1075390
1075390
الاقتصادية

نضوب الموارد في دول المجلس ليس وشيكًا وتعمل نماذجها الاقتصادية الحالية بشكل جيد نسبيًا

04 أغسطس 2017
04 أغسطس 2017

تقرير إس آند بي جلوبال ووجهة نظر مؤسسات التصنيف الائتماني -

الاعتماد الكبير على إيرادات النفط والغاز يشكل خطرًا ائتمانيًا رئيسيًا وسعر صرف العملة الأجنبية من تحديات التنويع -

1075391

عمان: كشف البيان الصادر مؤخرا عن وزارة المالية بالسلطنة، فيما يتعلق بالتصنيفات التي تضعها بعض المؤسسات الدولية حول الاقتصاد العماني، عن حرص حكومة السلطنة على اتباع خطوات وحزم إجرائية لا يترتب عليها أي خلل في نواح أخرى، والحفاظ على تماسك الاقتصاد الوطني وحركة التجارة، دونما حدوث أي حالات انكماش أو ركود يترتب عليه مزيد من المعالجات التي نحن في غنى عنها .. والحقيقة أن مؤسسات التصنيف الدولية تتبع مقاييس ربما تكون أكثر سلامة وصوابا من الناحية النظرية، ولكن الواقع والاعتبارات الديناميكية على الأرض تجعل نظرة الحكومة أكثر شمولية وتحسبا. كما أن المعالجات تحتاج إلى وقت أطول وبشكل تدريجي ولا يمكن إحداثها بين يوم وليلة. فالبيان الصادر عن وزارة المالية تعقيبا على تصنيف مؤسسة موديز الصادر مؤخرا وتمخض عنه تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة بنقطة واحدة أصبح معادلا للتصنيف الائتماني الذي منحته مؤسسة فيتش للسلطنة وأعلى بنقطتين عن تصنيف مؤسسة ستاندردز آند بورز. وقالت الوزارة: إن تصنيف السلطنة من قبل مؤسسة موديز ما زال في فئة الاستثمار. وأن الحكومة ومراعاة للآثار الاجتماعية والاقتصادية لأي إجراءات سريعة وحادة، قد أخذت بمبدأ التدرج في مواجهة هذه الأزمة وهي تتابع باستمرار تطور الأوضاع المالية وسوف تتخذ الإجراءات المناسبة والمتوازنة للحفاظ على سلامة واستقرار الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة حيث إن الإجراءات المالية قد يكون لها تأثير انكماشي. وأشار البيان بوضوح إلى تحسبات الحكومة فيما يتعلق بأي إجراء يمكن أن يترتب عليه خلل في مكان آخر، حيث عبر البيان الصادر من وزارة المالية عن أمله أن تساعد الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، وتلك التي في طور الإصدار على التخفيف من الآثار الانكماشية الناتجة عن الإجراءات المالية؛ وذلك من خلال إيجاد بيئة جاذبة للاستثمارات سواء محلية أو أجنبية وبالتالي تحقيق معدلات نمو مناسبة في الاقتصاد الوطني.وفي الواقع فإن مؤسسة موديز استندت عند تخفيضها لتصنيف السلطنة على أساس أن الإجراءات التي اتخذت -حتى الآن- تعد غير كافية أخذا في الاعتبار حجم الانخفاض في الإيرادات، مشيرة إلى أن مؤسسات التصنيف العالمية تركز في تقييمها بشكل أساسي على المؤشرات المالية والمركز المالي للدولة، والمتمثل في الإيرادات والإنفاق والعجز وقدرة الدولة على تمويل هذا العجز وتأثير ذلك على احتياطاتها المالية.

مقاييس مؤسسات التصنيف

ترى مؤسسات التصنيف الدولية أن استمرار تقلص الإيرادات نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، مبرر في حد ذاته لتخفيض التصنيف لهذه الدولة أو تلك. وقد كشف تقرير إس آند بي جلوبال الصادر مؤخرا حول دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كيف تستفيد دول المجلس: السلطنة والبحرين، والكويت، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، حالياً من الموارد الضخمة للنفط والغاز، التي تبلغ نحو 30% من الاحتياطات النفطية العالمية و20% من الاحتياطات العالمية للغاز. هذه الثروة الكبيرة من النفط والغاز والدخل الكبير الذي تجنيه هذه الدول منها، حقق فوائض عامة لحكوماتها خلال الفترة السابقة، وأدى إلى انخفاض احتياجات التمويل الحكومية، وصافي مراكز الأصول الخارجية لدى معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تأخذ وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» بعين الاعتبار نقاط القوة الرئيسية تلك في تصنيفاتها الائتمانية السيادية لهذه الدول. وهذا يعني أن تركيز واعتماد اقتصادات الخليج على قطاع النفط والغاز، والذي بلغ في المتوسط 30% من الناتج المحلي الإجمالي و60% من إجمالي الصادرات خلال العامين 2015-2016 - حتى مع الأخذ بعين الاعتبار انخفاض أسعار النفط - يمكن أن تشكل عاملاً سلبياً للائتمان إذا لم تقابل بهوامش مالية كبيرة. وبالرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يدعم الاقتصاد، نعتقد أن توجهات الاقتصاد الضيق تكون أكثر عرضة لتقلبات دورة أعمال القطاع الرئيسية، مما يزيد من تقلب نموها، وإيراداتها الحكومية العامة، وإيرادات الحساب الجاري لديها.ويرى تقرير إس آند بي جلوبال أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تستفيد حالياً من الموارد الكبيرة للنفط والغاز، إلا أن الاعتماد الكبير على إيرادات النفط والغاز يشكل خطراً ائتمانياً رئيسياً، من وجهة نظر الوكالة الدولية.

وبالرغم من تنفيذ خطط التنمية الوطنية في المنطقة، ستواصل المعوقات الهيكلية في اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تقييد أي محاولات لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. ولتوضيح نقطة الضعف هذه، يقول التقرير: إن أسعار النفط - وصلت إلى أدنى مستوى لها 29 دولاراً أمريكياً في بداية العام 2016 (خام برنت) من أعلى مستوى وصلت إليه 115 دولاراً أمريكياً في منتصف العام 2014 - أدى ذلك إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد وإلى تراجع في الأرصدة المالية والخارجية للدول المُصدِّرة الصافية للنفط في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى متوسط بلغ 2.5% للفترة ما بين 2014-2016، نصف معدل الفترة الممتدة ما بين 2011-2013. بالمقابل، بدأت بعض الحكومات السيادية في المنطقة تسجل عجزا في الحساب الجاري والمالية العامة للحكومة خلال هذه الفترة، بينما كانت تحقق فوائض ثابتة قبل العام 2014. إن نضوب موارد النفط والغاز في معظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد لا يكون وشيكاً وتعمل نماذجها الاقتصادية الحالية بشكل جيد نسبياً. يتراوح عمر إنتاج النفط والغاز بالمستويات الحالية بحسب تقديرنا ما بين 98 عاماً لدى قطر و9 أعوام لدى البحرين. مع ذلك، فإن فوائد التنويع بعيداً عن قطاع إيراداته تحركها إلى حد كبير أسعار السوق المتقلبة واضحة من حيث تحقيقها لنمو اقتصادي أكثر استقراراً، إلى جانب الإيرادات الحكومية وإيرادات التصدير. وترى جلوبال أن الحكومات السيادية الخليجية حققت تقدماً طفيفاً في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط والغاز، لأن حجم مساهمة هذا القطاع في اقتصاداتها لا يزال كبيراً. وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي ارتفع في المنطقة منذ العام 2000، حيث شهد معدل النمو انخفاضاً تدريجياً خلال السنوات الثلاث الماضية تزامناً مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي، مما يشير أيضاً إلى أن جهود التنويع لم تؤت ثمارها حتى الآن، من وجهة نظرنا. أعلنت الحكومات الخليجية عن خطط تنويع طموحة، بعضها قائم منذ عدة سنوات. وقد اكتسبت هذه الخطط مؤخراً زخماً جديداً بعد الانخفاض الحاد والمستمر في أسعار النفط. عموماً، قامت الحكومات بوضع خطط للتنمية الوطنية أو ما يطلق عليها في تلك الدول «الرؤى» بفترات تمتد ما بين 20 إلى 25 عاماً، عادة تتضمن استراتيجيات مدتها الوسطية خمس سنوات، والتي تساعد في تقييم ما إذا كانت دول الخليج على المسار لبلوغ أهدافها الاقتصادية قريبة المدى .

تستهدف استراتيجيات الحكومات الخليجية بشكل عام التنويع من خلال توسيع قطاعات مثل السياحة، والأعمال، والخدمات المالية إلى جانب الخدمات اللوجستية. ومن وجهة نظرنا من المرجح أن يستغرق ذلك عقداً أو حتى الانتقال إلى جيل قادم. نعتقد أيضاً أن المعوقات الهيكلية ستعرقل الانتقال إلى اقتصادات أكثر تنوعاً.

مميزات الموقع الجغرافي

مع ذلك، هذا لا يعني القول إن الحكومات الخليجية لا تمتلك المميزات التي تستفيد منها بالأساس كموقعها الجغرافي في قلب المنطقة، بين قارتي آسيا وأوروبا. ولهذا الغرض، قامت تلك الحكومات باستهداف صناعة الطيران من بين القطاعات الأخرى، من خلال الاستثمارات الكبيرة لكل من دبي، وأبوظبي، وقطر في المطارات، والطائرات، ومرافق خدمات الطيران، وأصبحت المنطقة الآن مركزاً عالمياً لخطوط الطيران تربط بين أسواق السياحة الرئيسية، حيث صُنِّف مطار دبي في المرتبة الثالثة بين المطارات الأكثر ازدحاماً في العالم في العامين 2015 و2016 وفقاً لمجلس المطارات الدولي. ويكمن التحدي الآن في تحويل مسافري الترانزيت إلى سياح.

معوقات التنويع

وعدد التقرير بعض معوقات التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون ومنها: نظام صرف العملة الأجنبية؛ نظراً لأن اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مقومة بتدفقات الدولار الأمريكي المرتبطة بصادراتها من النفط والغاز، نعتقد بأن ارتباطها بسعر صرف الدولار الأمريكي (تجدر الإشارة إلى أن الدينار الكويتي مرتبط بسلة من العملات يُعتَقد بأنها مرتبطة بالدولار الأمريكي) يبقى ملائماً لاقتصاداتها، مما يوفر لها ركيزة اسمية للتضخم. نتوقع بقاء الارتباط على حاله في المدى المتوسط، لاسيما وأن صادراتها غير النفطية تبقى جزءاً محدوداً نسبياً من اقتصاداتها. مع ذلك، نرى أن الارتباط يعيق قدرة اقتصادات دول المجلس المحدودة للتنافس على الأسعار في أسواق التصدير غير النفطية. إذن يبقى تطوير الأنشطة المرتبطة بالقطاع غير النفطي ضعيفاً في ظل غياب أي تعويض عن مكاسب الكفاءة أو القدرة التكنولوجية. وفي حال حدوث تطور في سوق التصدير غير النفطي في المنطقة، فإن مرونة سعر الصرف عادة تعمل كممتص للصدمات استجابة لشروط الصدمات التجارية، كالانخفاض الحاد في أسعار النفط. سينخفض سعر الصرف محسناً القدرة التنافسية العامة لصادرات البلد غير النفطية ولدعم الإيرادات المالية بالعملة المحلية. يقول صندوق النقد الدولي: إن سعر الصرف الحقيقي الفعال يعد أساسياً للتنويع الاقتصادي (صندوق النقد الدولي، الاجتماع السنوي لوزراء المالية العرب، التنويع الاقتصادي في الدول العربية المُصدِّرة للنفط، أبريل 2016). ولكنه نتيجةً لارتباطات أسعار الصرف لديها، واصلت أسعار الصرف الفعالة الحقيقية لدول الخليج ارتفاعها بالرغم من الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

مشكلة التوظيف

استفادت حكومات دول المجلس من المزايا التنافسية التي تتمتع بها، والتي تكمن من دون شك في قطاع النفط والغاز، ولكنها استخدمت مستويات عالية من ثروة النفط والغاز لدعم النمو الاقتصادي من خلال التوظيف في القطاع العام والمشاريع الاستثمارية الرأسمالية. وبنفس الوقت، تطورت قطاعات السلع والخدمات التي يحركها المستهلك.

التعليم والمهارات

نظراً للانخفاض في أسعار النفط والضغط على المالية العامة، تحاول حكومات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحفيز التنويع الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص. من وجهة نظرنا، هذا سيتطلب تعزيز مهارات القوى العاملة في دول الخليج. من المرجح بأن تكون فقط الوظائف ذات الأجور المرتفعة في القطاع الخاص هي الجذابة لإغراء المواطنين للابتعاد عن العمل في القطاع العام، في ظل استبعاد حدوث انخفاض حاد في أجور القطاع العام. مع ذلك، تبقى المجالات التي سيتم فيها استحداث فرص العمل في القطاع الخاص غير واضحة. بكل الأحوال ستحتاج الأيدي العاملة المحلية إلى الكثير من التدريب والتعليم لكي تكون مؤهلة لهذه الوظائف. إن الاستثمار في التعليم سيستغرق وقتاً حتى يؤتي ثماره، من وجهة نظرنا. يمكن اعتبار متوسط عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة حول العالم كمثال على رأس المال البشري الذي يمتلكه السكان في وقت ما. بهذا الخصوص، تُظهر البيانات بأن التعليم يتوسع باستمرار في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. واصل متوسط عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة ارتفاعه في المنطقة وتخطى معدل النمو متوسط معدل النمو العالمي. مع ذلك، لا يزال على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية القيام ببعض الخطوات البسيطة.بالرغم من أن توسيع التعليم من المرجح أن يؤدي إلى تشجيع التنوع الاقتصادي، إلا أنه لا يزال على دول الخليج الكثير للقيام به، فيما يتعلق بتحسين جودة التعليم، وتحديداً ما يتعلق بمخرجات التعليم وجودة التدريس. وبهذا الصدد تقوم الرابطة الدولية لتقييم التحصيل العلمي من خلال دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم ودراسة التقدم الدولي في القراءة، على التوالي، بتقييم ومقارنة المعرفة في الرياضيات والعلوم إلى جانب القراءة ومحو الأمية لدى الطلاب حول العالم. تشير آخر الدراسات التي أجريت في العام 2015 لدراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم وفي العام 2011 لدراسة التقدم الدولي في القراءة، إلى أن دول الخليج عموماً متأخرة في التحصيل العلمي، حتى ولو أن إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة كانت تتفوق باستمرار على المتوسط العالمي في ترتيبها في دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم. وبالتالي، بينما ارتفع عدد السنوات التي يتم قضاؤها في المدرسة في المنطقة، إلا أنه قد تكون هناك حاجة لمعالجة نقاط الضعف الهيكلية في النظام التعليمي قبل تطوير أيدي عاملة ذات مؤهلات ومهارات قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي.

الانفتاح على ممارسة الأعمال

قامت معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإجراء إصلاحات صديقة للأعمال كإنشاء مناطق للتجارة الحرة، والحوافز الضريبية، وتخفيف القيود الجمركية وغير الجمركية؛ بهدف جذب التدفقات الاستثمارية الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر في القطاعات غير القائمة على الموارد. وبهدف تعزيز الانفتاح على الأعمال في المنطقة؛فإنه من المتوقع أن تساعد الإصلاحات في تحسين مقياس المسافة من الحد الأعلى للأداء. هذا المقياس يقيس مسافة كل اقتصاد إلى «الحد الأعلى للأداء»، والذي يمثل أفضل أداء تم تسجيله لدى كل المؤشرات في جميع الاقتصادات في عينة «قياس أنشطة الأعمال» للبنك الدولي منذ العام 2005. مع ذلك، فقد اختلفت الديناميكيات على الصعيد الإقليمي خلال العقد الحالي، حيث حافظ الأداء على تحسنه في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما تراجع لدى كل من قطر، والكويت، وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية. نرى أن توقف تنفيذ الإصلاحات الصديقة للأعمال الذي شهدته الدول المجاورة لدولة الإمارات العربية المتحدة سيقيد على الأرجح التدفقات الداخلة لرأس المال الأجنبي، مما سيحد من قدرة دول الخليج على تحفيز النمو الاقتصادي الذي يحركه القطاع الخاص.

جاذبية العمل في القطاع العام

تمكنت حكومات مجلس التعاون لدول الخليج العربية نظراً للحجم الصغير نسبياً لعدد السكان والإيرادات الكبيرة المتأتية من النفط والغاز من الحفاظ على نظام من الدعم طويل الأمد من القطاع العام لمواطنيها. تضمّن ذلك توفير الكهرباء، والتعليم، والرعاية الصحية والسكن بشكل مجاني، بالإضافة إلى التوظيف الواسع النطاق للمواطنين في القطاع العام (تظهر بيانات المقارنة لصندوق النقد الدولي للفترة ما بين العامين 2013 و2014 أن نسبة توظيف المواطنين في القطاع العام تراوحت ما بين 37% في البحرين إلى 87% في قطر). يستفيد العاملون في القطاع العام حالياً من مميزات كبيرة مقارنةً بالعاملين في القطاع الخاص، مع رواتب مرتفعة وزيادة الأمن الوظيفي، مما يسهم في محدودية كفاءة سوق العمل لأن جاذبية القطاع العام أدت إلى تراجع الحوافز لدى المواطنين المحليين للتقدم للعمل في القطاع الخاص. وبالتالي، نظراً لارتفاع مستوى المعيشة والتوازن بين الحياة والعمل نسبياً لدى السكان المحليين، فإن تطوير قطاع صناعي أو خدمي تنافسي يحتاج لأيدي عاملة كبيرة قادر على جذب المواطنين العاملين في القطاع العام بعيداً عن هذا القطاع يبدو أنه يشكل تحدياً كبيراً. وإذا لم تتم معالجة هذه الضغوط الاجتماعية فإنها ستؤدي إلى الحد من إمكانية التنويع الاقتصادي. قامت حكومات مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتحفيز سياسات إدخال الحصص، من بين إجراءات أخرى، لتشجيع استبدال الموظفين الوافدين العاملين في القطاع الخاص بمواطنين. مع ذلك، نرى أن ذلك لا يعالج مسألة عدم تطابق المهارات بين المواطنين والوظائف في القطاع الخاص.

تشابه خطط التنويع

إن تطوير القطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة، مثل الخدمات المالية يمكن أن يكون إحدى طرق تعزيز التنويع الاقتصادي، نظراً لقدرته على توفير فرص عمل بأجور مجزية، مصممة لتناسب مستويات المعيشة المرتفعة نسبياً لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. نجحت دبي في تطوير أنشطة غير معتمدة على النفط وأصبحت الآن مركزاً مالياً وممراً في المنطقة عبر مطاراتها وموانئها ومناطقها الحرة، بالإضافة إلى امتلاكها إحدى أكبر شركات الطيران بحسب حركة المسافرين الدولية (طيران الإمارات)، لكن الوافدين يشكلون غالبية القوى العاملة في دبي.

إن احد التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصادات الأكبر، كالمملكة العربية السعودية، هي كيفية إيجاد فرص عمل مرتفعة الأجر نسبياً وكيفية توجيه طاقاتها البشرية الشابة والمتنامية للعمل في هذه الوظائف. تطوير اقتصاد تنافسي لقطاع الخدمات قد يزيد من مخاطر تطور اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على حساب بعضها الآخر. هذا لا يعني القول إنه لن يكون هناك منافسون، لكن العديد من خطط التطوير للحكومات الخليجية تستهدف نفس المجالات كالسياحة، والخدمات المالية، والخدمات اللوجستية. من وجهة نظرنا، هذا قد يؤدي إلى تداخلات كبيرة في تزويد هذه الخدمات. تعتبر دبي حالياً مركز السوق المالية في المنطقة مع حلولها في المرتبة 25 لمؤشر المراكز المالية العالمية في شهر مارس 2017 لشركة زاي/‏‏‏‏‏ين جروب ليمتد والاعتراف بالريادة العالمية للمركز المالي، في كل من الخدمات المالية العامة والعميقة وعلاقاته مع العديد من المراكز المالية الأخرى. مع ذلك، لم يكن ترتيب أبوظبي متأخراً كثيراً، وصنفت عميقة نسبياً، في المرتبة 28، جاءت بعدهما الدوحة في المرتبة 39، والبحرين في المرتبة 57، والرياض في المرتبة 76.

التنويع يبقى هدفاً

نرى أن التحديات التي تواجه التنويع الاقتصادي لدى دول الخليج تبقى كبيرة وأن خطط الحكومات الممتدة لـ 20 و30 عاماً طموحة، مع الحاجة لإحراز تقدم كبير- إذا ما أريد لهذه الخطط أن تتحقق-. وبهدف تعزيز تطوير القطاع الخاص، ستكون اقتصادات دول الخليج قادرة على التخفيف من تعرضها للتقلبات السلبية لأسعار النفط وتعزيز النمو الاقتصادي طويل الأجل، والتي نرى أنها تشكل عوامل دعم لتصنيفاتها الائتمانية. إن ارتباط سعر الصرف والمناخ في هذه الدول لا يتماشيان مع خطة النمو التي قادها النمو الذاتي لقطاع الصناعة، الذي شهدته دول أخرى معتمدة على النفط والغاز عندما توجهت نحو التنويع. قد يسهم تحسين التعليم والقيام بتغييرات مجتمعية على نطاق أوسع في دعم تطوير القطاع الخاص أيضاً. حتى اليوم حققت أنشطة التكرير والتوزيع نجاحاً كبيراً، ولكنّ مكامن المزايا التنافسية للمنطقة، خارج نطاق النفط والغاز، تبقى غير واضحة.