إشراقات

التمسك بالعبادات

03 أغسطس 2017
03 أغسطس 2017

سلوك طفل مسلم -

القاهرة : أماني أحمد -

من المؤكد يقينًا أن الولد إذا ارتبط وهو في سن الوعي والتمييز بروابط اعتقادية، وروابط روحية، وروابط فكرية، وروابط تاريخية، وروابط اجتماعية، وروابط رياضية إلى أن تدرج يافعا، إلى أن ترعرع شابا، إلى أن أصبح رجلًا، إلى أن انحدر كهلًا.. فإن الولد يصبح عنده من مناعة الإيمان، ويرد اليقين، وحصانة التقوى، ما يجعله أن يستعلي على الجاهلية، ويهزأ بها بكل تصوراتها واعتقاداتها ومبادئها وأضاليلها.. بل يكون ثورة شعواء على كل من يقف من نظام الإسلام موقفا معاديا، أو ينال من مبادئه الخالدة نيلا حاقدا لأنه ارتبط بالإسلام عقيدة، وعبادة، وخلقا، ونظاما وتشريعا، وعملا وتطبيقا وجهادا ودعوة، ودينا ودولة، وفكرة وثقافة.

يقول الدكتور عبدالله ناصح علوان أستاذ الدراسات الإسلامية في كتابه «تربية الأولاد في الإسلام»: للإسلام منهجه في ربط المسلم بارتباطات روحية متنوعة ليظل دائما محافظا على صفاته وإشراقه، وطهره وإخلاصه، والمنهج هو ربط الولد بالعبادة لما روى الحاكم وأبو داود عن ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».

ويقاس على الصلاة ربط الولد بعبادة الصوم إذا كان الولد يطبقها، وبعبادة الحج إذا كان الأب يستطيعها، وبعبادة الزكاة إذا كان المربي يقدر عليها، وعلى الآباء أن تفهم الولد أن العبادة في الإسلام ليست مقصورة على هذه الأركان الأربعة من العبادات، وإنما تشمل كل عمل صالح يكون المسلم ملتزمًا فيه منهج الله، ومبتغيا به وجهه، ويتحصل من هذا المعنى العام للعبادة أن التاجر في متجره مثلا إذا أنتهج منهج الله في تجارته، وراعى في بيعه أمور الحلال والحرام، وابتغى بعمله هذا وجه الله سبحانه فيكون هذا التاجر من العباد المؤمنين.

لهذا كان لزامًا على كل مربٍ أن يبصر الولد وهو صغير مبادئ الخير والشر، ومسائل الحلال والحرام، ومعالم الحق والباطل.. يفعل الولد ما يحل، ويجتنب ما يحرم، وهذا التوجيه للولد هو من إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم للمربين فيما رواه ابن جرير وابن المنذر حيث قال: «اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار».

فالولد حين يرتبط بالعبادة بمفهومها الخاص والعام منذ نشأته، ويعتاد أداءها، والقيام بوظائفها منذ نعومة أظافره، وحين يتربى كذلك على طاعة الله، والقيام بحقه والشكر له، والتزام منهجه.. عندئذ يكون الإنسان المتوازن المستقيم العامل المخلص الذي يؤدي كل ذي حق حقه في الحياة، والذي يعطى للناس القدوة الصالحة في سلوكه وأخلاقه ومعاملته، بل يكون من الذين يشار إليهم بالبنان لأنه على الهدى والدين الحق والصراط المستقيم.

ومن جهة أخرى يقول فوزي محمد أبو زيد في كتابه «تربية القرآن لجيل الإيمان»: في مرحلة الطفولة يجب أن يلقن الصغير مبادئ الدين، وندربه على العبادات، ونعوده على ممارسة فعل الخير؛ لأن ذلك يجعل منه نواةً صالحةً لمجتمع سليم راق، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي في إحيائه: «ومهما بلغ سن التمييز، فينبغي ألا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان، ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب، ويعلم كل ما يحتاج إليه في حدود الشرع». وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موضحا الواجب على الأب في هذه الفترة فيما رواه أبو داود وكذلك روى ابن حبان عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الغلام يعق عنه يوم السابع ويسمى، ويماط عنه الأذى، فإذا بلغ ست سنين أدب، وإذا بلغ تسع سنين عزل عن فراشه، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة ضرب على الصلاة والصوم، فإذا بلغ ست عشر سنة زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال: قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة».

فقد جاء التوجيه من الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن نروض أولادنا على القيام بالعبادات لتتأصل في نفوسهم ويتعودوا عليها منذ نشأتها الأولى، حتى يتربى الطفل على طاعة الله سبحانه وتعالى، والقيام بحقه، والثقة به، والاعتماد عليه، ويجد فيها أيضا طهرا لروحه، وصفاء لنفسه، وصحة لبدنه، وتهذيبا لأخلاقه فقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن ماجه: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم» وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن».

إن الطفل عندما ينشأ منذ نعومة أظفاره على الإيمان بالله والاعتماد عليه والمراقبة له فإنه يصبح وعنده الملكة الفطرية، والاستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة ومكرمة، ويتأتى ذلك بإبراز مشاعر الطهر والنقاء في نفسه وإشعاره بمراقبة الله عليه.

ولذلك فيبدأ الأبوان في هذه المرحلة بتعليم الطفل الطهارة والوضوء والصلاة، ويصحبه الأب معه إلى المسجد للصلاة معه على أن يبين له آداب عمارة المسجد والجلوس فيه، ويوضح له كيفية الصلاة في جماعة ويجتهد في إقناعه بأهمية الصلاة وفضائلها ويكشف له عن بعض أسرارها حتى تكون عبادته عن حب وشوق لا عن خوف ورهبة، فذلك يجعله يصلى سواء كنت حاضرا أو غائبا لأنه يصلى لله عز وجل وليس خوفا منى أو رغبة في إرضائي بل رغبة في إرضاء الله عز وجل.

وكذلك الصيام فيبدأ الوالدان بتدريب الطفل على صيام بعض اليوم، ثم نصفه، ثم صيام بعض أيام من الشهر الكريم وتحكى السيدة عائشة -رضى الله عنها- عن ذلك فتقول: كنا نصوم ونحن صغار، وكانوا يصنعون لنا اللعبة من العهن (الصوف) يلهوننا بها عن الجوع.