صحافة

الحياة الجديدة: محمود درويش .. نص عصي على الموت

11 أغسطس 2017
11 أغسطس 2017

في زاوية مقالات وآراء كتب باسم برهوم، مقالا بعنوان: محمود درويش.. نص عصي على الموت، جاء فيه:

هناك جزء ثابت في حياتي اليومية، أحاول المحافظة عليه رغم كل التطورات التي تجري من حولنا، هذا الجزء هو الذي أكرسه لقراءة شعر محمود درويش. السبب وراء هذا التقليد الذي تحول إلى عادة يومية، هو رغبتي في إبقاء روحي الإنسانية والوطنية حية، وأن أنقي عقلي مما يعلق به من شوائب في ذلك اليوم. باختصار إن ما أقوم به هو محاولة لاستلهام النقاء والصفاء والضمير الخير داخلي.

الرائع والمهم في عودتي اليومية هذه لشعر درويش إنني، في كل مرة أندهش لاكتشاف شيء جديد وبعد لم أكن أدركته بالأمس أو أمس الأول. الأمر الذي جعلني أكون متأكدًا أن شعر محمود درويش هو نص عصي عن الموت، بمعنى أنه نص يعيش عابرا للازمان.

تساءلت لماذا هو كذلك يتمتع بصفة الديمومة؟ بعد التفكير توصلت إلى إجابة أعتقد إنها هي من تعطي الديمومة لشعر درويش.

أولا: ما يتمتع به هذا النص من نقاء إنساني وانحياز والتزام أخلاقي لا نظير له للبعد الإنساني.

ثانيا: هذه الوطنية النقية في شعر محمود درويش وانحيازه الدائم لها، ليس هذا وحسب فإن شعر درويش هو إعادة صياغة إنسانية وحضارية للهوية الوطنية والثقافية للشعب الفلسطيني. ثالثا: الكيفية التي تعامل بها درويش مع العدو الإسرائيلي- الصهيوني العنصري فهو أدرك بعمق هذه الطبيعة العنصرية وهذه الرواية الزائفة التي بنت عليها الصهيونية ذاتها، ورغم إدراكه مدى الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني جراء ذلك، فإنه بقي يتعامل مع هذا العدو بالمنطق الإنساني فهو رفض أن يتحول إلى عنصري متطرف حاقد ينفي الآخر، لأن هذا هو الفخ الذي تريد إسرائيل والصهيونية أن توقعنا به أن نتحول مثلها إلى عنصريين ومتطرفين وحاقدين. ما أراد درويش هنا أن يقوله إن هذا العدو إذا، تخلص من كل هذه الصفات الاستعمارية الإحلالية لن يكون لنا مشكلة معه كإنسان.

رابعا: العمق المعرفي والثقافي الذي يقف خلف نصوص درويش الشعرية وهو عمق أفقي وعمودي وشامل، لذلك لم يكن غريبًا أنني في كل مرة اكتشف بعدا جديدا في هذا النص واندهش له. في نص درويش يتضح العمق في تشخيص طبيعة القضية والتاريخ والصراع ويكتشف أيضًا مدى عمقه في الفلسفة والأسطورة والدين.

خامسا: نص درويش لم يفقد البوصلة الوطنية يومًا ولا انحيازه الدائم وتبنيه للمشروع الوطني الفلسطيني. فقد انشأ نصًّا محكمًا إنسانيًّا يمكن تسويقه وتبنيه عربيا وعالميًّا، لذلك لم يكن غريبًا أن يتحول شعر درويش إلى أغانٍ وأن يترجم إلى عشرات اللغات.

بالتأكيد هذا ليس كل ما يقال أو قد يقال عن نص محمود درويش الشعري لأنني كقارئ يومي له سأكتشف غدا أو بعد غد بعدًا جديدًا لهذا الشعر. في ذكرى وفاتك التاسعة أيها الفلسطيني العظيم، أيها الإنسان العظيم، نقول إنك لم تمت أنت خالد فينا في شعرك ونصك الشعري العصي عن الموت.