أعمدة

نوافـذ :من الجهات الـ «6»

28 يوليو 2017
28 يوليو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

نتعارف فيما بيننا على أن هناك جهات أربع، وهي الجهات التي تحدد الكرة الأرضية، وتنبني عليها خطوط الطول وخطوط العرض، حيث الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وعلى هذا الفهم تبنى بقية المفاهيم والمعارف المرتبطة بهذه الصورة من جهاتها الأربع، ولكن يبدو أن المعرفة تتوسع أكثر في هذا الجانب، ولا تقتصر على رباعيتها هذه في تحديد جهات الكرة الأرضية، وإنما تذهب بعيدا الى الجهات المحيطة بهذا الإنسان، فتأخذ بعدا آخر في الفهم وهو البعد التعبدي المطلق، فقوله تعالى في سورة الأعراف: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين).

تتبعت بعض التفاسير حول هذه الآية الكريمة، والتي أجمعت على أن الله تعالى لم يذكر جهتي الأعلى (فوق) والأسفل (تحت) وذلك أن «تحت» تعني العبودية لله -عز وجل- و«فوق» يعني الاتصال بالله -عز وجل- فإذا كنت متصلا فليس بإمكانه أن يغويك، ولا إذا كنت معترفا بعبوديتك لله بإمكانه أن يغويك “هكذا أجمع المفسرون، كما قرأت.

بينما تتسع مساحة الاشتغال والعمل من الجهات الأربع لدى الإنسان: من اليمين والشمال، ومن الخلف والأمام، حيث يتم توظيف كل النوازع الذاتية، وكل الطموحات الشخصية، وكل الممارسات صحيحها وخطؤها، تساميها ودنوها، صحتها واعتلالها، ومن خلال هذه الجهات الأربع يجد الشيطان مداخله فيذهب إلى غواية الإنسان وإيراده موارد الهلاك والدمار، وهي بلا شك جهات تستوعب كل ما يدور من ذهن الإنسان من أفكار وقضايا.

ما يهم هنا هو ضرورة حضور مجمل هذه الجهات الـ(6) لدى الإنسان وحصوله على القيمة المعرفية لأي منها، فالمسألة ليس حياة نعيشها، أو نفسا نتنفسه فقط، وإنما المسألة مرتبطة بمعركة حامية الوطيس يعيشها كل منا مع عدو تعهد أمام الله سبحانه وتعالى أن يرابط على غواية الإنسان، ولا يترك له حرية الاختيار في تصرفاته، ولا حرية تقرير المصير فيما يريد فعله من عدمه، وهذه مسألة جد مهمة، خاصة إذا استحضرنا مسألة العمر في توظيف ما نود القيام به، وفي جعل العمر مقياسا لأعمالنا التي نسعى لأن تكون خيرة في حياتنا الدنيا، والدنيا كما هي معروفة ليس دار قرار.

والإنسان بطبيعته الفطرية مخلوق ضعيف جدا، فأفعاله مرتبكة إلى حد كبير، لضعف إدراكه بالأشياء، ولقصر معرفته بها، مهما بلغ من العلم مبلغه، ومهما تيسرت له سبل المعرفة ومداها، ذلك لأن السعة الاستيعابية لديه تبقى محدودة، فوق أنه خائف من حجم الضرر المتوقع من ممارساته المختلفة، ولذلك عد من لا يخاف بأنه متهور وليس شجاعا، كما يعتقد البعض، والحكمة دائما تنتصر الى التروي والى التوازن، والى التمعن، والى التبصر، ومن يكون في غير هذه الصور؛ وهي الأقرب الى السلم، يحتاج حقا الى كثير من المراجعة لنفسه، لأن النفس كما وصفت (أمارة بالسوء).

ولعلنا في هذا الموقف نستلهم من معنى «الحصانة الدبلوماسية» شيئا لنسقطه على «الحصانة النفسية»، فنحن أحوج إليها في ظل عدو متربص يحيطنا من الجهات الأربع، والحمد لله أنه لن يجرؤ على المرور من الجهتين الأخريين، وإلا احترق كما أشارت بعض التفاسير الى ذلك، والحصانة النفسية ليست يسيرة بالصورة التي نتخيلها، فهي تحتاج الى كثير من المجاهدة مع النفس، والى كثير مقاومتها، في ظل حياة تتسع فيها الصورة الاحتفالية لجميع ممارساتنا اليومية، ومن يستطيع أن يسل نفسه من كل هذه التجاذبات، يقينا فقد كسب الرهان، ويستحق التهنئة والتبريك، أو المباركة.