صحافة

الاستقلال: المقدسيون الرقم الصعب في الزمن الأصعب

28 يوليو 2017
28 يوليو 2017

في زاوية أقلام وآراء كتب تيسير الغوطي مقالا بعنوان: المقدسيون الرقم الصعب في الزمن الأصعب، جاء فيه:

لا شك أن الزمن الذي تعيشه فلسطين هذه الأيام هو الأصعب في تاريخ قضيتها منذ نشأتها قبل قرن من الزمان، ففضلا عن التغول والتطرف الصهيوني المدعوم بالقوى الاستعمارية وأكثرها ظلما وفسادا واستكبارا في الأرض وفي مقدمتها أمريكا بزعامة المحافظين الجدد المنتمين للفكر المسيحي الصهيوني، الأكثر دعما للكيان الصهيوني من اليهود أنفسهم، هناك تخل عربي وإسلامي من قبل الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي نتيجة اهتمام هذه الأنظمة بمصالح زعمائها الشخصية الأمر الذي قادها إلى مزيد من الصراعات فيما بينها، وما ترتب على ذلك من انشغال هذه الأنظمة بنفسها وإهدار لمقدرات وثروات بلادها وشعوبها، والأخطر من ذلك تبدل وتغير قائمة الأعداء والأصدقاء بحيث انتقل الكيان الصهيوني من رأس قائمة أعداء الأمة إلى أحد أصدقاء هذه الأنظمة بل وأهم حلفائها في معاركها الوهمية المصطنعة، وأضحت مقاومة هذا الكيان والتصدي لجرائمه في نظر هذه الأنظمة إرهاباً وجريمة يستحق ممارسها الملاحقة والقتل والاعتقال، بعدما كانت بطولة وشرفاً وجواز سفر لرضا الرحمن والفوز بالجنة.

هذا التراجع والتخلي العربي الرسمي عن التصدي للكيان الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني ومقاوميه وتجريم جهادهم وكفاحهم، بالإضافة إلى الدعم الغربي اللا محدود خصوصا الأمريكي، سمح للكيان الصهيوني بممارسة وارتكاب كل الجرائم اللا انسانية بحق فلسطين الجغرافيا والتاريخ والإنسان والمقدسات، بدءا بسرقة واغتصاب الأرض الفلسطينية تحت عنوان الاستيطان، مرورا بالقتل والاغتيال والاعتقال للإنسان الفلسطيني، وتدمير البيوت والممتلكات، وتهويد المقدسات وتزوير التاريخ، وليس انتهاءً بتجريم الضحية (الفلسطيني) لإجباره على التنازل عن حقوقه وثوابته ومقدساته والاعتراف بها حقا خالصا للصهاينة.

هذه الأجواء الصعبة في تاريخ القضية الفلسطينية شجعت الكيان الصهيوني أيضا للإقدام على ممارسة جرائمه الأخيرة بحق المسجد الأقصى المبارك، فمن الاقتحامات المتكررة لباحاته والتفتيش الانتقامي لأماكنه وزواياه، إلى تكسير الأبواب والبوابات داخل حرم المسجد إلى التفتيش المهين للمصلين وفرض قيود عمرية على الوافدين إليه بعد منع أهل الضفة الغربية لخفض عدد المصلين فيه ما أمكن، وصولا إلى إغلاقه ومنع الصلاة فيه ورفع الأذان للمرة الأولى منذ احتلاله عام 1967، ثم وضع البوابات الإلكترونية على مداخله لإرهاب القادمين إليه بالتفتيش المذل والمهين.

في ظل هذه الأجواء المظلمة والمرعبة والحديث عن صفقة القرن برعاية أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وتوزيع فلسطين الجغرافيا والتاريخ والإنسان غنائم بين المجرمين بحقها، يخرج المقدسيون كما العنقاء من تحت ركام الإجراءات القمعية الصهيونية وركام التخاذل العربي والفلسطيني الرسمي، ليعيدوا توجيه البوصلة نحو القدس والأقصى بعدما انحرفت عنهما بسبب من مصالح وشهوات الأنظمة الحاكمة وزعاماتها الرسمية، يتقدمون بالاحتجاجات والمسيرات رفضا للإجراءات الصهيونية بحق الأقصى والمقدسات، يتقدمون بالصلاة في الشوارع وفي العراء وخارج بوابات وأسوار الأقصى ليؤكدوا حقهم في مقدساتهم، يتقدمون بعملياتهم الجهادية النوعية ومن خلفهم أبناء فلسطين كل فلسطين ليؤكدوا استعدادهم للدفاع عن الأقصى والمقدسات بالغالي والرخيص، يتقدمون بوعيهم الديني والتاريخي لتأدية واجبهم نحو أقصاهم ومقدساتهم بغض النظر عن الآخرين عربا كانوا أو فلسطينيين رسميين ممن آثروا الركون إلى الجنب الصهيوأمريكي طمعا في السلامة وتحقيق المصالح، يتقدم المقدسيون ويؤكدون:-

أنهم ومن خلفهم الشعوب العربية والإسلامية متقدمون في الفهم والوعي بطبيعة هذا الكيان الصهيوني وأهدافه.

أنهم فقدوا الثقة في القيادات والزعامات الحاكمة في أن تعيد لهم حقا مسلوبا أو تحفظ لهم كرامة مهانة، فتركوا السير وراءها وتقدموا بوعيهم وأجسادهم لأخذ حقهم والدفاع عن أرضهم ومقدساتهم.

إن المسجد الأقصى والمقدسات خط أحمر دونه كل ما يملكون من مال ووقت وأنفس، فهو لا يمثل فقط معلما ومقدسا دينيا فقط، بل ورمزا وطنيا ووجوديا أيضا، لذا يهب للدفاع عنه كل المقدسيين مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا. إن الكيان الصهيوني هو العدو الأول لفلسطين والفلسطينيين والمقدسات، وأنه سيبقى كذلك، ولن يتخلى عن جرائمه وإجرامه بحق الأرض والإنسان والتاريخ عن طيب خاطر ولأجل عيون الذين يهرولون خلفه مهما كانت الأسباب والدواعي لذلك.

إن الرد الحقيقي على جرائم الكيان الصهيوني بحق الأقصى والمقدسات ومن قبل ذلك بحق فلسطين الجغرافيا والتاريخ والإنسان هو فقط بالمقاومة والجهاد، أقصر الطرق للعزة والكرامة، خاصة بعد فشل المفاوضات العبثية معه من قبل الرسميين والتي امتدت على أكثر من عقدين من الزمان. أمام هذه الأعمال المفخرة للمقدسين الأبطال، فإن على الجميع خاصة الفلسطينيين على اختلاف مواقعهم وأماكنهم أن يقدموا كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للمقدسيين كي يستمروا في جهادهم ومقاومتهم وتصديهم لبطش الكيان الصهيوني وجرائمه، وفي نفس الوقت مشاركتهم في هذا الجهاد والمقاومة كل حسب موقعه وقدراته، وهنا لا يمكننا إلا أن نذكر بكل الفخر والاعتزاز البطل عمر العبد منفذ عملية حلميش، الذي حركته أحداث الأقصى لينتفض منتصرا له، مطالبين الجميع الاقتداء به والسير على إثره المبارك.