أفكار وآراء

وكالة السي آي أيه والولوج إلى دائرة الخطر

04 أغسطس 2017
04 أغسطس 2017

ديفيد إجنيشس -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

إذا كان في مقدور الأشباح التي تسكن داخل جدران وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الحديث فستطلب من مدير الوكالة مايك بومبيو أن يأخذ حذره. ذلك أن الوكالة تدخل منطقة خطرة. فالبيت الأبيض الذي يعصف به الارتباك وتجلله الفوضى يريد من الوكالة القيام بأعمال هجومية في الخارج دون الوفاء بما يلزم لاستدامة ذلك من تطوير لاستراتيجية واضحة أو تقديم دعم سياسي. بومبيو ناشط وسياسي نشط جدا وميال إلى إطلاق النكات والتعليقات المرحة القصيرة. وهو ممن يقبلون على ركوب المخاطر ويريد من الوكالة أن تنشط بقوة في مجالي جمع المعلومات والعمل السري ضد أهداف مثل كوريا الشمالية وغيرها . هذا الموقف الهجومي واضح في الملاحظات التي أدلي بها مؤخرا في منتدي آسبن للأمن وفي تعليقات أخرى له خلال الأشهر الستة الأخيرة. (منتدى آسبن لقاء سنوي لمسؤولي وخبراء الأمن القومي والاستخبارات في كولورادو بالولايات المتحدة- المترجم.) يواجه بومبيو بعض المشاكل الكبيرة التي تعقِّد أجندته. ولن يكون قادرا على التعامل معها دون أن تتوافر له قاعدة دعم واسعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وإلا فإنه سيجد نفسه في ذات المشكلة التي ظلت الوكالة محاصرة داخلها لعقود. فهي تدشن برامج جريئة ( وأحيانا خطرة) لكن تلك البرامج تنكمش في النهاية مثل بالونات يتسرب منها الهواء مما يضر بالوكالة وبعامليها وحلفائها في الخارج. هاهنا نطرح خارطة طريق حول الأخطار الثلاثة التي ستجدها الوكالة أمامها. وهي خارطة مرسومة بناء على معلومات مستخلصة من أحاديث مع عدد من مخضرمي الوكالة ممن خدموا في إدارات جمهورية وديمقراطية.

أولا: العمل الاستخباراتي مسيّس اليوم ربما أكثر من أي وقت مضى في تاريخنا. فالرئيس ترامب شبه (بطريقة صادمة) ممتهني العمل الاستخباراتي بالنازيين. كما يصف دائما التقديرات الاستخبارية للتهديد الروسي «بالأخبار الكاذبة» أو «اصطياد الساحرات». وليس من المدهش أن يرد كبار الجواسيس السابقين على هذا الهجوم. وفي الأثناء تحولت وكالة السي آي أيه إلى مباراة كرة قدم سياسية. فجيمس كلابر وجون برينان المديران، السابقان لوكالة الأمن القومي ووكالة السي آي أيه على التوالي، وجها بعض اللكمات الخاطفة في منتدى آسبن حيث وصفا تعليقات ترامب «بالمسيئة». كما قالا إنها « في غير محلها تماما» وأيضا «غير.... كريمة». وهما محقان في ذلك. المشكلة هي أن الملايين من الأمريكيين الذين يستغرقون في تخيلات تدور حول « الدولة العميقة» المفترضة (في الولايات المتحدة) يقتنعون بوجود مثل هذه المؤامرة حين يسمعون رؤساء الأجهزة الاستخباراتية السابقين وهم يهاجمون الرئيس.

ثانيا : لقد فشلت إدارة ترامب في اتخاذ قرارات استراتيجية واضحة. فسياسات ترامب حول سوريا وروسيا وإيران والصين خليط من أهداف متناقضة وقضايا غير محلولة. وفي الأثناء يواصل الرئيس الضغط على الوكالة لاقتراح خيارات. تاريخيا، هذا هو المجال الذي تواجه فيه الوكالة المتاعب. فالرؤساء الذين يريدون «انتصارات» ولكن يفتقرون إلى استراتيجية دبلوماسية ممنهجة استخدموا العمل السري لإسقاط حكومات أو شن حروب غير معلنة. وحين تأتي الحملات السرية بخلاف ما هو مقصود منها ويختفي التأييد الشعبي يتم تحميل الوكالة لوحدها مسؤولية الفشل. الدرس المستفاد هنا هو أنه حين لا يعرف واضعو السياسات ماذا يفعلون ويتجهون إلى العمل السري على الوكالة أحيانا أن تقول لا. لقد كان ميل بومبيو إلى العمل السري واضحا في تعليقاته بمنتدي آسبن. ففيما يتعلق بكوريا الشمالية نادى بفصل قدراتها العسكرية عن زعيمها كيم جونج أون. فقد قال ان « الشعب الكوري الشمالي ..... سيرغب في ذهابه كذلك» على الرغم من أنه لطَّف من تهديده قليلا بنكتة طالب فيها الولايات المتحدة بأن تحذر « مما يوجد خلف الباب رقم 3». (في إشارة منه إلى لغز مونتي هول الشهير الذي يدور حول لعبة احتمالات. ويقصد بذلك أن ما سيعقب إطاحة نظام كيم غير معلوم- المترجم).

ثالثا وأخيرا: وهذا أهم شيء، تعيش الإدارة التي يخدمها بومبيو في فوضى. فالرئيس يحاول دفع نائبه العام إلى الاستقالة بالقسوة في انتقاده. وربما أنه يخطط لطرد مستشاره الخاص روبرت مولر بعد ذلك. الولايات المتحدة بحاجة إلى انتظام السياسات والاستقلال عن الوكالة. وعلى بومبيو أن يفكر أيضا في الالتزامات المؤسساتية والدستورية بجانب الرئاسية. إنه يعلم أين يوجد «معجل» السرعة ولكن عليه أيضا البحث عن «الكابح» ، لقد كان مدير الوكالة الأسبق ريتشارد هيلمز( وربما مسؤولها الأشد نباهة في تاريخها ) حذرا من التورط في الجدل حول السياسات. فقد قيل أنه كان يطلب إعفاءه من البقاء في الإيجازات الرئاسية والمغادرة بمجرد تقديمه الإيجاز الاستخباري. ومن المظنون أن (الرئيس الأمريكي) ليندون جونسون كان يستبقيه كي يعرض وجهات نظره. ويبدو أن بومبيو، العضو السابق في الكونجرس والصريح إلى حد الفظاظة، على العكس من ذلك. فهو يتواجد في البيت الأبيض كل يوم تقريبا. ويقال أنه في إيجازاته مع ترامب ينتقل أحيانا فجأة جيئة وذهابا بين الاستخبارات والمسائل المتعلقة بالسياسات. فترامب يريد الأفعال وبومبيو يرغب في الوفاء بذلك. هذا الإغراء «بالقدرة على فعل المطلوب» متأصل في العلاقة بين أي رئيس للولايات المتحدة ومدير للوكالة. ولكنه في هذه الحالة قد يكون سببا للقلق. فبومبيو طموح ويتأجج حماسا ايديولوجيا على نحو لم نشهده في أي مدير سابق للوكالة على مدى عقود. تتدلى على الجدران بالقرب من قاعة الطعام بمبنى وكالته صورة فوتوغرافية لريتشارد هيلمز. تطل من عينيه في هذه الصورة نظرة محتارة ومتشككة. أملي أن يتمهل بومبيو قليلا كي يستشير سلفه.