أفكار وآراء

الاشتراكيون الألمان يخشون هزيمة جديدة أمام ميركل

04 أغسطس 2017
04 أغسطس 2017

سمير عواد -

ما زال الاشتراكيون الألمان يعانون من هاجس هزيمة حزبهم أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عامي 2009 و2013. وبانتخابهم أخيرا، مارتن شولتس، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، رئيسا للحزب ومرشحه لمنافسة ميركل على المستشارية بتاريخ 24 سبتمبر المقبل، كانوا يعتقدون أنهم اختاروا الرجل المناسب في الوقت المناسب. ولكن سرعان من أفل نجم شولتس وأصبح يشكل مشكلة بالنسبة إليهم وليس هو من سيعيدهم إلى ديوان المستشارية، رغم أن نجم ميركل بدأ يأفل أيضا بدرجة ما، في المدة الأخيرة، خاصة بسبب أزمة اللاجئين.

وقد اتخذ الاشتراكيون الألمان قرارا صعبا، عندما أرغموا زيجمار جابرييل، نائب المستشارة ووزير الاقتصاد والطاقة منذ تشكيل الائتلاف المسيحي - الاشتراكي في نهاية عام 2013، على التنحي عن رئاسة الحزب، بحجة تدني شعبيته وأن ذلك يُنذر بتعرض الاشتراكيين إلى هزيمة منكرة، على غرار الهزيمة التي حلت بهم عام 2009، عندما كان مرشحهم، فرانك فالتر شتاينماير، الذي يشغل اليوم منصب رئيس الجمهورية. ثم هزيمتهم الثانية عام 2013 عندما كان مرشحهم، بير شتاين بروك، وزير المالية الأسبق. واستغل جابرييل فرصة ترشح شتاينماير لمنصب رئيس الجمهورية، وتسلم منه منصب وزير الخارجية، ولم يكن جابرييل يعرف الكثير عن العمل الدبلوماسي، وأصبح بتاريخ 27 يناير الماضي الوجه الجديد للسياسة الخارجية الألمانية، وبعد أيام تم انتخاب شولتس في منصب رئيس الحزب بنسبة مائة في المائة وأصبح مرشحهم لمنافسة ميركل في الانتخابات القادمة.

ثم دارت الكرة وتم اختبار شعبية شولتس خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، فخسر الاشتراكيون ثلاثة انتخابات محلية في ثلاث ولايات ألمانية هي ولايات : «السار»، ثم «شليزفيج هولشتاين»، وأخيرا «شمال الراين وستفاليا»، التي كانت بنظر المراقبين، عبارة عن انتخابات عامة مصغرة، نسبة لأن عدد سكانها الأكبر بين الولايات الألمانية الست عشرة ، ويبلغ نحو 18 مليون نسمة. وأشار المراقبون إلى أن الفائز بهذه الانتخابات، سوف يقدم دفعا قويا لحزبه في الانتخابات العامة المقبلة. ففاز حزب ميركل الذي شكل ائتلافا مع الحزب الليبرالي، ويأمل الحزبان أن يشكلا ائتلافا على مستوى الدولة بعد سبتمبر القادم إذا تمكن الليبراليون الألمان من دخول البرلمان الألماني «بوندستاج» بعدما فشلوا بذلك في الانتخابات العامة السابقة عام 2013. وكانت تلك هي أول انتخابات فاشلة لهم منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية عام 1949 على أنقاض الحرب العالمية الثانية. تجدر الإشارة الى أن السياسة الألمانية عرفت شخصيات ليبرالية ، تركت بصماتها على السياستين الخارجية والاقتصادية الألمانيتين ، منها على سبيل المثال فالتر شيل، وزير الخارجية ثم رئيس الجمهورية، وهانس ديتريش جينشر، وزير الخارجية والذي يشار إليه بأنه مهندس الوحدة الألمانية، وأوتو غراف لامبسدورف، وزير الاقتصاد الألماني، ثم غيدو فيسترفيللي، وزير الخارجية الأسبق وغيرهم .

بينما بقي أقل من شهرين على موعد الانتخابات العامة، يستبعد المراقبون والمتابعون، أن ينجح شولتس، في استعادة شعبيته ودخول الانتخابات في مرحلتها الحاسمة وقد ضاقت النقاط التي تفصله عن ميركل. فقد أكدت عمليات استقراء الرأي التي تمت بعد خسارة الاشتراكيين الانتخابات العامة المصغرة في ولاية شمال الراين وستفاليا، على وجود فارق كبير بين ميركل وشولتس، وبالكاد يختلف اثنان في ألمانيا على أن ميركل سوف تفوز في سبتمبر القادم ، وتحكم لفترة رابعة في منصبها. وللمرة الثالثة على التوالي، لم تحتج ميركل المولودة في مدينة هامبورج في الشطر الغربي من ألمانيا قبل61 عاما، وترعرعت في ألمانيا الشرقية وعاشت هناك حتى انهيار جدار برلين، وهناك منطقتها الانتخابية وبيت صيفي تلجأ إليه خلال الإجازات مع زوجها عالم الكيمياء يواخيم زاور، إلى خوض حملة انتخابية لأن منافسها لا يشكل خطرا على منصبها من وجهة نظر كثيرين .

وبالإضافة إلى رفض شولتس من قبل الناخبين، الأمر الذي أكدت عليه خسارة حزبه الانتخابات الثلاثة هذا العام، ثم تراجع شعبيته، ظهرت مشكلة أخرى، وهي أن الناخبين يفضلون عليه وزير الخارجية الألماني جابرييل، ووزير العدل هايكو ماس. إذ سرعان ما تعلم جابرييل، ثوابت السياسة الخارجية الألمانية، واستفاد من مواقفه الصريحة والناقدة التي أثارت إعجاب الألمان، الذين من عادتهم تأييد وزير خارجيتهم. فانتقد سياسات ترامب مثلما فعل سلفه في منصبه شتاينماير، الذي قال عبارته الشهيرة «سوف نبكي دما عندما ينتهي عهد أوباما»، ومد الجسور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأوضح له أن ألمانيا ترى في الأزمة السورية أن الحل على المدى البعيد، لن يتحقق إذا ظلت موسكو متمسكة بالرئيس السوري بشار الأسد. وفي الأزمة الخليجية، شجع جابرييل زميله الأمريكي ريكس تيلرسون، على التوسط، ثم زار كأول مسؤول غربي، منطقة الخليج محاولا التوسط بين الأشقاء، حيث حذر من أن المنطقة ليست بحاجة إلى نزاع جديد، وأكد على ضرورة توصل أطراف الأزمة إلى تسوية دبلوماسية. وكان لدور جابرييل صدى إيجابي عند الألمان، فقد ارتفعت شعبيته ووصلت إلى مستوى شعبية ميركل تقريبا ، وتجاوزت شعبية شولتس.

وفي هذه الأثناء أصبح جابرييل يستمتع بمزاولة منصب وزير الخارجية، لكنه مهدد بخسارة منصبه بعد سبتمبر إذا فشل شولتس في قيادة الاشتراكيين إلى النصر على ميركل. ويأمل الاشتراكيون على ضوء تراجع شعبية شولتس، في الحصول على نسبة من الأصوات تضمن لهم الاستمرار في الائتلاف الراهن. لكن ميركل تأمل بتشكيل ائتلاف مع الليبراليين. وإذا اضطر الأمر مع الليبراليين والخضر، وعندها سيصبح كريستيان ليندنر، زعيم الليبراليين الشاب، نائبا للمستشارة وزيرا للخارجية، وبذلك يمكن أن يلعق الاشتراكيون هزيمتهم الثالثة بعد فوز ميركل على المستشار جرهارد شرودر عام 2005.