أفكار وآراء

القروض الإنتاجية

12 أغسطس 2017
12 أغسطس 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

يمكن القول إن معظم دول العالم تلجأ للقروض سواء كانت داخلية أو خارجية. والقروض التي تلجأ لها الحكومات في الدول النامية مضطرة للإيفاء بمتطلبات الإنفاق العام المقر في موازناتها السنوية. وتأخذ القروض أشكالا عديدة، منها المباشرة أو غير المباشرة وتسجل على مديونيات الدول حتى يتم سدادها.

وتأتي القروض المباشرة المتداولة بين حكومات دول العالم بالمرتبة الثانية بعد قروض كل من صندوق النقد والبنك الدوليين التي تعتبر من بين أهم المؤسسات العالمية تمويلا للقروض للدول النامية. ولعل الشروط التي يفرضها كل من الصندوق والبنك تتضمن تدخلا في صياغة التوجهات الاقتصادية للدول النامية. الأمر الذي طالما أعاق قبول أو أجل منح تلك القروض.

فالقرض البالغ قيمته 12 مليار دولار الذي تقدمت به مصر لصندوق النقد الدولي امتد زمن التفاوض على منحه أربع سنوات. وجاءت موافقة الصندوق على منح الدفعة الثانية، وقيمتها 1.25 مليار دولار، من القرض في 14 يوليو 2017 على أن تكتمل إجراءاته خلال ثلاث سنوات. وقال الصندوق إن مجلسه التنفيذي وافق على تحويل الشريحة الثانية لمصر، بعد إجراءات اتخذتها الحكومة لخفض الدعم على الوقود في إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادي. إذ إن الصندوق طالما طالب حكومات الدول المقترضة رفع دعم الأسعار. ضمانا لاسترداد مبلغ القرض مع فوائده من خلال تقليص الإنفاق العام. وحصلت مصر في 12 نوفمبر 2016 على 2.75 مليار دولار كشريحة أولى من القرض.

و»تخضع القروض التي تقدمها المؤسسات المالية لدول العالم النامية إلى مجموعة معينة من الاشتراطات التي تهدف إلى ربط إتمام التحويلات المالية إلى الدولة المعنية بقيامها بتنفيذ سياسات أساسية، وتضمن للدولة المقترضة استمرار الحصول على التمويل إذا وضعت جميع السياسات موضع التنفيذ (تقرير الصندوق 20 فبراير 2001).

وعند مراجعة السياسات التي تطالب بها الجهات المقرضة فإنها تؤكد على ضرورة ان توجه أموال القروض لمشاريع إنتاجية أو لتطوير البنية الأساسية التي ستفضي إلى تنمية الإنتاج المحلي الإجمالي للدولة. وبعد أن تسبب تطبيق شروط منح قروض الصندوق والبنك في الدول النامية بأعمال عنف في عدد من الدول النامية أعيد صياغة الشروط. ففي أحدث المفاوضات بين تركيا والصندوق لمنح قرض طالب الصندوق بعودة تدفق الائتمان إلى القطاع العقاري التركي. وشفافية أكثر للعمليات الحكومية. وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة. والتوسع في الخصخصة. وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتنشيط إجراءات التكيف المالي. وتخفيض التضخم.

سواء أكان مصدر القرض الصندوق أو البنك الدوليين أو أي من المؤسسات المالية أو حكومات لحكومات فإن المُقرض حريص على استعادة مبلغ القرض وفوائده حسب اتفاقية القرض. فنجد أن هذه الجهات سريعة الاستجابة في تقديم القرض المطلوب لهذه الدولة النامية أو تلك عندما تعلم أن للدولة المقترضة موارد مالية مؤكدة. كالدول النفطية. ولعل أوضح الأمثلة تلك القروض التي قدمت للعراق خلال بضع سنوات تجاوزت 20 مليار دولار استوفي معظمها من النفط.

كذلك فإن دولا إفريقية فقيرة تلقت قروضا من المانحين بيسر رغم سجلها السلبي في الإيفاء بسداد القروض. وذلك أن تلك الدول غنية بموارد طبيعية تستغلها شركات غربية. فأرضها تختزن المعادن النفيسة كالذهب والفضة والبلاتين أو المعادن الصناعية كالحديد والنحاس والألمنيوم. وطالما كان منح تلك القروض يتم مع حكوماتها والجهات المقرضة والشركات الغربية العاملة على أراضيها. ليكون استيفاء القروض مضمونة.

ما تقدم يؤكد أن الجهات التي تمنح القروض تريد ضمانات باستيفائها مع فوائدها من خلال توظيفها في مشاريع إنتاجية. وهنا يمكن القول إن القروض الممنوحة لحكومات الدول النامية تشبه إلى حد كبير قروض الأفراد الشخصية. فالتي توجه إلى أغراض استهلاكية يصعب سدادها. أما تلك التي توظف في مشاريع إنتاجية فإنها مضمونة السداد. وسواء أكانت القروض حكومية أو شخصية فإنها بحكم القروض المباشرة. وإذا كانت القروض المباشرة مرهونة بشروط المانح أن توظف استثماريا، فإن القروض غير المباشرة التي تأخذ شكل السندات والصكوك وأذون الخزانة التي تصدرها الحكومات لابد أن تكون قد درست قبل إصدارها. وفي كل الأحوال فإن تلك الأوراق المالية تُحسب في إطار الدين الحكومي. ولأن بعضها محدود الإيفاء بزمن قريب، فإن توظيفها لابد أن يكون موجها للتعامل المالي الآني. كسد العجز في الموازنة أو استكمال مشروع استثماري.

فالدول النامية التي تلجأ لإصدار أذون الخزانة أو السندات أو الصكوك السيادية تعتبر قروضا مدينة، فإن لم تستثمر إنتاجيا فإنها تزيد من مديونية الحكومات. وتضعف موقفها أمام مؤسسات الإقراض العالمية مستقبلا. فالقروض التي توظف في مشاريع إنتاجية لا تساهم فقط في دفع عجلة التنمية وإنما تعزز الثقة باقتصادها على المستوى الدولي.

تمكنت الإدارة المالية للاقتصاد العماني من التعامل الإيجابي في مواجهة تراجع إيرادات النفط. ففي موازنتي السنتين الماليتين 2015 و2016 لم تتأثر المصروفات الجارية والرأسمالية للوزارات المدنية والوحدات الحكومية والهيئات العامة. وذلك من خلال تنفيذ سياسات وخطط مالية وإجراءات احترازية ضمنت التوازن بين الترشيد وتواصل النمو وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية وإجراءات مدروسة لزيادة الإيرادات العامة من الرسوم والضرائب وعقد القروض العامة وتسديدها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة لذلك.

وخلال الأعوام 2015 و2016 تواصلت عمليات الدين الداخلي بإصدار أذون الخزانة ذات الأجل القصير. وإصدار الصكوك السيادية فضمنت حكومة السلطنة التدفق المالي ليس فقط لسد العجز في الموازنات المالية بل ومواصلة تمويل المشاريع التنموية العملاقة المتمثلة بالمدينة الصناعية بالدقم والموانئ والمطارات والمناطق الصناعية. ثم جاء القرض الصيني للسلطنة ليؤكد الثقة الدولية بالاقتصاد العماني. وقالت وزارة المالية، في بيان: «وقعت حكومة السلطنة قرضا غير مشروط بضمان، مع مجموعة مؤسسات مالية صينية، بلغت قيمته 3 مليارات و550 مليون دولار.

وعملية الاقتراض هذه تأتي بعد طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، وصكوك سيادية بقيمة ملياري دولار، في وقت سابق من هذا العام.

وأكدت وزارة المالية،أن الحكومة «بحصولها على القرض قد نجحت في تلبية متطلبات التمويل للعجز المالي المتوقع لعام 2017، وكذلك سداد أقساط القروض التي يحين أجل استحقاقها خلال العام نفسه».

وسواء أكانت أذون خزانة أو صكوك سيادية أو قروض خارجية فإن معظمها موجه لاستكمال المشاريع الاستثمارية التي يتوقع ان تكون إيراداتها المالية تعادل الإيرادات النفطية خلال سنوات خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 ــــ 2020).

ولعل الثقة الراسخة بالاقتصاد العماني على المستوى الائتماني في إصدارها الصكوك على المستوى الدولي أو حصولها على القروض مصدرها عاملان سياسي وجغرافي. فأما السياسي فإنه يتمثل بالنهج السلمي والتعاون الذي دأبت عليه السلطنة خليجيا وعربيا ودوليا. وكان هذا العامل أحد أهم الشروط التي تفرضها الدول لمنح القروض او للتعاون في إصدار الصكوك السيادية. أما العامل الآخر فيتمثل بالموقع الجغرافي للسلطنة إذ تحتل الموقع الجنوبي الشرقي للجزيرة العربية لديها ساحل جنوبي مطل على بحر العرب وبحر عُمان من الشمال الشرقي وتشترك في حدودها البحرية مع لإيران وباكستان والإمارات واليمن. ذلك فضلا عن موقع محافظة مسندم عند مدخل الخليج العربي. فالموقع الجغرافي للسلطنة يجعلها معبرا تجاريا يربط محيطين.