Untitled-1
Untitled-1
المنوعات

النازية والصهيونية وقضية الإبادة الجماعية

03 أغسطس 2017
03 أغسطس 2017

عبد الله العليان -

اهتم المفكر العربي المعروف د/‏‏ عبد الوهاب المسيري بالمسألة الصهيونية والنازية، وله موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) في ثمانية أجزاء،وهذا الاهتمام ينطلق من فهم هذه العقلية، ولماذا حدثت هذه الإبادة الجماعية من النازية؟ وما أوجه التلاقي بينهما في النزعة الفكرية ؟ وكيف استغلت الصهيونية هذه القضية الشهيرة لتحقيق الوطن البديل لهم في أرض فلسطين ؟..وفي كتابه (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ)،الذي قدم له الكاتب الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل في مقدمة الكتاب يرى المسيري أنه في إعداده للدراسة عن الصهيونية، قال: ركزت على البعد المعرفي والحضاري لدراستي عن الصهيونية، وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث يُنظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من الفكر الغربي والحضارة الغربية من ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية المختلفة. وأشرت -كما يقول المسيري- في الجزء الثاني من الكتاب في قسم بعنوان(الصهيونية والنازية) إلى أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البُعد السياسي الاعتذاري، فهذه الدراسات أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تماما.

وفي الفصل الأول من الكتاب (الإبادة الجماعية والحضارة الغربية) يطرح د/‏‏ المسيري، هذه القضية بعمق، متناولا مصطلح ( الإبادة)،وكلمة الهولوكست منه حيث فظاعتها، واستغلال الصهيونية لهذا (الهولوكوست) وتوظيفها للكسب التجاري وغيرها من الجوانب التي تسهم في الاستعطاف،وهذه الإبادة ليست لم تكن هي الأولى إنسانيا عبر التاريخ، بل هناك الكثير منها حدث بنفس الطريقة التي حدثت لليهود من النازية، ومن المعروف أن هناك عدة شعوب قامت من قبل بإبادة شعوب أخرى أو على الأقل بإبادة أعداد كبيرة منها. ووردت في العهد القديم أوامر عديدة بإبادة سكان أرض كنعان وطردهم. ولكن من الثابت تاريخيا أن العبرانيين والكنعانيين تزاوجوا، وأن معظم ادعاءات الإبادة قد تكون من قبيل التهويلات التي تتواتر في كثير من الوثائق القديمة أو تكون ذات طابع مجازي. وربما يكون قد تم فعلا إبادة سكان مدينة أو اثنتين، لكن هذا لم يكن النمط السائد نظرا لتدني المستوى العسكري لدى العبرانيين، كما أن استيطان العبرانيين لم يتم عن طريق الغزو دفعة واحدة وإنما عن طريق التسلل أيضا. ويستند الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الغربي إلى الإبادة، فهذا ما فعله سكان أمريكا الشمالية البيض بالسكان الأصليين، وهي عملية استمرت حتى أواخر القرن التاسع عشر.

ويشير د/‏‏ عبد الوهاب المسيري إلى قضية الاعتداء على اليهود في ألمانيا من النازية، من قبل الجماعات النازية، وسميت «بـ ((ليلة الزجاج المحطم)) (بالألمانية:كريستال ناخت kristallnacht) حينما قامت الجماهير الألمانية في العديد من مدن ألمانيا بالهجوم على أعضاء الجماعة اليهودية. ويُقال إن الغضب الشعبي لم يكن تلقائيا وإنما تم بتخطيط من القيادات النازية التي كانت مجتمعة في ميونيخ. كما أن إلقاء القبض على أعداد من اليهود بعد الحادث يدل على أن الأمر لم يكن تلقائيا تماما.

ولا شك أن الرؤية الإمبريالية الشاملة تحدث عنها د/‏‏ المسيري في الحلقات الماضية من خلال مؤلفاته، خصوصا كتابه (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)،والمتعلقة بقضية المنفعة، والبقاء للأصلح والإيمان بتفوق الجنس الآري الخ: رغم هيمنة الرؤية العلمانية الإمبريالية الشاملة على الإنسان الغربي، (بجانبيها النفعي المادي الحيادي الأداتي والدارويني الصراعي الإمبريالي)، ورغم حوسلتها للعالم وتحويلها المنفعة المادية والقوة إلى قيمة مطلقة متجاوزة للخير والشر، إلا أن هناك من لا يتقبل هذه الرؤية ولا يذعن لها ويثير قضايا مهمة ذات طابع أخلاقي وإنساني، من أهمها قضية تطبيق المعايير العلمية المنفصلة عن القيمة وعن الغائية الإنسانية وتطبيق المنظومة الأخلاقية الداروينية النفعية المادية على الإنسان والمجتمع الإنساني». والقضية التي تثيرها النازية، كما يقول د/‏‏ عبد الوهاب المسيري، هي أن هتلر وصل إلى الحكم من خلال إجراءات ديمقراطية سليمة، تماما كما أن المشروع الإمبريالي الغربي قامت به حكومات تم انتخابها بطرق ديمواقراطية سليمة. ومن المعروف أن عمليات السخرة والإبادة التي قام بها النظام النازي كانت تحظى بموافقة الأغلبية الساحقة للشعب الألماني. وهذا لا يختلف كثيرًا عما حدث في الولايات المتحدة حينما قامت الحكومة الأمريكية بوضع ألوف المواطنين الأمريكيين من أصل ياباني في معسكرات اعتقال إبان الحرب العالمية الثانية كإجراء أمني، وقد حظي قرارها العنصري الإرهابي بموافقة الأغلبية. وتصبح القضية أكثر خطورة حينما تظهر بين جماهير الشعب نزعات عسكرية وإمبريالية تتجاوز طموحات النخبة الحاكمة، الأمر الذي يضطرها إلى القيام بعمليات عسكرية عدوانية لتحظى برضى الجماهير».ويطرح د/‏‏ عبدا لوهاب المسيري، مسألة العلاقة بين الرؤية اليهودية والصهيونية عند قضية مقاومة النازيين الذين يعتبروا من ألد أعداء اليهودية، ومن نتج عنها من رؤية صهيونية بفكرها السياسي الذي يدعوا إلى إنشاء وطن قومي لليهود بدعوى العداء للسامية، ويُثير بعض الدارسين تساؤلا بخصوص المقاومة اليهودية والصهيونية للنازيين، وهي مسألة مركبة. ومما يجدر ذكره أنه حين استولى هتلر على السلطة عام 1933 ظلت هناك جيوب رافضة داخل المجتمع الألماني صعّدت المقاومة ضده من منظور ليبرالي. كما كانت هناك حركة مقاومة ثورية نظمتها الأحزاب الشيوعية والاشتراكية فالنازية -كما يقول عبد الوهاب المسيري- حركة رجعية شمولية تقف ضد مصلحة الطبقة العاملة. كما كانت هناك مقاومة من منظور يميني تدعمها قطاعات معينة من الرأسمالية الألمانية الكبيرة. وكانت هناك أيضا مقاومة من منظور تقليدي أرستقراطي باعتبار أن النازية تقضي على امتيازات الطبقة الأرستقراطية الألمانية التقليدية ومكانتها إذ كانت النازية على مستوى من المستويات عملية تحديث سريعة وراديكالية تمت تحت إشراف عناصر من البورجوازية الصغيرة لا تحترم التقاليد وتقضي على سائر الخصوصيات وتحاول أن تنجز في عشرة أعوام ما أنجزته أوروبا في مئات الأعوام.

والنازية بحسب رؤية عبد الوهاب المسيري، ليست فكرا مختلفا عن الفكر الغربي في عمومه، فهو نتاج ثقافة أوروبية متأصلة وليست من خارجها، حيث تنبع النازية من عدة روافد في الفكر الغربي الحديث لعل أهمها على الإطلاق الفكر الفلسفي الرومانسي الألماني وبخاصة الفكر النيتشوي أو النيتشوية. وقد يكون من المفيد أن نشير ابتداءً إلى أننا نمَّيز بين الفكر النيتشوي وفلسفة نيتشه. ففلسفة نيتشه توجد في أعماله الفلسفية، وهي فلسفة متناقضة تحوي الكثير من الأفكار النبيلة والخسيسة والعاقلة والمجنونة. أما الفكر النيتشوي فهو منظومة شبه متكاملة استنبطها الإنسان الغربي من أعمال نيتشه وحققت من الذيوع والشيوع ما يفوق أعمال نيتشه الفلسفية. فهناك الكثير من النيتشويين ممن لم يقرأوا صفحة واحدة من أعمال نيتشه بل والذين اتخذوا مواقفهم النيتشويه قبل أن يخط نيتشه حرفا واحدا. فالخطاب الإمبريالي منذ لحظة ظهوره في القرن السابع عشر كان خطابا نيتشويا».

كما أن نيتشه كان متعاطفا مع اليهود، وكان ضد معاداتهم، ربما بسبب مطاردتهم وإبادتهم، كما برزت في ألمانيا النازية، بان له رؤية لافتة ومنطلقة من رؤية دينية وعرقية، فالمسيري يرى أن هناك جانبا آخر لنيتشه، وهو رفضه لمعاداة اليهود بل إنه اعتبر معاداة اليهود مجرد شكل آخر من أشكال ثورة العبيد الحديثة ضد السادة. كما كان نيتشه معجبا بالعهد القديم أو ما تصوره أسلوبه غير الأخلاقي ووصاياه التي لا تتضمن أي تهاون أو مساومة. وفي كثير من كتاباته نجده يكيل المديح لليهود أكثر من الألمان فاليهود عنصر قوي يتمتع بالصحة وتدل صلابتهم وإبداعهم على مقدرتهم على القيام بعملية إعادة تقييم القيم ولكن بغض النظر عن موقف نيتشه من اليهود أو اليهودية يظل ما عنينا في هذا الجزء من دراستنا هو الفكر النيتشوي وأثره في الفكر الديني اليهودي وفي التفكير الصهيوني». وتظل قضية الإبادة الجماعية لليهود محل الدراسات والرؤى المختلفة، وبرغم رفضنا لهذه الإبادة لليهود من قبل النازية إن تم استغلالها أو تضخيمها، فلماذا لا تعتبر مجازر اليهود في دير ياسين ،وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا إبادة جماعية ؟. وهذه تحتاج إلى مراجعة عادلة لهذه الازدواجية في التعامل.