أفكار وآراء

آسيا المحتقنة ... كوريا وغيرها !!

08 أغسطس 2017
08 أغسطس 2017

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل تحولت قارة آسيا التي خلفت وراءها الحروب منذ عدة عقود إلى قارة محتقنة، تكاد نيران الخلافات السياسية، والصراعات القومية والطموحات العسكرية أن تحولها لقارة مشتعلة بالحروب الكارثية، التي يمكن أن تخلف وراءها ملايين الضحايا، باعتبار آسيا الخزان البشري للعالم حيث أكثر من نصفه يعيش هناك؟

عدة مشاهد تدفعنا للبحث في طريق إيجاد جواب على السؤال المركب المتقدم، وفي المقدمة من تلك المشاهد، ما أقدمت عليه كوريا الشمالية من إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات، وقادر على إصابة الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص، سيما في ضوء الصراع السياسي والعسكري بين البلدين.

فقد جرت المقادير في الرابع من يوليو الجاري أن أطلقت «بيونج يانج» صاروخا من طراز «هواسبونج 14» بلغ ارتفاعه 2802 كيلو متر وأصاب هدفه بدقة بعد 39 دقيقة من إطلاقه، بعد أن انطلق لمسافة 930 كلم وهو رابع صاروخ باليستي تطلقه كوريا الشمالية منذ تولى الرئيس الكوري الجنوبي «مون جيه» السلطة في مايو الماضي، متعهدا باستخدام الحوار، وكذلك الضغط لوضع برامج بيونج يانج النووية والصاروخية تحت السيطرة.

هل كوريا الجنوبية فقط من أنزعج من صاروخ كوريا الشمالية؟

بالقطع لا، ذلك أن بقية دول الجوار الآسيوية استشعرت خطرا كبيرا، وفي المقدمة منها اليابان، التي ذكرت أن الصاروخ قد سقط في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها، مضيفة أنها تعترض بشدة على هذا التحرك الذي تعتبره انتهاكا واضحا لقرارات الأمم المتحدة.

وعقب إطلاق الصاروخ قال «شينزو آبي» رئيس وزراء اليابان: إن كوريا الشمالية تتجاهل التحذيرات المتكررة من المجتمع الدولي مشددا على أنه سيطلب من رئيس الصين وروسيا لعب دور أكثر إيجابية في المساعي الرامية لإنهاء برامج أسلحة الكورية الشمالية.

هل كان للرئيس ترامب أن يصمت إزاء المشهد الكوري الشمالي؟

الشاهد أنه في أعقاب ورود أنباء عملية الإطلاق غرد الرئيس ترامب على تويتر قائلا: «كوريا الشمالية أطلقت للتو صاروخا آخرا، أليس لدى هذا الرجل شيء أفضل يفعله في حياته، في إشارة إلى زعيم كوريا الشمالية «كيم جونغ أون» وأضاف من الصعب الاعتقاد بأن اليابان ستطبق هنا أكثر من ذلك، ربما ستضغط الصين بقوة على كوريا الشمالية وتنهي هذا الهراء للأبد».

على أن السؤال هل سيكتفي ترامب بالتغريد أم أن خططه لمواجهة بيونغ يانغ كفيلة بأن تحيل استقرار آسيا إلى فوضى وسلامها إلى حروب وقتال؟

المعروف أنه عقب أول قمة له مع مون الأسبوع قبل الماضي في واشنطن، دعا ترامب إلى رد صادم على كوريا الشمالية، مشددا على أهمية التحالف بين البلدين، وفي أعقاب إطلاق الصاروخ ذكر البيت الأبيض أن «مون» طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي لبلاده، وباشر الاتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ... هل يتوقع المرء من ترامب تصعيدا عسكرياً؟

يطلق على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه رئيس «غير متوقع»، بمعنى أنه لا يمكن لأحد قراءة توجهاته أو تحركاته، ولهذا فإن كل سيناريوهات التعاطي مع كوريا الشمالية واردة بما فيها الصدام العسكري، الأمر الذي دعا روسيا والصين للتصريح علنا بأن المواجهة المسلحة بين واشنطن وبيونغ يانج يمكن أن تقود إلى تداعيات كارثية، ولعل مندوب الصين لدى الأمم المتحدة «ليو جيه بي» قد عبر عن حالة «آسيا المحتقنة» أفضل تعبير، حين أشار إلى أن التوتر عال جدا في الوقت الراهن، ونود أن نرى تخفيفا من حدته، لكن في حال استمرار التوتر بالارتفاع ، سيخرج الوضع، آجلا أم عاجلا، عن نطاق السيطرة، مما سيؤدى إلى تداعيات كارثية».

هل تقلق آسيا من أي هجوم عسكري أمريكي على بيونج يانج؟

لا يمكن القطع حتى الساعة ما إذا كانت صواريخ كوريا الشمالية تطال الولايات المتحدة أم لا، لكن المؤكد أنها تطال الدول الحليفة للولايات المتحدة في آسيا لا سيما اليابان، وكوريا الجنوبية حيث يتواجد نحو ثلاثين ألف جندي أمريكي هناك، عطفا على ذلك يمكن لصواريخ كوريا الشمالية أن تطال أكبر حاملة طائرات أمريكية راسية على الأرض وهي جزيرة «جوام» في المحيط الهاديء ، إضافة إلى الكثير من الأهداف الآسيوية التي تمثل أهدافا استراتيجية ومصالح حيوية للولايات المتحدة، وعليه فهل ستمضى إدارة ترامب وراء فلسفة خير وسيلة للدفاع الهجوم؟ وهل يعني ذلك أن المجابهة العسكرية بين واشنطن وبيونغ يانغ قد باتت حتمية؟

على أن السؤال الأخطر هو ... كيف سيكون موقف بكين وموسكو وهل سيسمحا بمثل هذه الحرب أو استخدام أسلحة نووية أمريكية بالقرب من جغرافيتهما؟ وهل في الطريق إلى آسيا ملفات أخرى تدفع المشهد لكي يزداد احتقانا؟

ربما يكون هذا صحيحا، وبخاصة في ضوء مخاوف حقيقية من اندلاع حرب بين دولتين يبلغ عدد سكانهما 2.7 مليار نسمة ... ماذا عن هذا التصعيد؟

في الأسبوع الأول من يوليو الجاري حذرت صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية من احتمالات نشوب حرب بين الصين والهند، والأولى يبلغ سكانها 1.4 مليار نسمة، بينما الثانية يصل تعدادها إلى 1.3مليار نسمة .

قبل فترة قريبة كانت الهند تندد بشق الصين طريقا على مقربة من الحدود المتنازع عليها عند ولاية «سيكيم الهندية» معتبرة أنه «يثير مخاوف أمنية» ومن جانبه كان وزير الدفاع الهندي «آروف جاريتلى» يصرح بأن «الهند عام 2017 مختلفة تماما عما كانت عليه في عام 1962، وهو العام الذي شهد الحرب الصينية الهندية... هل كان الرجل يلمح إلى تحول الهند إلى قوة نوورية؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، غير أن الرد الصيني لم يتأخر طويلا، إذ أشار البروفيسور «وانغ ده هوا» الأستاذ في جماعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن «الصين أيضاً أصبحت مختلفة عما كانت عليه عام 1962»، والقصد هنا غالبا يحمل أكثر من معنى، الأول اقتصادي حيث تحولت الصين إلى قوة كبرى مالية حول العالم، وعسكرية عبر رؤوس نووية، وقوات نظامية يبلغ عددها نحو 4.5 مليون جندي، وأسلحة حديثة وحاملات طائرات صينية الصنع ..

هل ستمضي بكين ونيودلهي في إشعال المشهد ؟

ينصحهما «تشاوفاتشنغ» مدير مركز دراسات آسيا والباسيفيك التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية بأنه «يتعين على الجانبين التركيز على التنمية بدلاً من الصراع والحرب»، ويحذر في حديث لـ «جلوبال تايمز» كلا من العاصمتين الكبيرتين من أن «تعميق الصراع بين البلدين يتيح للدول الأخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية فرصا للاستفادة» ... هل الحدود الجغرافية بين البلدين هي السبب الرئيسي وراء الأزمة؟

المعروف أن طول الحدود بين البلدين يبلغ نحو 3 آلاف و 500 كيلو متر وتطالب الصين بالسيادة على أكثر من 90 ألف كيلو متر مربع تنازعها عليها نيودلهي في القطاع الشرقي من الهيمالايا .

ويشكل كثير من هذه الأراضي ولاية «أروناتشال برادتس» التي تطلق عليها الصين اسم «جنوب التبت»، فيما تقول الهند، أن الصين تحتل 38 ألف كيلومترا مربع من أراضيها في هضبة «أكساي تشين» غرب البلاد.

هل يمكن لليابان أن تبقى طويلا وبعيدا عن هذا الاحتقان؟

بالقطع لا يمكن حدوث ذلك لسببين:

الأول: أيديولوجي يرتبط بتغير منظومة الأفكار السياسية السائدة في اليابان منذ الحرب العالمية الثانية ونهايتها حين استسلمت اليابان، فقد عمل اليمين الياباني المتصاعد على تقوية الاتجاهات التي ترى ضرورة انسلاخ طوكيو عن واشنطن، وإعادة بناء القوات المسلحة اليابانية بصورة قوية لملاقاة تهديدات الدول المجاورة في آسيا، والمعروف أن اليابان وإن كانت لا تملك أسلحة نووية في الحال فإنها يمكنها أن تستحوذها في فترات قصيرة زمنية لا تتجاوز الأشهر الستة أو أقل من ذلك بكثير، إذا صدر القرار السياسي.

الثاني: نرى اليابان تمضي في تجهيزاتها العسكرية لملاقاة تهديدات كوريا الشمالية بنوع خاص، فقد بدأت اليابان اختبارات استعراضية لمنظومات PAC-3 الصاروخية المضادة للصواريخ في القواعد العسكرية بضواحي العاصمة طوكيو، ولهذه الاختبارات هدفان أساسيان: استعراض استعداد اليابان لردع التهديدات الكورية الشمالية لمواطني اليابان، وإبلاغ الدول المجاورة أن طوكيو تنوي لعب دور نشيط في مجال أمن آسيا. وتؤكد طموحات طوكيو التدريبات البحرية المشتركة مع دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، في بحر الصين الجنوبي، وكذلك تعزيز التعاون العسكري مع الدول التي لديها نزاعات إقليمية مع الصين.

تضيف اليابان رصيدا جديدا لآسيا المحتقنة، ذلك أن استعراضها لتعزيز قدراتها الدفاعية ليس موجها إلى الداخل فقط، أو إلى كوريا الشمالية، بقدر ما هو رسالة استباقية إلى الدول المجاورة. والمعروف أن اليابان قد بدأت باتخاذ أولى الخطوات الدفاعية في نهاية عام 2012 مع تسلم «شينزوآبى» السلطة، والذي يصر على ضرورة امتلاك اليابان قوة عسكرية كاملة، مع أن المادة التاسعة من الدستور الياباني تنص على أن اليابان تمتنع إلى الأبد «عن الحرب» كحق سيادي للأمة وكذلك عن التهديد بالقوة المسلحة واستخدامها» في تسوية القضايا الدولية. بيد أن صقور الحرب في النخبة السياسية اليابانية تدعو إلى عسكرة اليابان، وإعادة النظر في نتائج الحرب العالمية الثانية، هل من ملفات أخرى ؟ وماذا عن المواجهات الخفية بين روسيا والصين رغم ملامح التعاون الظاهرة، ثم الأخطر هو هل انتقال داعش إلى آسيا كفيل بإشعال القارة الآسيوية؟