارية وأن أشاهد وجوه الناس أكثر وأكثر حتى أستطيع أن أضع تصورا للعمل الذي سوف أنجزه. وتضيف إلينا: شدتني الأبواب كثيرًا وكذلك النوافذ. وتركز إلينا على صورة لقلعة بهلا وتقول إنها ساحرة وتريد أن تخرج منها بعمل قد تبدأ فيه الليلة «أمس».. «تصمت قليلا ثم تتحدث»: زرت أماكن كثيرة في مصر وفي أوروبا ورأيت تفاصيل المعمار في تلك الحضارات ولكن ما شدني في المعمار العماني الهدوء والبساطة الساحرة.. هنا الأمور بسيطة ولكنها ساحرة جدا، حتى الجوانب الرمزية بسيطة ولكن يمكن أن نقرأ فيها الكثير والكثير. أيضا الامتدادات اللونية بين الطبيعة وألوانها وبين القلاع والبيوت، لا توجد فواصل بين هذا المعمار وبين الطبيعة.

أما الفنانة الإيرانية الشابة سارة خلفي فتقول: أكثر ما شدني في عمان فور وصولي إليها الهدوء الذي يعم المكان.. أيضا اللون الأبيض الذي ينتشر في كل مكان، والجبال التي تحيط بالمدينة، والغريب، كما تقول سارة وهي تبتسم، حتى الناس والبشر هنا على قدر كبير من الهدوء سواء في مجمل الحياة أو وهم يتحدثون إليك ولطفاء إلى درجة كبيرة.

تضيف سارة: سمعت الكثير عن عمان وأنها بلد الحب والسلام واليوم أنا هنا لأرى الأمر بعين فنية وفعلا أنا أرى ما سمعت أمامي.

سارة تعمل على جوانب وثيمات فلسفية في لوحتها كما تقول فهي لا ترى السقف في القلاع والمعمار العماني من زاوية اللون فقط ولكن تعيد الأمر إلى جوانب فكرية وتحاول فلسفة الأمر وربطه بجوانب إنسانية.. كما تنطلق من الحروف العربية والموتيفات الموجودة في المعمار لتنطلق منه إلى تفاصيل لوحتها التي تعمل عليها.

وليس بعيدًا عن فكرتها ينطلق الفنان الألماني بهاء الدين في عمله مما كتبه الشاعر الكردي «نالي» وهو أحد كبار شعراء الثقافة الكردية الذي كتب قصائد تغنى فيها بالبخور العماني. يقول بهاء الدين أحاول أن أعيش بروحي تلك الأبيات الشعرية التي كتبها نالي وأنا أعمل على لوحتي. وكان نالي كثير العشق لتلك المشاهد وأنا أحوال أن أجسد ذلك الحب في لوحتي.

وبهاء الدين يرفع رأسه لأعلى وينظر لخيوط الشمس المنسابة من أعلى على ساحة الفنون ليقول: لا أريد أن أقول أن الشمس مشرقة ولكن أريد القول أن هذه الأشعة تبعث فينا الكثير من الطاقة أكثر مما نعيشه في ألمانيا.

لكن بهاء الدين عاد ليقول نحن لا يجمعنا هنا الشرق والغرب أو الإسلام أو المسيحية نحن تجمعنا الألوان، الفنون، والجمال، تجمعنا قوة الفرشاة، وقوة التعبير. هذا هو أكبر وأسمى أهداف هذا الملتقى والملتقيات المشابهة له في أي مكان.

ومن أذربيجان يتحدث الفنان رامز مراد أوغلو عن ثيمة المعمار التي اختارها الملتقى لينطلق منها المشاركون في الملتقى فعبر المعمار الإسلامي في الأندلس عرف الملايين الحضارة الإسلامية وعبر نقوش قصر الحمراء بهر العالم بما حققته هذه الحضارة.. ويضيف كل هذا الجمال المتراكم في المعمار الإسلامي أشعر أنه في داخلي وأنا اليوم هنا من أجل محاولة إخراج بعض منه عبر لوحتين أعمل بهما في الملتقى.

وفي ختام جولتنا داخل أروقة الملتقى كان لا بد من وقفة مع الفنان العماني موسى عمر المشرف الفني على الملتقى..

موسى عمر يؤكد على أهمية الملتقيات خاصة التي تقام في السلطنة باعتبارها قليلة وقلت أكثر خلال السنوات الماضية لأنها تكرس أهمية الفنون في بناء أي سياق حضاري، كما أنها تعمل على إكساب الخبرات مع تفاعل الفنانين بعضهم ببعض خاصة أن تقنيات كل فنان تختلف عن تقنيات الفنان الآخر.

وحول أهمية اختيار ثيمة المعمار العماني يقــــول موسى عمر هذا مهم جدا ولا بد أن ننطلق دائما من ثيمات محلية سواء في الرسم أو في الموسيقى ولذلك تساهم الثيمة المحلية في لفت أنظار مختلف الفانين لهذه الفكرة وتجلياتها وتفاصيلها.

ويشكر موسى عمر بيت الزبير على تبني مثل هذا الملتقى وهو يعتقد أنه سوف يفرز أعمالًا متميزة ستكون ضمن مقتنيات بيت الزبير.‏‫