الملف السياسي

الالتزام ..هو كلمة السر للنجاح !!

07 أغسطس 2017
07 أغسطس 2017

د. عبد الحميد الموافي -

في ظل التفاعل، بين مصالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وحسابات الخسائر أيضا، لها وللدول المستوردة للنفط، فإنه من المرجح أن أسعار النفط في الأسواق العالمية ستظل تتذبذب حول سعر الخمسين دولارا للبرميل، خلال الأشهر القادمة، وربما خلال العام القادم أيضا،

اذا كان مبدأ الالتزام، بمعنى الوفاء بما يتم التعهد به أو الاتفاق عليه، أو بما تقتضيه قواعد السلوك القويم، في العلاقات بين الأفراد وبعضهم البعض، وبين الإنسان وخالقه أيضا، وفق القواعد الحاكمة لذلك، هو من أسس ومبادئ العلاقات الصحيحة بين الأفراد في علاقاتهم وحياتهم، باعتباره أمرا مسلما به في العادة، فإن الأمر لا يقل عن ذلك أهمية في العلاقات بين الدول، وتعاملاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية وغيرها، وذلك حتى تستقيم العلاقات وتتحقق المصالح المشتركة والمتبادلة، وحتى لا تكون هناك مجالات للشكوك او للمخاوف، او لمحاولات الاستغلال غير المشروعة، او لمناورات ما لممارسة ضغوط في هذا الاتجاه او ذاك بقدر الإمكان. غير أن الحياة والسلوكيات ليست مثالية، لا بين الأفراد ولا بين الدول بالطبع، خاصة مع سيادة مفهوم المصلحة كأساس لمواقف الكثير من الدول، أو على الأقل الاحتجاج بذلك لتبرير عدم الالتزام او عدم الوفاء، او مخالفة ونقض ما تم الاتفاق عليه، حتى ولو كان في اتفاقيات موقعة، والأمثلة في هذا المجال اكثر من أن تحصى . ولأنه لا توجد حتى الآن على الأقل، سبلا او وسائل إجبار يمكن اللجوء إليها على المستوى الدولي، لحمل الدول على الالتزام بما وافقت عليه باختيارها وارادتها الذاتية، فإن تفاعل المصالح، وحسابات الخسائر المحتملة والثمن الذ ي لا مناص من دفعه، ماديا او ادبيا، سياسيا واقتصاديا وماليا، في حالة المخالفة او عدم الالتزام، يظل احد اهم وسائل التأثير في مواقف الدول والأطراف المختلفة، وحملها على الالتزام، قدر الإمكان بما اتفقت عليه بالنسبة لأمر او مسألة محددة، ثنائية كانت او متعددة الأطراف، سياسية او مالية او اقتصادية او تجارية أو حتى مناخية أو غيرها . ولا تزال هذه احد اهم عناصر ضعف القانون الدولي، وأداء وعمل المنظمات الدولية، إقليمية وعالمية، باستثناء الحالات التي تخضع أو يتم إخضاعها وإدخالها تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، عندما تتوافق مصالح الأطراف الدولية المؤثرة لأسباب تعود الى كل منها أيضا، ولا يأتي في مقدمتها بالطبع، دافع الانتصار لقواعد القانون والالتزام به، وينسحب الأمر بدرجات متفاوته وأساليب اقل حدة، بالنسبة للمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، في اطار تفاعل المصالح وحسابات الخسائر المحتملة بالنسبة للقضايا المختلفة . وبوجه عام تظل العقوبات الدولية اقل فعالية واضعف - في كل الأحوال تقريبا - من ان تحمل دولة على الالتزام بما ترى هي أن مصالحها تتضرر بسبب ذلك، ولا تزال هذه قضية من قضايا القانون الدولي والعلاقات الدولية والتنظيم الدولي أيضا.

على أية حال فان الأمر بالنسبة لمنظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (اوبك) وبالنسبة للأوضاع في أسواق النفط العالمية، امس واليوم، وحتى غدا لا يخرج عن هذا الإطار العام، الذي يرهن الالتزام بالإرادة الذاتية للدولة وبحساباتها هي لمصالحها الوطنية - وهذا وان كان حقا أصيلا لها من حيث المبدأ، إلا انه ليس حقا مطلقا، لأنه يتأثر ويتوقف عمليا أيضا على تفاعل المصالح وحسابات الخسائر من وجهة نظر الدولة في ظروف وحالات محددة - وفي هذا الإطار يمكن النظر الى الأوضاع المتغيرة، وغير المستقرة في أسواق النفط العالمية، وما حدث من انخفاض حاد في أسعار النفط من اكثر من 100 دولار للبرميل في منتصف عام 2014، وكان قبلها قد وصل أرقاما قياسية ( اكثر من 130 دولارا للبرميل لبضعة أيام ) ليصل الآن، وبعد التحسن النسبي، الى نحو 45 دولارا للبرميل، وتذبذب حول سعر الخمسين دولارا بكل ما يمكن ان يترتب على هذا الانهيار الكبير من نتائج وآثار . .

وبالرغم من أن منظمة أوبك التي تنتج نحو 30 مليون برميل من النفط يوميا، وهو حجم إنتاج تم ويتم تجاوزه عمليا، لم تعد المحرك الوحيد لأسواق النفط العالمية، إلا أنها تظل مؤثرة، اذا نجحت في التنسيق مع روسيا الاتحادية وعدد من الدول المنتجة للنفط من غير الأعضاء في أوبك، وهو ما حدث بالفعل، بعد اجتماعات الجزائر وفيينا، بين أعضاء اوبك وعدد من الدول المنتجة للنفط من خارجها، ومنها السلطنة، واتفاقها، في نوفمبر الماضي، على خفض حجم الانتاج بـ 1.8 مليون برميل يوميا، وبدء التنفيذ والالتزام مع بداية هذا العام 2017 ولمدة عام، وهو ما ادى الى تحرك الأسعار نحو التحسن النسبي، خلال النصف الأول من هذا العام.

غير انه من الواضح ان التأثر الشديد للدول المنتجة والمصدرة للنفط، الأعضاء في أوبك وغير الأعضاء فيها، بانخفاض أسعار النفط بشدة، والاهم استمرار هذا الانخفاض لنحو ثلاث سنوات حتى الآن، دفع عدد من الدول المنتجة الى تجاوز الحصص المحددة لها، وعدم التقيد بما أعلنت أنها ستلتزم به من تخفيض، حتى يمكن امتصاص التخمة في المعروض من النفط في الأسواق العالمية، فالدول المنتجة التي تعاني عجوزات كبيرة في موازناتها تسعى الى سد جزء من العجز بزيادة الإنتاج والتصدير، حتى بأسعار متدنية، وبذلك اهتزت وتذبذبت الأسعار في اسواق النفط، برغم الحديث عن نسبة الالتزام غير المسبوقة من جانب دول أوبك بتخفيض إنتاجها في الاشهر الماضية، وهو ما ظهر عدم مصداقيته في الأسواق وفي انخفاض وتذبذب الأسعار.

وحتى يمكن الحد من الخسائر، والدفع نحو تحسن الأسعار لتدور حول الخمسين دولارا للبرميل، اجتمعت بالفعل الدول المنتجة للنفط من داخل أوبك والدول المنتجة من غير الأعضاء، المتعاونة معها ومنها السلطنة وروسيا الاتحادية، في فيينا أواخر شهر مايو الماضي، وتم الاتفاق على تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية مارس من العام القادم، والتأكيد على أهمية وضرورة الالتزام بحصص وأحجام التخفيض المتفق عليها، حتى تتحسن أسعار النفط، وتتحقق المصالح المشتركة والمتبادلة فيما بينها، وبالفعل استجابت أسواق النفط لهذا التحرك وبدأت الأسعار في التحسن، وان كان التذبذب في الأسواق لن ينته سريعا، نظرا لان هناك محاولات للتلاعب به من جانب أطراف وتجار وقوى لا يريدون لأسعار النفط أن تتحسن بشكل ملموس، تحقيقا لمصالحها هي، ورغبة أيضا في الأضرار بدول محددة مثل روسيا وإيران لأسباب سياسية معروفة.

من جانب آخر فإنه في الوقت الذي تعاني فيه العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بشكل أساسي، وبينها وبين الاتحاد الأوروبي أيضا، من تدهور، وصفه الأمريكيون والروس بأنه « خطير «، وهو ما تتأثر به إمدادات الغاز الروسية الى أوروبا، والإنتاج الروسي من النفط، فإن الإنتاج الأمريكي من النفط يتحسن، او في طريقه نحو التحسن خلال الفترة القادمة، سواء بزيادة أعداد الحفارات العاملة في مجالات التنقيب، حسبما اشارت المعلومات الخاصة بذلك مؤخرا، او بسبب الزيادة المتوقعة في انتاج النفط الصخري الأمريكي في الأشهر القادمة، نتيجة للتحسن التقني في عمليات إنتاج النفط الصخري، وكذلك الانخفاض النسبي في تكلفة الإنتاج، مقارنة بما كانت عليه قبل عام تقريبا . ويعني ذلك ببساطة ان كميات التخفيض التي تحاول أوبك والدول المتعاونة معها تحقيقها وامتصاصها من أسواق النفط، ستقوم الولايات المتحدة ودول منتجة أخرى من خارج اوبك بضخ كميات نفط تعوض جزءا غير قليل منها، وهو ما سيحد على الأرجح من فاعلية ما تقوم به أوبك والدول المتعاونة معها، الا اذا ثبت ان كميات إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال الأشهر القادمة اقل مما اعلن عنه، وهو أمر غير مستبعد لاعتبارات عملية، اقتصادية وتقنية، تحتاج الى وقت غير قليل لكي تؤثر عمليا على الأسعار.

وفي ظل هذا التفاعل، بين مصالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وحسابات الخسائر أيضا، لها وللدول المستوردة للنفط، فانه من المرجح أن أسعار النفط في الأسواق العالمية ستظل تتذبذب حول سعر الخمسين دولارا للبرميل، خلال الاشهر القادمة، وربما خلال العام القادم أيضا، وهو ما ينبغي وضعه في الاعتبار من جانب الدول المنتجة والمصدرة من داخل أوبك وخارجها، عند حساب مصالحه وخسائرها المحتملة، وبالطبع موازناتها المتوقعة، حتى تكون العجوزات في حدها الأدنى بقدر الإمكان. وإذا كان الالتزام فضيلة، فإنه في حالة أوبك والدول المنتجة للنفط من خارجها فضيلة ضرورية، بل وكلمة السر، لتحقيق المصالح والحد من الخسائر المحتملة بقدر الإمكان، وهو ما ينبغي أن تتعاون الدول المختلفة في تحقيقه.

اما المناورون والراغبون في زيادة خسائر هذا الطرف او ذاك، فانهم سيخسرون ايضا لانهم منتجون للنفط، ولكن لعبة السياسة تتجاوز الحسابات الرزينة في احيان كثيرة، ولأسباب باتت معروفة في كثر من الحالات، ومنها هذه الحالة بالطبع .

فهل سيتم الالتزام بشكل حقيقي وعملي وكبير ؟ ياريت !!.