أفكار وآراء

الثروات الخاصة للعمانيين

29 يوليو 2017
29 يوليو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تصدر كل عام العديد من التقارير الاقتصادية والمالية عن السلطنة تتناول بعض الأوضاع التي يشهدها المجتمع العماني في جوانب التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية وغيرها من الجوانب الأخرى. بعض هذه المعلومات المستقاة صحيحة بينما الأخرى تحتاج إلى المراجعة وتعليق الجهات المعنية عليها. ويبدو أن هذا الكم الهائل من المعلومات تمر على المؤسسات المعنية والخبراء في الكثير من الأحيان دون أن يكون هناك أي نوع من التعليق عليها في وسائل الإعلام المحلية والرد على الجهات الخارجية التي تقوم بإعداد تلك المعلومات. وهذا أمر مهم في إطار الشفافية بحيث يكون الجميع على علم بذلك، خاصة وأن بعض تلك المعلومات، وخاصة إذا كانت مسيئة للبلاد يتم استغلالها من قبل بعض المتربصين ليقوموا بإعادة نشرها وبأسلوب مسيء، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومؤخرًا تناولت مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب «بي سي جي» تقريرا تتوقع فيه أن تبلغ الثروات الخاصة العُمانية حوالي 300 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2021، مشيرة إلى أن هذه الثروات من المتوقع أن تشهد معدلات نمو عالية خلال السنوات الخمس المقبلة بنسبة 6.1٪ وبمعدل نمو سنوي مركب متوقع، إضافة إلى توقعات بازدياد الثروة التي تملكها عائلات السلطنة فائقة الثراء بنسبة 10.4% في نفس الفترة. التقرير يشير أيضًا إلى أن معدل نمو الثروات الخاصة في سلطنة عُمان شهد زيادة ملحوظة خلال العام الماضي 2016 بنسبة 8%، مع ارتفاع حجم الثروات الخاصة في السلطنة. وقد تم نشر هذا التقرير للمجموعة تحت عنوان الثروة العالمية 2017: تحويل تجربة العملاء»، مشيرًا إلى أن نمو معدل الثروة الخاصة في عُمان كان مدفوعا بشكل رئيسي بعائدات الأسهم، حيث ارتفع حجم الثروات الخاصة المتداولة في الأسهم في عام 2016 بنسبة 11.7٪، مقارنة مع النقد والودائع بنسبة 6.1٪ والسندات بنسبة 2.1٪. واستنادًا إلى هذا التقرير، فمن المتوقع أن ينخفض النمو الإجمالي للثروة في عُمان بنسبة 6.1٪ على مدى السنوات الخمس المقبلة في قطاع الأسهم، وستكون الأسهم مرتفعة بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7٪ والنقد والودائع النقدية بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.6%.

الدراسة تتناول أيضًا واقع العديد من الدول بما تم لديها في الثروات الخاصة لها، حيث حددت هذه الدراسة السنوية الـ17 من قبل المجموعة تطور الثروات الخاصة في تلك الدول من المنظورين العالمي والإقليمي، إضافة إلى تناولها لتوجهات القطاع الرئيسية والتركيز بشكل خاص على كيفية تمكن اللاعبين الرئيسيين عبر قطاعات الأعمال من إيجاد تجارب جديدة ومبتكرة للزبائن من خلال الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الرقمية في مجال إدارة الثروات ونماذج التشغيل. ووفقا لمسؤولي هذه المجموعة فقد تركزت المبادرات الرقمية في هذا القطاع بشكل رئيسي على تزويد الزبائن بوظائف المحفظة الأساسية، وتمكينهم من القيام بعمليات التداول وإتمام عمليات الدفع بشكلها الصحيح، فيما يتطلب منهم اليوم العمل على تصميم وإيجاد تجارب زبائن جديدة ومتطورة ومبتكرة تجمع بسلاسة ما بين خدمات رقمية مميزة وإدارة مثلى للعلاقات مع قنوات خبراء لتغيير تجربة الزبون بشكل كامل.

ويؤكد هؤلاء المسؤولون أنه من أجل بناء نماذج أعمال ناجحة مع تكاليف منخفضة، فإن مديري الثروات الخاصة يحتاجون إلى زيادة استثماراتهم، مشيرين إلى أنه بالرغم من أن الشركات في عدد من القطاعات الأخرى قد اتخذت هذا النهج بالتحول إلى البيئة الرقمية المتطورة، إلا أن العديد من مديري الثروات لم يتخذوا بعد أي خطوة، وعلى هذا النحو فإن مسألة تقسيم الزبائن على أساس سلوكهم كثيرًا ما تم إهمالها. وقد توقفت طرق العمل التقليدية عن أن تكون فعالة في بيئة العمل المصرفي الخاصة الجديدة.

ويسلّط التقرير نظرة معمقة على واقع توزيع الثروات في عُمان، مشيرًا إلى أن الثروات الخاصة التي تملكها العائلات العُمانية فائقة الثراء (التي تملك ثروة تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار) نمت بشكل كبير بنسبة 14.6% في عام 2016. ومن المتوقع أن تشهد هذه الثروات التي تملكها تلك الشريحة انخفاضًا طفيفًا بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 10.4% بحلول عام 2021. كما يشير التقرير إلى أن الثروة الخاصة التي تملكها شريحة العائلات عالية الثراء (التي تملك ثروة تتراوح بين 20 و100 مليون دولار) شهدت معدل نمو قويا في عام 2016 بنسبة 14.5%. وخلال السنوات الخمس القادمة، سيشهد النمو المتوقع لثروات هذه الشريحة تباطؤًا طفيفًا ليصل معدل النمو السنوي المركب إلى 10.1% . أما الثروة الخاصة التي تملكها شريحة العائلات الأقل ثراءً في عُمان (التي تملك ثروة من 1 إلى 20 مليون دولار) شهدت انخفاضًا طفيفًا بنسبة 3.7% في عام 2016. ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو السنوي المركب للثروة الخاصة في هذه الشريحة نحو 2.4% على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومن حيث عدد العائلات المليونيرة في السلطنة والتي تملك ثروة بأكثر من مليون دولار في صافي الأصول القابلة للاستثمار) فقد ارتفع إجمالي عددها في عُمان بنسبة 5.6% في عام 2016. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 4.4 % بحلول عام 2021.

ولكن أين تذهب تلك الثروات التي يمكن الاستفادة منها في تعزيز مجالات التنمية الاقتصادية والتنمية في البشرية في السلطنة؟ التقرير يكشف بأن سويسرا ما زالت الوجهة الأكبر للثروات الخارجية الخاصة بأثرياء الشرق الأوسط وإفريقيا خلال العام الماضي 2016، باستحواذها على نسبة 31٪ من إجمالي تلك الثروات مع معدل نمو سنوي مركب متوقع 4.7٪ خلال السنوات الخمس المقبلة. تليها المملكة المتحدة /‏‏‏ جزر القنال بنسبة 23% بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5%، ثم دبي بنسبة 18% بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.5%.. وهذه الأموال إما تم جمعها من خلال الوسائل الشرعية المتاحة أو من خلال التلاعب والمحسوبية التي يتبعها البعض في الحصول على تلك الأموال والثروات الإقليمية. فمن المتوقع لهذه الثروات أن ترتفع بمعدل سنوي يصل إلى نحو 8% حتى عام 2021، حيث سيدخل خلال السنوات القادمة المزيد من اللاعبين المحليين بسوق إدارة الثروات بحيث تصبح مجمعات الإيرادات التقليدية أكثر تنافسية. فعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، من المتوقع أن تصل الثروة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا إلى 12 تريليون دولار، وستشكل مساهمة الإمارات والسلطنة وقطر والسعودية حوالي 21.1% من هذا الرقم. وأخيرًا فإن هذه الثروات التي يمتلكها البعض وتلك التي يتم إيداعها في أرقام خاصة في المؤسسات المصرفية العالمية التي تم ذكرها لها من التأثير المباشر على مجمل التنمية، خاصة وأن يؤكد التقرير أن هناك حاجةً كبيرةً للاستثمارات الاستراتيجية التي يمكن أن تضاف إلى صناديق إدارة الثروات في تلك الدول، وأنها شهدت انخفاضًا حاداً في هوامش الربح العليا خلال السنوات العشر الماضية، مع تراجع العائد على الأصول في مختلف المناطق والقطاعات حول العالم. هذه الحقائق من الصعب معرفتها ومتابعتها لأن الكثير من الثروات ضاعت دون أن يعرف أصحابها من الأولاد والأحفاد حقيقة ذلك، كما لا يمكن معرفتها إلا من خلال الاتصالات والمخاطبات الرسمية. فملايين بل مليارات من الدولارات للعائلات الخليجية ضاعت وذهبت هباء بسبب السرية التي تتبعها تلك المؤسسات المصرفية الأجنبية التي استفادت من ثروات المنطقة منذ عام 1973 عند بداية ارتفاع أسعار النفط العالمية وحتى اليوم.