1071699
1071699
مرايا

التسوّل الإلكتروني...ظاهرة يجب الحذر منها

02 أغسطس 2017
02 أغسطس 2017

تَستغلُّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتجني مبالغ مالية خيالية -

تحقيق: نايف بن علي المعمري -

تُعدُّ ظاهرة التسوّل الإلكتروني من أخطر ظواهر التسوّل على الإطلاق، بل هي وسيلة لجني مبالغ خيالية تفوق بكثير طرق التسوّل المعتادة التي يقوم بها المتسولون أمام أبواب المساجد أو بين أروقة الأسواق وفي الطرقات، هذا، وقد أشار أحد المعنيين في أحد البرامج الإذاعية ضاربا مثالا حول الظاهرة إنه تم ضبط حالة استطاعت جني ما يزيد عن سبعة آلاف ريالا عمانيا في يوم واحد فقط، وأخرى مماثلة جنت أكثر من أربعة آلاف ريالا، ولعل تفاصيل هذه الظاهرة يتجاوز مجرد استطلاعنا فقط حول الحديث عنها، فهي ليست وليدة اليوم، بل أصبحت مؤرّقة لكثير من المجتمعان الدولية في شتى بلدان العالم، ولربما استغلت هذه الظاهرة كثيرا في دعم وليات الحروب ومساعي الإرهاب في الدول التي أُريدَ لها تفكيك أواصر مجتمعاتها، وتشريد أبنائها.

هذه الظاهرة، وإن عجزت عن التصدي لها أجهزة الأمن والاستخبارات في جميع بلدان العالم؛ كونها تتخذ مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي دروعاً لها، فهي ظاهرة تختلف عن الابتزاز الإلكتروني من حيث انها رسالة صريحة تُنشر إلكترونيا لطلب المساعدة لحالة مريض أو مُعسر ومرفق بها رقم الحساب البنكي، فيما الابتزاز يستند إلى إدراج الضحية إلى الوقوع في الخطأ، ثم ابتزازه بدفع المال مقابل عدم التشهير به.

ذرائع وهميّة

وللحديث حول التسوّل الإلكتروني، استطلعت «مرايا» عددا من الآراء، حيث ترى أمل بنت مبارك الحيدية أن سبب انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني يعود بشكل مباشر إلى رغبة المتسولون في الاحتيال على الأفراد دون مقابل من أجل الحصول على مبالغ مالية باستخدام ذرائع وهمية مختلفة مثل الحاجة الي تقديم مساعدات للدول التي تعاني من الحروب أو الحاجة الى العلاج أو دعم الانشطة والفعاليات التي لا تندرج تحت مظلة رسمية، وتستطرد بقولها: في الحقيقة أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع خاصة بتزايد وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت على الكثيرين التخفي تحت اسماء وعناوين مزورة قد ينتحل فيها في احيان كثيرة أسماء لشخصيات شهيرة ومعروفة في المجتمع المحلي.

وترى أمل الحيدية أن هناك صعوبة في القضاء على الظاهرة التي فرضت نفسها نتيجة التطور التكنولوجي، حيث تضيف: ومن وجهة نظري فإن ظاهرة التسول عبر استخدام الأجهزة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من اسوأ الظواهر من حيث مستوى الصعوبة في القضاء عليها لعدم وجود عنوان واقعي يُمكّن الجهات الأمنية من العثور على مرتكبي تلك الجرائم او الذين استولوا على تلك المبالغ بسهولة .

وتستطرد الحيدية قائلة: كما أن استخدام ذريعة جمع مبالغ مالية لعلاج مريض مثلا أو للتبرع بها للمعسرين في المجتمع او اللاجئين في الدول التي تعاني حروبا او للأنشطة التي تقيمها الفرق التطوعية التي لا تندرج تحت مظلة الحكومة، يُعد عملا غير قانوني؛ لذا كان من الواجب بمكان أن تقوم الجهات المعنية والقانونية بزيادة الحملات التوعوية التي قد تُساعد في التقليل من تلك الظاهرة. كما يتحتم على كل فرد في مجتمعنا أن لا يندرج خلف كل اعلان الكتروني يراه او يُرسل اليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها قبل أن يتحقق من مصداقيته.

مصادر مجهولة

ويؤكد أيضا هيثم بن سيف الزهيبي بقوله: لاشك أن ظاهرة التسول الالكتروني باتت ظاهره عالمية ومحلية تشكل خطر على الفرد والمجتمع حيث انها تستجلب استعطاف المجتمع في تقديم المساعدة المالية للشخص المستفيد، وتتنوع اشكالها مثل مساعده أسره فقيرة في بلد يُعاني من الحروب او بناء مساجد مجهولة الموقع؛ لذلك تتعدد أشكالها وصورها، والهدف هو الحصول على أكبر مبالغ مالية من الفرد. وحول تأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمع يقول هيثم الزهيبي: مثل هذا النوع من التسول يجعل الفرد يمنح ويُقدّم أمواله الى مصادر مجهولة المصدر ربما تُريد الضرر بالبلاد وتُستخدم في ارهاب المجتمع، ويرى هيثم الزهيبي أنه على الفرد المقبل على تبرع مادي معين أن يتحرّى الجمعيات الخيرية الرسمية، بحيث يقوم بتسليم المبالغ إلى تلك الجمعيات وهي بدورها ستوزعها على مستحقيها، كما يرى هيثم الزهيبي أن تقوم شرطة عمان السلطانية بدورها في هذا الجانب من خلال النشرات التوعوية وتحذيرها المستمر لمثل هذا النشاط المشبوه.

ظاهرة منتشرة...

ويؤكد على انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني سلطان بن عبدالله بن سعيد السعدي، حيث يؤكد أن ظاهرة التسول الالكتروني تزايد انتشارها مع تنوع وتعدد وتطور مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح الكثير من المتسولين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لجمع المال، نظرا لسهولتها، وبُعدها عن الأنظار، حيث يستطيع وهو في منزله أن يكتب رسالة يصف فيها معاناته أو مرضه أو فقره أو يلتجئ إلى وصف شخصية وهمية، يستعطف فيها الناس أنها بحاجة ماسة إلى المال، ثم يرفق فيها رقم حسابه البنكي، ويرسلها بسهولة إلى جروبات الوتس أب لديه، وهم بدورهم يرسلونها أيضا إلى الآلاف من الناس، وربما استطاع أن يجني بهذه الطريقة آلاف الريالات في يوم واحد. ويؤكد سلطان السعدي بقوله: وحقيقة هناك الكثير من الرسائل تردنا على هواتفنا مثل هذا النوع من الرسائل، ومن ضمن الأمثلة والتي حصلت معي شخصيا عبر موقع «تويتر» بإقدام امرأة بمتابعتي عبر الحساب ومدعية بأنها من أسرة عريقة في دول الخليج وقد قامت بمراسلتي بطلب مبلغ مالي لمساعدة أسرة لاجئة مدعيه بأنها خارج دولتها، إلا أنني وبحمد الله على علم بهذا الأساليب الاحتيالية، وأقوم في العادة بحظر مثل هذه المراسلات من موقعي الالكتروني وهاتفي.

آثار سلبية...

وحول آثارها السلبية يقول السعدي: هذه الظاهرة تتسبب في انتشار البطالة، وأخذ مال الناس من غير وجه حق، كما أنها تُحد من منح الصدقات والزكاة للمستحقين استحقاقا فعليا، بحيث يأخذ المتسول المبلغ وهو لا يستحقه، كما أنها تكتلات لخلق عصابات وقد تُشكل ربما تهديدا أمنيا على اي دولة اخرى، ويقترح السعدي على الجهات المختصة زيادة توعية الافراد في المجتمع عن هذه الظاهرة سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي او بإقامة المحاضرات والحملات الإعلامية.

التنمية الاجتماعية...

وحول الحديث عن هذه الظاهرة، تواصلت مرايا مع المعنيين بوزارة التنمية الاجتماعية، حيث أوضح حمود بن محمد بن ناصر المنذري، مديــــر دائـرة التنميـــة الاجتماعيـــة بالسيب، ومشرف فريق مكافحة ظاهرة التســوّل في الولاية، ان ظاهرة التسوّل بشكل عام هي عملية استجلاء يقوم به شخص ما يقصد به الجمهور ويطلب مساعدته بمبلغ (صدقة) أو نوع من الاحسان وذلك باستخدام الطرق المختلفة في عملية التسوّل المتمثلة في عرض السلع التافهة أو ألعاب استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح موردا جديا للعيش بذاتها، كما يقوم المتسوّل بطلب المال المباشر من الجمهور من خلال استخدام الحال أو العاهات أو بالأطفال كدافع مهم لجذب الشفقة لتقديم المساعدة (الصدقة) ويستهدف الشخص المتسول في غالب الأمر أماكن التجمعات البشرية والتي تتمثل في المقام الأول؛ المساجد والأسواق العامة والمجمعات التجارية والأحياء السكنية ومحطات الوقود، والتسوّل الإلكتروني هو نوع من هذا التسول، بل هو أخطر أنواع التسول؛ لكونه يخفي شخصية المتسوّل كهيئة وذلك من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم الشخص بأرسال رسالة تحتوي على طلب التبرع موضحا فيها رقم الحساب البنكي.

ويضيف قائلا: وتعتبر ظاهرة التسوّل الإلكتروني من الظواهر الاجتماعية السلبية التي لها آثار على الفرد والأسرة والمجتمع، كما تؤثر على الأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي في حياة المجتمعات والأفراد وبدأت مؤخرا في الظهور بشكل ملحوظ في المجتمع العماني بسبب الأوضاع السياسية والأمنية التي اجتاحت المنطقة العربية .

جهود الوزارة في الحد منها

وحول جهود وزارة التنمية الاجتماعية في الحد من هذه الظاهرة، يقول حمود المنذري: شكلت وزارة التنمية الاجتماعية فريقا مختصا معنيا بمتابعة وضبط حالات التسوّل بما في ذلك المتسولين إلكترونيا، ويتكون هذا الفريق من مجموعة من الأعضاء، ويمارس مهامه من خلال اجراء مسح ميداني للبحث عن حالات التسوّل، وكذلك يتلقى الفريق البلاغات الواردة من المواطنين والمقيمين للإبلاغ عن هذه الظاهرة في المجتمع، كما قامت الوزارة بإصدار قرار وزاري رقم (53/‏‏‏2010)، حيث يحمل القرار لائحة تُنظم طرق وآلية وشروط جمع المال من الجمهور، كما تضمن القرار المذكور العقوبات للمخالفين، وتشرف على هذه العملية دائرة الجمعيات وأندية الجاليات بالوزارة والتي من خلالها يتم متابعة التسوّل الالكتروني بالتنسيق مع الفريق والجهات المختصة، وهناك العديد من الجهات التي يتم التعاون معها للحد من هذه الظاهرة، وأبرزها؛ شرطة عمان السلطانية، والادعاء العام، ووزارة الاعلام، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وغيرها من الجهات ذات الاختصاص.

وحول الإجراءات المتبعة عند ضبط المتسوّلين، أوضح المنذري أنه يتم اجراء بحث اجتماعي عن الحالة التي تم ضبطها، من خلال دراسة حالته الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام، واستنادا إلى نتائج البحث يتم أخذ التوصية، وقد يتم إحالة المضبوط الى مركز شرطة عمان السلطانية؛ لغرض تطبيق أحكام قانون الجزاء العماني؛ لكونه مخالفا بممارسته عملية التسوّل، كما يتم استدعاء المضبوط في التسوّل الالكتروني الى الجهات المختصة لتطبيق العقوبات وفق ما حددها القانون.

مشاركة المجتمع..

وتؤكد وزارة التنمية الاجتماعية على خطورة هذه الظاهرة، وضرورة تضافر الجهود ومشاركة المجتمع نحو الحد منها، حيث يقول حمود المنذري: التسوّل من الظواهر غير الحضارية والخطيرة على المجتمعات، كما أنها تؤثر سلبا على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وتؤدي الى خلق فئة اتكالية وغير مُنتجة؛ لذا وجب علينا جميعاً التعاون في الحد منها والقضاء عليها، حيث ان جهود وزارة التنمية الاجتماعية والجهات الحكومية الأخرى وحدها لا تكفي للقضاء على هذه الظاهرة، وبالتالي يتطلب مشاركة جميع شرائح المجتمع، وبطبيعة الحال فإن المجتمع العماني مجتمع متكافل ومتعاون، ومن خلال هذا الاستطلاع نوجه كلمة للجميع؛ مواطناً أو مقيماً بعدم الاستجابة لطلبات المتسوّلين أو لرسائلهم الإلكترونية؛ لكون ذلك يؤدي إلى انتشار واسع لمثل هذه الظواهر، انما من أراد التبرع عليه بالتنسيق مع لجان التنمية الاجتماعية والجمعيات والفرق الأهلية والخيرية المنتشرة في ربوع هذا البلد العزيز، فالقائمون عليها على مقربة ودراية بالأفراد والأسر المُحتاجة.