abdullah
abdullah
أعمدة

رماد :نهاية

02 أغسطس 2017
02 أغسطس 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

انتصف النهار، الشمس ساطعة جدا، بل هي محرقة، والهواء المحيط به، أكثر حرقة من عود ثقاب إن لامس جسده، يجرد حقيبة سفره وراءه، احدى قوائمها مكسورة، تسبه انكسار روحه التي هي الأخرى ممزقة بعد موت حلم الأمس الذي كان يشد من ازرها نحو تفاؤل كان يرجوه هو بكل ما يملك.

يستمر في المسير، قاصدا محطة انتظار الحافلة التي ستقله إلى حيث يريد، مع أنه يجهل إلى أي مقصده، ولماذا هو مسافر، ولربما وصوله إلى محطة الانتظار يتوافق مع حالة الانتظار التي يعيش فيها منذ أن كان طفلا، ينتظر أن يكبر ليحقق أحلامه التي كبرت أسرع منه، وشاخت، ثم ماتت.

ها هي الحافلة قد وصلت، صعد إليها، وفي منتصفها كان الكرسي الفارغ ينتظره، الفراغ هناك مع أنه ضيق، إلا أنه أكثر اتساعا من ضيق صدره في تلك اللحظة، وبالقرب من كرسيه، كانت تجلس العجوز، التي ما إن رآها حتى تبدل حاله من كآبة إلى بؤس، فهو هنا نظر إلى حياته عبر نظره إلى عجوز شارفت على التسعين من عمرها.

أخرج من جيب حقيبته الأمامي كتابا، أخذ يتصفحه بين الحين والآخر، وما بين الحين والآخر كان يستمع إلى حديث العجوز معه، ومع من هو خلفة، ومع من هو أمامه، أيضا حديثها عبر الهاتف، إنه يسمع ويقرأ، هي تضحك، وهو جامد في ابتسامته التي أخفاها تحت شفتيه منذ زمن طويل.

في يده اليمنى ساعة يد، يراقب حركة عقاربها بين الحين والآخر، هي في نظرة تتحرك بسرعة كبيرة جدا، الساعة فيها عن ثانية، والعشر ساعات عن دقيقة، والحافلة لاتزال مستمرة في المسير، في خط رحلة مجهولة، كلما توقفت الحافلة عند محطة ما، نزل منها من وصل مقصده، وصعد إليها آخرون.

إلى أن حدث أن ركبت الحافلة طفلة صغيرة، نظر إليها بقلبه منذ الوهلة الأولى التي صعدت فيها إلى الحافلة، وجلست في الصف المحاذي لكرسيّه، أطال فيها النظر، كانت كالزهرة المشرقة بلونها القرمزي الجميل، تفوح منها رائحة عطر تسلل إلى روحه عبر أنفه، هنا شعر بأن عقارب ساعته بدأت بالتباطؤ، وأن سرعة الحافلة قد تسارعت أكثر من ذي قبل.

نهضت الطفلة من على كرسيها، وهي تحمل إليه ورقة صغيرة، ربما كتبتها له بنفسها، قدمتها له وهي تبتسم، بينما هي كذلك، وإذ بسائق الحافلة ينادي باسمه، للنزول إلى المحطة، بداية ابتسامة قد تسللت من خلف ستار شفتيه، لكنه لم يكملها، لينهض واقفا، ويسحب حقيبته معه، وينزل من الحافلة.

مضت الحافلة، وهو في مكان نزوله عينه على الورقة الصغيرة، يفتحها، ليقرأ فيها «حياتك هنا تنتهي» فسَقَط.

[email protected]