أفكار وآراء

الأقصى.. ومحاولات فرض وقائع جديدة

30 يوليو 2017
30 يوليو 2017

د . واصل القعيطي -

لم يكن يوم 21/‏‏8/‏‏1969م سهلاً على إسرائيل وعلى رئيسة الحكومة الصهيونية جولدا مائير، عندما قالت آنذاك مقولتها المشهورة: «لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجًا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده». فمنذ ذلك التاريخ والاستراتيجية الصهيونية تجاه القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية تسير على قدم وساق، وتنطلق من ركائز خطيرة جوهرها يقوم على السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب.

الخطوة التي أقدمت عليها إسرائيل بتركيب بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة على بعض أبواب المسجد الأقصى ليست الأولى في سلسلة الإجراءات التي اتخذها الاحتلال لمنع المصلين من أداء الصلاة في الحرم القدسي. كيف بدأت العملية .. ترى من الذي خطط لها ؟ وما الهدف من ذلك ؟ المستفيد بالتأكيد: الصهاينة أمام العالم..بداية الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس وإسرائيل تحاول فرض وقائع جديدة في المدينة المقدسة بهدف تغيير معالمها العربية والإسلامية محاولةً تهويدها وطمس هويتها، فقد عملت على تغيير أسماء الشوارع فيها وبعض المناطق التي تحمل أسماء عربية، والمقدسيون يتصدون بكل قوتهم لتلك المحاولات البائسة إلى أن وقعت العملية العسكرية الأخيرة التي نفذها ثلاثة فلسطينيين في باحات المسجد الأقصى والتي استغلها الاحتلال الإسرائيلي ذريعة لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى والأول من نوعه منذ بداية احتلال المدينة عام 1967 بهدف ما يسمى الحفاظ على أمن الإسرائيليين.

وبعد اشتباك الأقصى الأخير، بدأ الاحتلال الصهيوني توظيف العملية لاستكمال حلقات تهويد المدينة المقدسة، فبدأت إجراءات البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة داخل باحات الحرم القدس الشريف، وهذا يعيد للأذهان كيف وظفت إسرائيل عام 1994م عملية إرهابية قام بها المجرم المستوطن باروخ جولدشتاين ضد المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي، حيث قامت بعد العملية بتقسم الحرم الإبراهيمي مكانيًا وزمانيًا، وهو ما يدلل أن الاحتلال ليس بحاجة لذرائع لتنفيذ استراتيجيته التي تؤسس لأن تبقى القدس عاصمة موحدة للدولة اليهودية. والأخطر من ذلك مصادقة اللجنة الوزارية للتشريعات في الحكومة الإسرائيلية على مشروع قانون أساس «القدس الموحدة» الذي يمنع التنازل عن القدس الشرقية، وسيعرض القانون على الكنيست للقراءة الأولى والثانية والثالثة وفي حال تم ذلك فإن حل الدولتين لم يعد قائمًا، فالقانون سيقوض قدرة الحكومة ورئيسها من تقديم تنازلات في القدس الشرقية للفلسطينيين.إن ما يجري بالقدس هو مقدمة للانفجار الأكبر فلسطينيًا، والذي سيكون صادماً لكل الأطراف الإقليمية والدولية، ولهذا الانفجار أسبابه نلخصها فيما يلي:

1- الأسباب الدينية: تحتل القدس مكانة دينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وبذلك تكمن أهميتها السياسية، وعليه بدأ الكيان الصهيوني منذ احتلالها، بعملية تهويد منظمة تستهدف المدينة المقدسة، فبدأ بأعمال الحفريات تحت المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حتى بات البناء مهددًا بالسقوط في أي لحظة، وبدأت عمليات التدنيس والاقتحام للمستوطنين ولجنود الاحتلال مستمرة للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، حتى وصل الأمر لدخول جنود الاحتلال ببساطيرهم باحات المسجد القبلي والوصول إلى منبر صلاح الدين، هذا بالإضافة إلى منع المقدسيين من الصلاة داخل المسجد الأقصى وفرض إجراءات صارمة على الدخول والخروج.

2- - الأسباب السياسية: بدأ المواطن المقدسي يشعر بحجم المؤامرة التي تحاك ضد القدس من قبل المجتمع الدولي، لا سيما بعد وصول ترامب لسدة الحكم، وما يحمله من صفقة قرن –حسبما يتردد- تقوم على ربط بعض مناطق الضفة الغربية بكونفدرالية مع الأردن وقطاع غزة بمصر، وتبقى القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. يضاف لذلك حجم التقاعس الإقليمي في تعزيز صمود المقدسيين، بالإضافة إلى ما يشاع حول إمكانية تقديم السلطة الفلسطينية تنازلات حول القدس الشرقية في أي عملية تفاوض مع الاحتلال الصهيوني. 3- الأسباب الاقتصادية: يتعرض المقدسيون إلى حالة ترغيب كبيرة قد لا يصمد في وجهها سوى الأتقياء والأبرار والأبطال، فالجمعيات الاستيطانية تعرض ملايين الدولارات على المقدسيين لبيع عقاراتهم ومنازلهم، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على جنسيات دول أوروبية وأمريكية، ويرفض المقدسيون ذلك، ومازالوا متمسكين بأرضهم وعقيدتهم، ولكن الاحتلال لم يتركهم، فمنذ زمن ويفرض عليهم مزيدًا من الضرائب أهمها ضريبة الأرنونا، ويسحب الهويات، ويهدم المنازل، وبذلك الوضع الاقتصادي مأساوي بما تعنيه الكلمة.

3- الأسباب الديموغرافية والجغرافية: من أهم المرتكزات التي تقوم عليها السياسة الصهيونية تجاه القدس هي السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب.

ويتم تطبيق ذلك من خلال زيادة ملحوظة في وتيرة الاستيطان، وبناء الوحدات الاستيطانية، ومخططات عديدة تقوم بها بلدية القدس لطمس معالمها وتقطيع أوصالها، وصولاً إلى تهجير سكانها، والإعلان رسمياً أن القدس هي العاصمة الموحدة للدولة اليهودية التي تناقض نفسها عندما تدعي أمام العالم بأنها دولة ديمقراطية. فالإجراءات الأخيرة وغيرها التي تتخذها حكومة الائتلاف اليميني المتطرف لتفكيك مركبات المكان، وإعادة تركيبه وفق المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية،يتنافى مع ما جاء على لسان رئيس حكومة الاحتلال نتانياهو، الذي قال في أكثر من تصريح في فرنسا، وقبل الوصول لها في اتصال هاتفي مع الرئيس الرئيس الفلسطيني،«انه ليس مع تغيير طبيعة المكان، ولا يريد هكذا إجراء». لكن ما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يستقيم مع طبيعة الإجراءات والمخطط الإسرائيلي.

وبالتالي ما جاء على لسان المتهم بقضايا فساد عديدة لا يعكس حقيقة المخطط الإسرائيلي، إنما هو شكل من أشكال التضليل. وإن كان نتانياهو صادقًا، وهو ليس كذلك، لماذا لم يعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل العملية؟ ولماذا وضع البوابات الالكترونية؟ ومن المستهدف من البوابات؟ أليس الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني؟ وما هو الدور، الذي ستلعبه تلك البوابات؟ وأين استقلالية وقدسية المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ وأليس من يصدر التصريح تلو التصريح من قادة إسرائيل عن ضم المدينة المقدسة، عاصمة الشعب العربي الفلسطيني، ويدعي بأن الحائط الغربي من الحرم القدسي الشريف، هو مكان يعود لليهود، وأيضًا بأن مكان الهيكل الثالث يقع في نفس مكان المسجد الأقصى، رغم كل القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها كاليونسكو وغيرها الرافضة للمنطق الاستعماري الإسرائيلي، إنما يريد ويستهدف تدمير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ فأمام هكذا وضعية لا يختلف أحد على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة بمختلف أشكالها طالما أن هناك احتلال ينتهك حقوق هذا الشعب المحتل، ولكن لو نظرنا إلى أبعاد كل عمل نضالي وانعكاساته لاسيما أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل كل عملية مقاومة لتنفيذ مخططات معدة مسبقة لكان الأمر أفضل لا سيما أن في ذلك إفشال لتنفيذ هذا المخطط العدواني، فاختيار المكان والزمان لتنفيذ أي عملية نضالية له أهداف وانعكاسات ربما تكون أقل أثراً على المس بمقدساتنا الإسلامية. إن أي عمل نضالي ما لم يكن مدعم بغطاء سياسي لم يكن ناجحًا ومؤثرًا بقوة، ونحن اليوم نعيش حالة من التفكك العربي وعدم الالتفات لمقدساتنا الإسلامية وخاصة القدس الشريف، وكذلك نعايش حالة من التفكك الفلسطيني وعدم وجود رؤية استراتيجية فلسطينية تحمي النضال الفلسطيني وتحدد مساره في ضوء الإجراءات الإسرائيلية العدوانية التي تتبع كل عملية فلسطينية ، ما يحدث في القدس الشريف يحتاج في الدرجة الأولى وقفة فلسطينية وطنية مسؤولة بالتنسيق مع كافة الفصائل الفلسطينية والتحرك الدبلوماسي على مستوى العالم.