أفكار وآراء

فشل المدارس الحكومية في إفريقيا ... هل من حل؟

02 أغسطس 2017
02 أغسطس 2017

نيكولاس كريستوف -

ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

تخيلوا مدرسة ابتدائية يداوم فيها التلاميذ ويغيب المدرسون. مدرسة يتكدّس مائة من تلاميذها في حجرة الدرس ولا يحصلون على أية كتب مدرسية. مدرسة يكون معلموها أحيانا أميين ويسيئون معاملة التلاميذ بين الحين والآخر. مدرسة يدفع فيها أولياء أمور التلاميذ «تحت الطاولة» كي يحصلوا على تعليم «مجاني» ورغم ذلك لا يتعلم أبناؤهم كيفية القراءة. هذه هي حال التعليم الحكومي في بلدان فقيرة عديدة. وهذا ما يوضح لماذا أن عداء اتحادات المعلمين الأمريكيين وبعض مؤيديهم التقدميين لتجارب الإدارة الخاصة للمدارس الحكومية في الخارج ينبني على تصور خاطئ. فدولة ليبيريا تقود تجربة هامة لمساعدة الأطفال على التعلم في البلدان الفقيرة. تحدث معي جورج فيرنر، وزير التعليم الليبيري عن فشل الوضع التعليمي القائم.

« فالمعلمون يغيبون عن مدارسهم على الرغم من أن الحكومة تدفع لهم رواتبهم. كما لا توجد كتب مدرسية. والتدريب ضعيف جدا. والبنية الأساسية للمدارس غير آمنة» ويضيف الوزير قائلا «علينا أن نحدث تحولا جذريا». لذلك تشرع ليبيريا في تسليم بعض المدارس الحكومية إلى شركة « بريدج إنترناشونال أكاديميز» في مسعى منها لفعل شيء أفضل. أما بريدج فشركة خاصة يدعمها كل من بيل جيتس (أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت) ومارك زوكربيرج (مؤسس موقع فيسبوك.) حتى الآن يبدو أن في مقدورها تحقيق المطلوب على نحو أفضل.

لقد كشفت دراسة أجريت مؤخرا أن المدارس الحكومية التي تديرها شركة بريدج تتفوق في أدائها بسهولة على تلك التي تديرها الحكومة في ليبيريا. ومن المتوقع أن يؤكد اختبار أداء عشوائي هذه النتيجة. وسيكون من العجيب والغريب ألا تتفوق مدارس مزودة بمعلمين وكتب على مدارس تفتقر إلى الاثنين معا. وإذا استمرت التجربة في نجاحها فسيرغب وزير التعليم الليبيري في تسليم «أكبر عدد ممكن من المدارس» لجهات خاصة. كما تهتم بلدان في آسيا وأخرى في إفريقيا بتبني هذا النموذج. ومن جانب آخر تثير فكرة تسليم المدارس العامة إلى شركات تعمل من أجل الربح الغضب في بعض الدوائر. كما يكنّ البعض عداء خاصا لشركة بريدج لأنها تدير مئات المدارس الحكومية والخاصة في بلدان فقيرة.

(تتقاضى مدارسها الخاصة في بلدان أخرى من عائلات التلاميذ 7 دولارات في الشهر) وكانت لِيلِي ايسكيلسن جارسيا، رئيسة الرابطة الوطنية للتعليم، وهو أكبر اتحاد للمعلمين بالولايات المتحدة، قد ذكرت في الخريف الماضي أن النموذج التعليمي الربحي الذي تتبناه شركة بريدج « يحرم الطلاب من التعليم الجيد» وعلى نحو شبيه بذلك ينتقد بشدة اتحاد النقابات «الدولية للتربية»، الذي يمثل الرابطة الوطنية للتعليم واتحادات أخرى للمعلمين حول العالم، شركة بريدج والحكومة الليبيرية. أنا أتفهم مخاوف منتقدي هذا النموذج التعليمي (وأشاطرهم بعض المخاوف المتعلقة بالمدارس الربحية في الولايات المتحدة) فهم يرون في تسليم المدارس إلى شركة بريدج تفكيكا لنظام التعليم الحكومي، الذي يشكل أحد أفضل الأفكار في تاريخ البشرية، وذلك من أجل الربح الخاص. ولكنني تتبعت أداء شركة بريدج لعدة أعوام. وكتبنا عنها ، زوجتي وأنا ، في آخر كتاب لنا.

نحن نرى أن هذه المخاوف في غير محلها. لقد كانت بريدج تخسر أموالا على الدوام. لذلك لا يوجد من يتاجر في تعليم الأطفال. وفي الحقيقة بريدج شركة ناشئة تتولى معالجة مشكلة اجتماعية بوسائل شبيهة بتلك التي تعمل بها المنظمات غير الربحية. ولكنها تفعل ذلك بوضعية ربحية تجعلها أكثر استدامة وقابلة للترقي. نعم كانت هنالك حملات دولية لاستيعاب المزيد من الأطفال في المدارس ولكن ذلك لا يكفي. فالمقياس الحاسم في هذا الصدد ليس حضور التلاميذ للمدرسة ولكن تعلمهم في المدرسة. في قرية اسمها «بويجيزاي» بمقاطعة «ريفرسيس» في ليبيريا زرت مدرسة حكومية نظامية يوجد بها رسميا 16 معلما. في البداية شاهدت أربعة منهم.

وبعد عدة ساعات جاء اثنان آخران. كما طلبت من إحدى التلميذات في الصف الثالث بالمدرسة قراءة كلمة « أيدي» المطبوعة على قميص «تي شيرت « كانت ترتديه ولم تستطع أن تفعل ذلك. ثم سألتها كم تساوي ثمانية زائد خمسة. بعد تردد قالت « اثنا عشر» وأخيرا طلبت منها كتابة الحرف «إ» في مفكرتي. ولكنها لم تستطع. يتساءل الأمريكيون لماذا أن 60 مليونا من الأطفال في سن التعليم الابتدائي حول العالم لا يذهبون إلى المدرسة. لا عجب في ذلك إذا كان عليك أن تدفع رسوما مدرسية تحت الطاولة وأنت تعلم أن سنوات من « التعليم» لن تفيد أطفالك.

ولكن مدارس شركة بريدج التي زرتها كانت في المقابل فعالة في أدائها. فالمعلمون أنفسهم يستطيعون القراءة. وتبدأ المدرسة دوامها في الساعة السابعة والنصف صباحا ثم يستمر حتى الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر بدلا من حوالي منتصف الظهيرة كما تفعل العديد من المدارس (الحكومية) التي تديرها الحكومة. أيضا توجد لدى التلاميذ كتب مدرسية. يقول رئيس رابطة الآباء والمعلمين في إحدى المدارس التي زرتها أن «الفرق كبير جدا» منذ وصول شركة بريدج إلى هنا. وأخبرتني تلميذة اسمها روث (9 سنوات) في الصف الثالث أن الفرق الأكبر منذ تولي بريدج إدارة المدرسة هو وجود المعلم. روث أول بنت في أسرتها تلتحق بالمدرسة. وهي تحب مادة العلوم. وتأمل في أن يساعدها التعليم على تحقيق طموحها الذي أفصحت عنه بقولها «أريد أن أكون ممرضة»

يمكننا كلنا أن نتفق على أن أفضل خيار هو أن تتولى الحكومات تقديم أفضل المدارس المزودة بالكتب والمعلمين في حجرات الدرس. ومن جهتها، تحاول ليبيريا حقا إصلاح حال كل مدارسها والتخلص من مخصصات مالية تذهب إلى معلمين «أشباح» لا يوجدون إلا على الورق.