أفكار وآراء

لماذا لن يحل الاستفتاء مشاكل كردستان العراق؟

11 أغسطس 2017
11 أغسطس 2017

جاكسون ديل -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

تشكل انطباع لا يزال ماثلا في واشنطن فحواه أن منطقة كردستان العراقية هي الآن نفسها قبل 5 أعوام (قبل ظهور داعش) أي أنها آمنة ومزدهرة في ظل نظام  ديمقراطي صاعد ومنحاز للغرب ويصعب باطراد تجاهل طموحاتها في الاستقلال التام عن العراق، ولكن لسوء الحظ تغير الكثير منذ ذلك الوقت بسبب الحرب وانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وسوء أداء الأكراد أنفسهم، فكردستان محطمة سياسيا واقتصاديا فيما تنهار دولة داعش ببطء إلى الجنوب والغرب منها، كما لا يزال الرئيس مسعود برازاني  في منصبه بعد 4 أعوام من انتهاء فترة رئاسته للإقليم، ولم يجتمع البرلمان منذ عامين تقريبا، والحكومة غارقة في الديون وبالكاد تستطيع سداد رواتب ثلاثة أرباع القوة العاملة الحكومية. أيضا تنقسم القوات العسكرية والأمنية إلى فئات متنافسة، وكان رد برازاني على هذه المشكلات ترتيب استفتاء على استقلال كردستان في 25 سبتمبر القادم، لقد قوبلت مبادرته بالرفض ليس فقط من جانب الحكومة الفيدرالية العراقية ولكن أيضا من الجارتين القويتين إيران وتركيا،  وكذلك من الولايات المتحدة، وما هو أكثر دلالة، أن هذا الاستفتاء يعتبر، حتى من جانب الأكراد ذوي الولاء الشديد لفكرة الاستقلال، دليلا على وصول السياسة في الإقليم إلى انسداد خطر، يقول «شوسوار قادر»،  وهو صاحب الشبكة التلفزيونية المستقلة «إن آر تي»  في كردستان، أن الاستفتاء «وسيلة يتعلل بها القادة الأكراد للبقاء في الحكم» ويعتقد أن الجيل الجديد لا يعرف أي شيء عن القتال الذي خاضه هؤلاء القادة القدامى في الجبال ضد صدام حسين. لذلك «هم بحاجة إلى  ذريعة أخرى لحكم (كردستان) لفترة 26 سنة  أخرى قادمة» تعكس هذه الكلمات المريرة منظور قادر بصفته أحد أفراد الجيل الصاعد  من الأكراد             (والعراقيين) الذين يصارعون حول كيفية إيجاد مؤسسات سياسية مستقرة واقتصاد فاعل وسط  فوضى النزاعات الطائفية والحركات المتطرفة والمؤسسات الفاسدة التي يحتشد بها «مشهد»  ما بعد دولة داعش، فالتحدي الذي يواجههم، سواء قبلوا ذلك أم لا، هو بناء البلد، وفي ذلك يحتاجون بشدة إلى عون الولايات المتحدة، ويمكن أن  تكون القناة التلفزيونية المستقلة منطلقا لهذا المسعى على الأقل، ففي حين أن معظم وسائل الإعلام العراقية  تسيطر عليها الحكومة أو الأحزاب السياسية  إلا أن « قادر» هو واحد من أقطاب كردستان القليلين الذين بنوا أنفسهم بأنفسهم، ولد بالسليمانية وبدأ ببيع الألعاب الإلكترونية في صباه، ثم  صار أحد كبار مطوري العقار في كردستان قبل أن يؤسس شبكة «إن آر تي» التلفزيونية عام 2011  وهو في سن الثانية والثلاثين، لقد واجهت هذه الشبكة التي تم تدشينها تحت شعار» الجرأة والتوازن والحقيقة» أول حادثة هجوم وحرق لمكاتبها خلال أسبوع من افتتاحها، اتهم «قادر» حركيين من الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد القوتين السياسيتين التاريخيتين في الإقليم، بتدبير الهجوم، ثم بعد عامين من ذلك نجا من محاولة اغتيال، كما أغلقت السلطات الكردية  مكاتب الشبكة التلفزيونية واعتقلت صحفيها عدة مرات، لكنها رغما عن ذلك صمدت وازدهرت، وهي تملك الآن قناتين كرديتين وقناة عربية  تغطي كل العراق بجانب موقع على الإنترنت باللغة الإنجليزية، وحسب «قادر»، يجب أن تركز كردستان على المصالحة بين جماعاتها المتناحرة وبناء أساس قوي للاقتصاد ولنظام سياسي ديموقراطي بدلا عن المبادرات الفخمة مثل الاستفتاء على الاستقلال، وقال لي في أثناء زيارة له إلى واشنطن الشهر الماضي «لا يوجد لدينا اقتصاد، نملك خط أنابيب واحد، ولا يوجد لدينا نظام قضائي. ولا نملك جيشا موحدا، وليس لدينا  برلمان»  ويرى «قادر» أن الاستفتاء قد يدفع تركيا إلى إغلاق خط الأنابيب الذي تصدر كردستان عبره نفطها القليل نسبيا والذي يشكل المصدر الوحيد الموثوق لإيراداتها، كما يمكن أن يدفع الأتراك وإيران إلى مساندة فئات متنافسة في الجيش المنقسم بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة برزاني مما سيعني استئناف الحرب الأهلية التي سبق أن خاضها الطرفان في أعوام التسعينيات، ويتساءل «قادر» ما هو «نوع كردستان التي نريدها؟ هل ستكون لدينا (دولة مثل) كوريا الشمالية أم جنوب السودان؟» ويقول أن المسار الصحيح ليس  الاستفتاء ولكن انتخابات حرة ونزيهة لبرلمان جديد من المقرر إجراؤها بحلول نوفمبر القادم ولكنها، مثلها مثل الانتخابات الرئاسية، غالبا ما ستؤجل. يقر «قادر» دون تحفظ  باهتماماته. ففي حال تنظيم انتخابات، ينوي تشكيل  قائمة انتخابية خاصة به والترشح لمنصب رئيس الوزراء. هدفه هو حشد جيل ما بعد صدام حسين في كردستان، إنه جيل جديد لا يملك ذكريات عن التهديد الوجودي الذي تعرض له الشعب الكردي يوما ما من جانب دكتاتور العراق ويريد حكومة براجماتية يمكنها تقديم خدمات أساسية لا تزال مفقودة مثل الإمداد الكهربائي المستقر، من بين أهداف «قادر» من زيارته إلى  واشنطن إحياء اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز الديموقراطية الكردية والذي تبخر في أثناء إدارة أوباما، ويقول « لم تركز الولايات المتحدة على تلك القضايا مما قوض كل ما أنجزناه منذ عام 2003م» إقناع إدارة ترامب بجعل الانتخابات الكردية من أولوياتها مطلب صعب التحقيق، ولكن ربما سينصت الكونجرس إلى  وجهة النظر الوجيهة التي يتقدم بها «قادر»، فهو يقول: «كلما كانت لدينا انتخابات حرة ونزيهة كلما ضعفت فرص دخولنا في مرحلة عدم استقرار وعنف».