المنوعات

هشام أصلان في حوار مع «عمان»: لا أقتفي أثر أبي.. و«إبراهيم أصلان» أضاف لي الكثير ولست قلقا من ارتباط اسمي به

07 أغسطس 2017
07 أغسطس 2017

القاهرة - حسن عوض:-

رغم أن مجموعته القصصية الأولى «شبح طائرة ورقية» حققت صدى نقديا جيدا، إلا أن الكاتب المصري هشام أصلان لم يتبعها بعمل آخر، لم يهمل هشام نفسه، ولكنه كان مضغوطا بسبب العمل الصحفي، مثلما هو الحال مع أدباء مصريين آخرين، وهو يعمل حاليا على رواية جديدة يأمل أن ينتهي منها قريبا، لتشكل إضافة أخرى إليه وإلى الكتابة الجديدة.

يملك هشام لغة مميزة جدا، لم تظهر في مجموعته القصصية فقط، ولكن فيما يكتبه أيضا من مقالات إلى تحقيقات صحفية، ومؤخرا تم اختياره ليتولى منصب مدير تحرير مجلة «إبداع» التي تصدر عن «هيئة الكتاب»، يتحدث هشام هنا عن الكتابة، وعن علاقته بالأب، الكاتب المصري الكبير الراحل إبراهيم أصلان، وأيضا عن خططه لتطوير «إبداع».

• ما خططك لتطوير مجلة «إبداع».. ما الذي يمكن أن يكون مختلفا عما قدمه الروائيان محمد المنسي قنديل وطارق إمام أثناء رئاستهما لتحرير المجلة؟

ليست خططا بقدر ما هي أمنيات سأحاول العمل على تحقيقها، ويدعم تفاؤلي وجود الشاعر إبراهيم داود رئيسا للتحرير، بما لديَّ من معرفة عن مرونته وتواصله مع الكتابة الجديدة. دعني أؤكد أن ما قدمه المنسي قنديل وطارق إمام في هذه المجلة يعد تجديدا كبيرا لدمائها، وربما قبلة حياة بعدما كانت تحولت إلى بحيرة مياه راكدة تماما لسنوات طويلة، من هنا لا أعتبر أن الانحراف عما قدماه هدفا في حد ذاته، ولكن الوصول للكمال حلم للجميع، هيئة التحرير الجديدة تتمنى توسيع دائرة القراء عبر تقديم مساحة من التبسيط الذي لا يخل بالقيمة من ناحية، واحتواء الأنواع المختلفة للثقافة والفنون من ناحية أخرى، بمعنى عدم التركيز على وسيط فني وإهمال الباقي، نحن نتصور أن هناك من يحب الأدب، وأن هناك آخرين يحبون التشكيل والسينما والموسيقى، وأتصور أن تطعيم المجلة ببعض الصحافة النوعية يجعلها أكثر جاذبية، وليس الاعتماد على المقالات الفكرية والنصوص فقط، نأمل أن يجد الجميع ما يحبه، كما نأمل في إيجاد صيغة غير تقليدية لحل مشاكل التوزيع.

• هناك علاقة صداقة كبيرة تربطك بالشاعر إبراهيم داود هل هذا له تأثير على قرار اختيارك مديرا لتحرير المجلة.. وهل يمكن أن يكون التناغم بينكما سببا من أسباب نجاح المجلة في المستقبل؟

لا استطيع تجاهل أن الصداقة الكبيرة تعد معيارا للاختيار أحيانا، ولكن لا اعتقد أنها تكفي. مؤكد هناك معايير أخرى أتصور أنه يستطيع طرحها بشكل أفضل، ولكن أتصور أنه إذا توافرت تلك المعايير الأخرى فالعلاقة الإنسانية الجيدة بين فريق عمل، في أي مجال، ستكون فارقة في دفعه للنجاح.

• هل كان أحد شروطكما لقبول العمل بهذه المجلة هو انتظامها؟ هل تضمن هذا خلال الفترة القادمة؟

لا شيء مضمونا فيما نعيشه من أجواء مرتبكة، ولكن تحدثنا في مسألة الانتظام مع رئيس الهيئة العامة للكتاب، واتفقنا على أن كل منا سيفعل ما عليه، وهيئة التحرير لا عليها سوى توفير العدد في موعد دخوله المطبعة، وهو من ناحيته تعهد بأن الأمور ستكون على ما يرام، وبيننا تجربة نتمنى أن تكون ناجحة.

• لماذا تراجع دور المجلات الثقافية المصرية في تقديرك على المستوى العربي؟

العالم العربي يعيش ظرفا سياسيا وإنسانيا شديد الاستثناء، والأوساط الثقافية مصابة بارتباك كبير على عدة مستويات، منها الانشغال باللحظة الراهنة بشكل يؤثر طبعا على العمل الثقافي الذي يحتاج مساحة كبيرة للتأمل، ومنها أن الآداب والفنون تعيش مرحلة تغيير لأسئلتها عموما، ولا أقول إن هذا جيد أو سيء ولكنه مربك، يأتي هذا بينما هناك تراث من إهمال المؤسسات الرسمية أو الخاصة للثقافة بشكل عام في أغلب بلدان العالم العربي، لديك إذن أرضية مستعدة بالفعل للتراجع، مع ذلك، لا زال الإصدار الجيد يجد متلقيه، خصوصا إذا استطاع القائمون على هذا الإصدار الحفاظ على الخيط بينه وبين القارئ، لأن ذلك القارئ شديد الحساسية ويستشعر الاستسهال فورا فيتركك إلى وسائط أكثر جاذبية، وما أكثرها الآن.

•هل قلَّت الحاجة إلى مجلات بسبب انفتاح الكتَّاب المصريين والعرب على السوشيال ميديا؟

لا شك أن وسائل التواصل سهلت وصول الكاتب للمتلقي بشكل خيالي، ولذلك أقول أن الاعتماد في المجلات الثقافية على المقالات والنصوص ليس كافيا، لا بد من مادة جذابة تستطيع الحفاظ على انتباه القارئ، ما يجعلها مثيرة لرغبة الكاتب في التواجد عبر مكان نشرها، ولا تنسى أن بعض المجلات والصفحات الثقافية لم تكن فقط منبرا للكاتب فيستطيع تعويضها بالفيسبوك، ولكنها احتلت مكانا رفيعا يجعل من النشر فيها جواز مرور أو علامة ثقة، هذا كله يأتي بالتفكير في كيفية التطوير الدائم للمنتج الثقافي.

• أصدرت مجموعة واحدة «هي شبح طائرة ورقية» قبل سنوات ولاقت احتفاء نقديا.. وكان منتظرا أن تتبعها بإصدار آخر.. لماذا لم يحدث ذلك؟

الأمر بصراحة وبساطة شديدة هو أنك مضطر لأن تعمل طيلة الوقت كي تعيش أولا، ثم بعدها تستجيب لرغبتك ككاتب، بعدما صدرت المجموعة بفترة قصيرة بدأت بالفعل في كتابة عمل روائي، لكن ظروف العمل في الصحافة اليومية شديدة الصعوبة وتستهلك وقتك وذهنك، خصوصا بعدما انتقلت من العمل كمحرر ثقافي أملك وقتي بشكل ما إلى العمل كمحرر ديسك مركزي مرتبط بمواعيد عمل صارمة، ومن يعمل في الصحافة اليومية يعرف صعوبة وظيفة «الديسك المركزي»، لكن دعني اعترف أنني أدركت أن الاستسلام لمثل هذه الظروف يستطيع القضاء عليك ككاتب ببساطة شديدة إن لم تنتبه، الآن أحاول إعادة صياغة وقتي بشكل يتناسب مع رغبتي في الاستمرار ككاتب.

• كان الأب إبراهيم أصلان مقلا في كتاباته.. هل ستكمل أسطورته في الندرة؟

أتمنى ألا أكملها بالطبع، وبالمناسبة أتصور أن الزمن لو عاد به لما فكر بالطريقة نفسها، ولو قارنت سنوات بداياته بسنواته الأخيرة ستجد أنه أصبح أكثر غزارة.

• كنت قلقا من ربطك بالأب على مدار فترة طويلة.. هل تخلصت من هذا الهاجس أخيرا؟

رغم أن حالة القلق الشديد هذه أضرت بشكل ما، في تصوري، بمجموعتي القصصية الأولى، لكنها حالة مطلوبة في سياق ارتباط اسمي باسم كاتب مثله، خصوصا أنه ليس قلقا من فراغ، فأنا بالفعل أحب كتابته بشكل غير محدود وأخشى على نفسي من التأثر السلبي به، وليس فقط من تلقييّ باعتباري ابنه، ولكن أتصور أن قلقي حاليا من هذه المسألة أصبح موضوعا في سياقه الطبيعي وليس مبالغا فيه كما كنت في السابق، وهذا سببه ليس فقط بعض الطمأنينة لتلقييَ الحالي، ولكني اعتقد أنني صرت استطيع التعامل مع وجوده بشكل حيادي كواحد من شخوص حياتي، وليس التعامل معه كأديب، فضلا عن أن جميع من يعرفون هذه العلاقة وصلهم أنني لا أود أن أعيش كابن إبراهيم أصلان. على أي حال هي مغامرة من الممكن أن أفشل في خوضها، وليس لديَّ سوى الاجتهاد.

• كيف تفكر في الأمر.. أنك ابن لأحد أهم كتاب الستينات.. هل هذا يضع عبئا من نوع ما عليك في كل تحركاتك؟

بعيدا عما يخصّ مشروعي الشخصي، لا أشعر بأي أعباء من أي نوع، ربما كنت هكذا في بداية عملي بالصحافة الثقافية.

• ما الذي أضافه إليك اسم إبراهيم أصلان؟

أضاف لي الكثير قبل أن أعمل في مجال الثقافة والأدب. جيد أن تكون ابنا لشخص يحظى بكل هذه المحبة والاحترام والتلقي الجميل على كل المستويات، ولكن بعدما أصبحت جزءا من الحياة الثقافية، ذهبت في محاولات الاستقلال التي أشرت إليها سابقا، لدرجة أنني أحيانا أشعر بالتخلي عما يتصوره البعض واجب الابن تجاه ما تركه الأب من تراث أدبي، اعتقادا مني بأنه أنهى مشروعه بالشكل الذي يحبه، وترك ما يجعله مستمرا إلى الأبد ولا يحتاج مني اجتهاد في الترويج مثلا أو أن أحمل اسمه على كتفي وأدور به على الندوات والملتقيات الثقافية، أتصور أن هذا ليس أمرا مفيدا له على الإطلاق إن لم يكن مضرا.

• أصلان لم يقرأ مجموعتك.. هل تشعر بأسف ما على ذلك.. هل رأى أي بادرة منك للكتابة؟ وكيف كان يراك؟

مشاعر متناقضة تجاه عدم قراءته لعملي الأول، أحيانا أشعر بالأسى. كنت أحب أن يرى أي شيء جيد يخصني، ولكن في أحيان أخرى أفكر أن هذا عمل لم أكن سأصدره وهو على قيد الحياة بسبب الحساسيات والقلق الذي تحدثت عنه.

كان يقرأ مقالاتي في الأدب والثقافة عموما وكان يبدي إعجابه بها ودهشته أيضا، ذلك أن صباي لم يكن يشير إلى الاتجاه لهذا المجال على الإطلاق، وهذه حكاية يعرفها الجميع ويطول الكلام فيها، لذا كان رافضا لأن أعمل في هذه المنطقة حتى لا ألوث ما حققه من سمعة، فكانت النقلات السريعة التي تحققت في عملي بالصحافة الثقافية مثيرة لدهشته بشكل جنوني. أما فيما يخص الأدب، فقبل رحيله بأيام قليلة جدا، كان قرأ لي أول نصوصي المنشورة، ذهبت له بالمجلة في المستشفى، أبدى سعادة مع بعض الملاحظات، وربما لو لم يكن مريضا في المستشفى لما ذهبت له بالمجلة.

• هل الانشغال بالعمل الصحفي يمكن أن يؤثر على الكاتب بالسلب أكثر من تأثيره الإيجابي؟

الصحافة ليست شيئا واحدا. أرى أن بعض أنواع الصحافة لها تأثير إيجابي على الكاتب، ولا اقتنع بكلام كثيرين عن أن اللغة الصحفية تفسد لغة الأديب، بل على العكس الكتابة للصحافة تمرين دائم للأديب وليس العكس، كما أنها مهنة تحقق الاحتكاك بعوالم مختلفة وتجعل عينيك تنتبهان لكل ما يمر أمامك في سبيل العثور على لقطة تصلح للتناول، وعدد كبير من الأدباء الكبار كان يعمل بالصحافة، ولكن عندما تعمل في أحد مجالات الصحافة التي تأكل كل وقتك وذهنك كما أشرت في سؤال سابق، سيكون لأثرها بالطبع سلبيات كبيرة.

•هل تشعر بالتحقق في الوسط الثقافي؟ هل أنت مشغول بهذه الفكرة من الأساس؟ وما المجموعة التي تنتمي إليها جماليا؟

ما التحقق أصلا؟ إذا كنت تقصد التلقي الأدبي والإنساني وسط الأصدقاء، فأنا نعم أشعر بهذا، ولكن نحن، أغلبنا، لا نزال في منطقة أننا نكتب لأنفسنا ولدوائر ضيقة، والاستسلام لهذا مشكلة كبيرة، أنت إذا كنت حتى تعتبر أن الكتابة تحقق شيئا من علاج كاتبها عبر مناقشته لأسئلته الإنسانية ورغبته في البوح مثلا، فأنت على الأقل تحب أن تتسع دائرة المتلقي الذي تشاركه أسئلتك وحكاياتك عالمك بمشاكله.. أفكر معك الآن في مسألة انتمائي لمجموعة جمالية معينة، لا اعتقد هذا بالضبط، ولكن ذائقتي تميل عموما إلى الكتابة التي تشتغل على وجدانك وليس عقلك، وتقف بك أمام تأمل الفعل الإنساني بأبسط الطرق الممكنة، مع إصراري على أن المتعة أحد الشروط الأساسية لاستكمال القراءة، ودونها لن تكون مقروءا مهما قدمت من أفكار كبيرة.

•وما الجديد الذي ستقدمه خلال الفترة القادمة؟

بالإضافة إلى الاجتهاد في محاولة تقديم مجلة جيدة وجذابة، والحفاظ على ما حققته هيئة التحرير السابقة من مستوى جيد، أتمنى أن أقطع مسافة معقولة في كتابة الرواية التي تحدثت عنها.