أفكار وآراء

لماذا عارضت القوى الاقتصادية الكبرى انسحاب ترامب من اتفاقية المناخ ؟

30 يوليو 2017
30 يوليو 2017

د.صلاح أبونار -

إنَّ مجال الطاقة المتجددة لا يزال يشكل فرصًا جاذبة للاستثمارات. وشركات الطاقة تجد الآن في استثمارات الكربون المنخفض، عائدًا جيدًا مع اتجاه تكلفة التكنولوحيا للانخفاض، وكما قال فاتيه برول رئيس وكالة الطاقة الدولية،

في مواجهة قرار من نمط الانسحاب من اتفاقية المناخ، ستظهر على الفور تساؤلات بصدد موقف القوى الاقتصادية الأمريكية الكبرى من القرار. ذلك أن القرار يمس مصالح ضخمة ووطيدة، تقع في بؤرة الاقتصاد الأمريكي ولها امتداداتها على مستوى العالم. ويكتسب السؤال مزيدًا من الأهمية، عندما نستدعي ما سبق قوله حول سيطره الحجة الاقتصادية، على مجادلة ترامب دفاعًا عن قراره.

وعندما نشرع في الرصد سنجد أمامنا اتجاهين، يماثلان في موقفهما الموقفين اللذين رصدناهما في استبيانات الرأي العام الأمريكي. دون أن يكون في مقدورنا القول، انهما يماثلان في وزنهما نمط توازن القوة الموجود في الاستبيانات. ذلك أن توازن الاستبيانات مدلل عليه إحصائيا، وهو مالا يتوافر في موضوعنا. وجل ما يمكن قوله أن الاتجاه الأول الرافض لقرار الانسحاب، هو الأكثر اتساعا والأرجح وزنا، والأكثر اعترافا بحقائق التغير المناخي، والأعمق صلة بالقوى العلمية والمدنية والتنفيذية المناهضة للتلوث المناخي، والأكثر إقرارا بحتميات التطور التكنولوجي في مجال الطاقة.

ما هي ملامح الاتجاه الأول؟

مع إعلان الانسحاب ظهر في واجهة القوى المحتجة، مجموعه من أكبر الشركات الرأسمالية الأمريكية والعالمية، كان من ضمنها: رويال دوتش شل إحدى أكبر ست شركات نفط عالمية وفقا لتقديرات 2016، واكسون موبيل أكبر شركات العالم للنفط والغاز، بريتش بتروليم احد اكبر سبع شركات نفط في العالم، وكونكوفيليبس للطاقة من ضمن اكبر 500 شركه في العالم، وجولدمان ساكس للتمويل، ودية بونت ثامن منتج عالمي للمنتجات الكيماوية، وجنرال اليكتريك ثالث عشر قائمة 2016 لأكبر خمسمائة شركة أمريكية، وتيسلا لإنتاج السيارات الكهربائية، ووالمارت اكبر شركات العالم دخلا وتمتلك سلسلة من الهايبرات تغذيها سلسلة صناعات تنتج عشرات العلامات التجارية، وجنرال ميلز العملاقة لإنتاج وتوزيع الأغذية، وآبل للالكترونيات أكبر منتجي تكنولوجيا المعلومات عالميا، وفيسبوك، وجوجل العملاقة لخدمات الانترنت التي وصل دخلها السنوي عام 2012 إلى 50 بليون دولار، وشركه شيفرون.

كيف يفكر هذا الاتجاه؟ وهل يمكننا أن نرصد صورة أكثر دقة لحجمه؟ لدينا في هذا الصدد واقعتان، يمكنهما المساعدة على الإجابة على تلك التساؤلات.

فيما بين 7-18 نوفمبر 2016، انعقد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناح في مراكش، وهو لقاء سنوي للقادة والقوى النشطة في مجال المناخ. وكان اللقاء في الفترة ما بين انتخاب ترامب وتوليه السلطة.

إلى هذا المؤتمر أرسلت 300 شركة أمريكية، خطابا مفتوحا وجهته إلى ترامب وأوباما والكونجرس الأمريكي وقاده عالميون والأمم المتحدة. جاء في مطلعه: «نحن الموقعون أدناه، أعضاء جماعات الأعمال والاستثمار في الولايات المتحدة، نعيد تأكيدنا علي التزامنا العميق بالتعامل مع مسألة التغير المناخي، عبر العمل على تطبيق اتفاقية باريس». واستطرد: «نريد لوطننا أن يكون مكتفيًا ذاتيًا في مجال الطاقة، وأن يوفر لنفسه طاقة قليلة الكربون. ونرى أن الحلول الابتكارية قليلة التكلفة سوف تساعدنا على تحقيق هذا الهدف». ثم حذر: «الفشل في تحقيق ذلك يعرض رفاهية شعبنا للخطر».

وعلى هامش المؤتمر ظهرت تصريحات لبعض كبار مسؤولي الشركات الموقعة على الخطاب، توضح بعض أبعاد رؤيتها للمسألة. صرح مات باتسكي: «القطار غادر المحطة والسعي لإيقافه مجرد حماقة. ومع ذلك نرى أن الوقت الراهن هو الوقت الذي يتعين علينا فيه أن نذكر الإدارة القادمة، أن كل شركة من الشركات الخمسمائة الأكثر ثراء، وما يزيد عن مائة تريليون من الأصول المستثمرة، قد أقرت بالفعل بواقع وحقيقة التغير المناخي، وفي حاجة للمضي في التعامل معه». وصرحت لارا بركيس احد مسؤولي هيوليت باكارد: إن «اتفاق باريس خطوة مهمة للأمام، وقوته تنبع من عملنا المشترك، وعلى رجال الأعمال والقادة التنفيذيين ان يعملوا معا فورا، من اجل دفع الاقتصاد منخفض الكربون إلى الأمام».

ماذا عن الواقعة الثانية؟ فيما بين 6-10 مارس 2017 انعقدت في هيوستون بولاية تكساس الأمريكية، الدورة 36 لمؤتمر سيراويك السنوي للطاقة وسياساتها. وهومن اكبر خمس مؤتمرات في العالم لقادة الصناعة، ويحضره جمع من قادة صناعة الطاقة وصناعات أخرى وماليون وعاملون في تحديث التكنولوجيا ومسؤولون حكوميون.

ذهبت سامنثا جروس إلى المؤتمر لتنشر عنه تقريرًا في موقع مؤسسة بروكينجز في مارس الماضي، يوجز رؤية المجتمعين لقضية التغير المناخي ومشروع الانسحاب. رصدت جروس رساله المؤتمر الأساسية كما يلي: «صناعة الطاقة إلى حد كبير ليست في طريقها لتغيير مسارها، وما رايته ان قادة صناعة الطاقة هؤلاء أظهروا انهم على درب الاستثمارات منخفضة الكربون سائرون.» ثم شرعت تفصل تلك الرسالة الأساسية في عدة نقاط. أولها: «لا يزال العاملون في الطاقة مدركين، للتحدي الذي يشكله التغير المناخي والطاقة منخفضة الكربون. وبالتالي ليس من المتوقع حدوث تغير لسياساتهم المتبعة مع تغير الإدارة الأمريكية. ولكي ندرك حجم رسوخ هذا الاتجاه، علينا أن نتذكر أن هناك ولايات، تمثل معاقل سياسية جمهورية تقليدية، ونتوقع أن تكون معقلا للاتجاهات المنكرة للتغير المناخي، مثل أيوا وتكساس وأوكلاهوما، تمثل مجالا فسيحا لتطور الطاقة المتجددة، خاصة الرياح.» وثانيها: «إن مجال الطاقة المتجددة لا يزال يشكل فرصا جاذبة للاستثمارات. وشركات الطاقة تجد الآن في استثمارات الكربون المنخفض، عائدًا جيدًا مع اتجاه تكلفة التكنولوحيا للانخفاض، وكما قال فاتيه برول رئيس وكالة الطاقة الدولية: لم تعد الطاقة المتجددة الآن وقود لا يقدر عليه سوي الرجل الغني . وخلال ايام المؤتمر سمعت عن بلايين الدولارات المتجهة للاستثمار في مجال طاقة الرياح والشمس». وثالثها: «داخل المؤتمر رصدت شعور جارف بالقلق، تجاه فكرة تغير سياسات الطاقة على النحو الذي يريده ترامب، من واقع أن استثمارات الطاقة استثمارات طويلة الأمد، تحتاج لعقود وليس خمس او عشر سنوات، وبالتالي يحتاج روادها إلى الثقة في السياسات المتبعة. والاتجاه الراهن للاستثمار عبر الأجيال القادمة، يركز على الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة،ولا مجال لتوسع الطاقة الفحمية، كما يبشرنا ترامب».

عندما ننتقل إلى تحليل الاتجاه الثاني المؤيد للانسحاب، لن نجد تحت ايدينا مادة في وفرة وتنوع، مادة الاتجاه الأول. يمتلك هذا الاتجاه قاعدته القوية، وكان لهذه القاعدة عبر عملها الإعلامي والسياسي لسنوات طويلة، دورها في خلق القناعات العامة والمؤسسات البحثية وجماعات الضغط ، التي مهدت الطريق أمام قرار ترامب ودعمت إصراره عليه. لكن هذة القاعدة كما تشير الوقائع، ليست في قوه القاعدة المعارضة، ولا تمتلك حضورها الإعلامي والدولي، وتفتقد جاذبية خطابها وعلميته وقدرته على الحشد، وبالتبعية ليس لها حضورها المدني الواسع.

كذلك نجدها قاعدة تتجه صوب الانحسار التدريجي، مع انتقال عناصر قوية منها إلى القاعدة الأخرى، كما حدث في حالة شركة اكسون موبيل. ويبدو لنا هذا التفاوت واضحا في واقعة محددة، حدثت فيما بين عودة ترامب من باريس واعلانه القرار. فلقد تلقي مذكرتين من مجلس الشيوخ، الأولى من سيناتورات جمهوريين تحثه علي الانسحاب، والثانية من سيناتورات ديمقراطيين تحثه على البقاء. وكانت الأولى موقعه من 22 سيناتورا، والثانية موقعة من 40 سيناتورا.

ومن أبرز مؤيدي هذا الاتجاه غرفة التجارة الأمريكية. ويمكننا أن نجد أسماء بعض أبرز مؤسساته، في قائمة المتبرعين لمعهد المشروع التنافسي،وهو مؤسسة بحثية كبيرة ومن ابرز المدافعين عن فكرة أكذوبة التغير المناخي. شملت القائمة: موراي للطاقة اكبر شركات تعدين الفحم، ماراثون للنفط ، ديفون للطاقه وتحتل المرتبه 216 ضمن أكبر 500 شركة أمريكية، والتحالف الأمريكي من اجل فحم نظيف، وهو منظمة أهلية تمثل كبار منتجي الفحم الأمريكي، وصناع الوقود والبتروكيماويات الأمريكيون.