1063744
1063744
إشراقات

الخليلي: الشعور الناشئ عن العقيدة يقتضي أن يعطي الإنسان الوطن حقه

27 يوليو 2017
27 يوليو 2017

لا يعرف قيمة الأوطان إلا من شكر الله وارتبط بطاعته وحسن عبادته -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى مراعاة حق الأرض التي استقر فيها الإنسان وتَظللَ بسمائها واستقر في فراشها، وأكل من خيراتها وانتفع بها، وأنه لا يعرف قيمة الأوطان إلا من شكر الله على النعم ومن ارتبط بطاعة الله وبحسن عبادته... مؤكدا سماحته أن الحفاظ على نعمة الأمن والاستقرار للوطن واجب شرعي حث عليه الدين الإسلامي الحنيف.

وأشار إلى أنه لا توجد في التاريخ البشري حراسة أمينة للأوطان كالعقيدة الراسخة في النفوس، حيث يشعر كل واحد أنه حارس أمين على ثغرة من ثغور هذا الوطن، لأن العقيدة تزود الإنسان بالطاقة الإيمانية فتجعله يراقب الله تعالى فلا يلتفت إلى مصلحة شخصية وإنما يفكر في طاعة الله والقيام بالحق، ويفكر في المعاد الذي ينقلب إليه يوم القيامة، فلذلك يعطي الأوطان حقها من المحافظة عليها وعدم التفريط فيها ويسعى دائما إلى رأب الصدع وجمع الشمل وتوحيد الصف. وأوضح أن هناك شعورا ناشئا عن العقيدة يقتضي أن يعطي الإنسان الوطن حقه بقدر ما يستحق ويراعي طاعة الله والقيام بأمره. جاء ذلك في أحد لقاءاته ببرنامج سؤال أهل الذكر من تلفزيون سلطنة عمان بعنوان «حب الوطن».. هنا نقرأ المزيد:

كيف يوظف الإنسان طاقاته العلمية والفكرية في خدمة وطنه؟ ولا يكتفي فقط بالحقوق وهو لا يقدم شيئا؟ وكيف يستغل الإنسان حبه وولاءه لوطنه في تقديم المزيد من العطاء بحيث يكون هو نفسه مصدرا لاعتزاز هذا الوطن بأبنائه وافتخار الوطن أيضا بإنتاجات أبنائه وعطاءاتهم..

ليست القضية قضية مطالبة بالحقوق، إنما القضية قضية تقديم تضحيات، نعم يطالب لا لنفسه فحسب، وإنما له ولغيره، ولمجتمعه ولأمته، ولوطنه جميعا، مع كونه مثالا وأسوة في تقديم هذه الحقوق من قبل نفسه، بحيث يعطي أضعاف ما يأخذ، فعلى الإنسان أن يحرص على العطاء اكثر من الحرص على الأخذ، وان يحرص على أن يقدم الخير من حيث توعية أبناء وطنه وتفهيمهم بل حتى من الناحية المادية، فكل ما يقدمه الإنسان من خير لوطنه مما يحسب في سجل أعماله، إن بنى مدرسة، إن أقام مستشفى أو مستوصفا أو مكتبة أو وقف وقفا من أجل مصلحة من المصالح من أجل الفقراء، أو بنى مسجدا لله سبحانه وتعالى من أجل إقامة الصلوات، أو وقف كتبا أو نحو ذلك، أو أي شيء يعود على الوطن وعلى الأمة بالخير.

هل حب الإنسان لوطنه غريزة فطرية أم هو واجب إيماني يجعل هذا الحب جزءا من الإيمان؟

إن موطن الإنسان هو موضع استقراره وطمأنينته، والموضع الذي يختار فيه ما تطمئن إليه نفسه من الخير ويجد فيه وفي كنفه راحة النفس واستقرار البال، وكثيرا ما يكون ذلك مربوطا أو مشدودا إلى ذكريات الصبا، ذكريات الشباب التي تدغدغ الأحلام وتستثير من كوامن النفس أحاسيسها وعاطفتها ولذلك يحنّ الإنسان إلى الأوطان حنينه إلى ماضيه فإن من دأب الإنسان أن يكون شديد الحنين إلى الماضي، وهذا مألوف من طبع البشر، والأوطان فيها الذكريات التي تتعمق في النفس والتي تسوق هذه النفس إلى ما تسوقها إليه.

وأوضح سماحته: ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان مشدودا إلى وطنه الأصلي.. إلى وطنه الأم إلى مكة المكرمة وعندما كان يودعها مهاجرا في سبيل الله ولاجئا إلى الله سبحانه وتعالى ألقى النظرة التي ألقاها إليها، وقال: (يعلم الله أنك أحب بلاده إليّ، وأنت أحب بلاد الله إلى الله ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت). فمعنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان مشدودا إلى هذا الموطن.

وأضاف: لا ريب أن في ذلك عاطفة إنسانية وفي ذلك قيمة إيمانية، أما العاطفة الإنسانية فلما ذكرته لأن الإنسان مشدود بطبعه إلى ماضيه وأما القيمة الإيمانية فإن الوطن إنما هي جزء من أرض الله سبحانه وتعالى التي أسبغ الله سبحانه وتعالى على عبده المواطن فيها نعمته، وفجر له فيها ينابيع الخير وظلله بما ظلله به من فضله وإحسانه وبره، فلذلك كان من الإيمان أن يراعي قيمة ذلك المكان الذي وجد فيه نعمة الله سبحانه وتعالى.. المكان الذي استنشق أول ما استنشق من هوائه واكتحل أول ما اكتحل بضيائه وارتوى أول ما ارتوى بمائه.

وأشار سماحته إلى أن من طبيعة الإنسان أن يكون مشدودا إلى هذه الأرض التي له فيها هذه الذكريات، ومن قيامه بحق الله سبحانه وتعالى شكره لهذه النعمة، نعمة استقراره في هذا المكان. والقرآن الكريم يدلنا على ذلك عندما يأمر العباد بعبادة الله سبحانه وتعالى يذكرهم نعمة الله تعالى عليهم لما خلق لهم من مناخ واستقرار في هذه الأرض (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى مراعاة حق هذه الأوطان الأرض التي استقر فيها الإنسان وتظلل بسمائها واستقر في فراشها، ثم مع ذلك نزل عليه ما نزل من الماء ونبت ما نبت فيها من الزرع، لا ريب أن هذه الأرض أكل من خيراتها وانتفع بها فجدير به أن يكون شاكرا لنعمة الله سبحانه وتعالى ولذلك لا يشكر الأوطان ولا يعرف قيمة الأوطان إلا من شكر الله على النعم ومن ارتبط بطاعة الله وبحسن عبادته.

في القرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرن بين الإخراج من الوطن، والأمر بالقتل، وان ذلك من الصعوبة بمكان على نفسه في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ..) ماذا يعني هذا بالنسبة للوطن؟ وما هي الآيات القرآنية التي تبيّن حب الوطن بالنسبة للإنسان؟

من المعلوم ان الإنسان دائما يحب المكان الذي يجد فيه راحة باله وطمأنينة نفسه ويستقر فيه وترتبط به مشاعره، ويرتبط فيه أيضا بأسلافه، بحيث يكون له تاريخ في ذلك المكان.. وهذا من طبيعة النفس البشرية أن تكون دائما تحن الى هذا الجانب، ونجد أن الله سبحانه وتعالى قرن بين عقوبات شتى تكون للناس ومن بين هذه العقوبات الإخراج من الأوطان، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ..) فقرن سبحانه وتعالى النفي بهذه العقوبات الرادعة الشديدة بالقتل والصلب وقطع الأيدي والأرجل لما في هذا النفي والإخراج من الديار من وحشة شديدة في النفس فلذلك النفس دائما تحس بوقع ذلك عليها وتحس باضطراب عندما تواجه بمثل هذه العقوبة فلذلك جعل الله سبحانه وتعالى هذه إحدى العقوبات للذين يفسدون في الأرض ويحاربون الله ورسوله فيها.

هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة لكنه ألقى نظرة وداع الى مكة مبينا انه لولا أن أهلها أخرجوه ما خرج منها.. هل كان ذلك لما تتمتع به مكة من قداسة إيمانية أم هي الوطن وحبه المتأصل في النفس؟

من المعلوم أن مكة المكرمة مكان مقدس، فيه بيت الله تعالى الحرام، وفيه ذكريات عظيمة تحن إليها النفس، فيها ذكريات إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في هذا المكان الطيب ذكريات النبيين، ذكريات الصالحين، فيها هذا البيت الذي جعله الله سبحانه وتعالى مهوى أفئدة المؤمنين.. (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فهذا بطبيعة الحال له أثره الكبير على نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك كان بجانب كون هذه البقعة مسقط رأسه ومرتع طفولته ومسرح خيالاته، وبجانب كونها كذلك هي بقعة مقدسة اجتمع له كل ذلك، فكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يهاجر منها يحس بألم الفرق والرغبة في العودة إليها، وقد نزل القرآن الكريم مبشرا له بالعودة الى هذا المكان الذي خرج منه، عندما أنزل الله تبارك وتعالى عليه في مكان هجرته.. (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ).

لكنه صلى الله عليه وسلم بعد الفتح لم يستقر في مكة وإنما عاد إلى المدينة؟

نعم.. لأن القضية ليست هي قضية عواطف، وقضية شعور وإحساس فحسب إنما القضية قضية عقيدة، قضية ولاء لله تعالى، وولاء لدينه سبحانه، وحب في التضحية من أجل هذا الدين، فالله سبحانه وتعالى بيّن كيف كانت تضحيات المهاجرين.. فالحق سبحانه وتعالى يقول: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فهؤلاء بطبيعة الحال ضحوا بما كان عندهم من السكنى والمال حتى بالأهل وضحوا بكل غال وثمين من أجل دين الله، والنبي صلى الله عليه وسلم على رأس هؤلاء المضحين، وقد ارتبط بعهود مع الأنصار رضي الله تعالى عنهم فليس من السديد وليس من المروءة أن يترك هؤلاء الذين ارتبط بهم وبعهودهم، ولذلك قال لهم: «المحيا محياكم، والممات مماتكم» أي ما بينهم يحيا وفيما بينهم يموت.

يدور استقرار الأمم والشعوب بجانب تحقيقها لمبادئ العدالة الأخلاق السامية والمحافظة على المكتسبات على طاعة ولي الأمر.. ما هي الأدلة المؤصّلة لطاعة ولي الأمر؟ وما هي صورتها؟

نعم.. الإسلام يدعو إلى النظام ويأبى الفوضى ويدعو الى الاستقرار ويأبى الاضطراب.. الإسلام دين ودولة.. الإسلام جامع وجامعة، الإسلام شريعة وعبادة، فإذن من هذه الناحية لابد من أن ينتظر أمر المسلمين على من يجمع شتاتهم ويوحّد كلمتهم ويؤلف ما بين قلوبهم، ويسعى في مصالحهم، وينصف بينهم، ولو لم تكن لهذا طاعة لما كان هنالك انتظام لأمر العباد، ذلك لأن حياة البشر حياة تداخل، وحياة التداخل تقتضي التجاذب والتدافع، قد يريد كل واحد المصلحة لنفسه، ويريد أن يجذبها من الآخر، ويريد أن يدفع المضرة عن نفسه، ولو كان ذلك على حساب الآخر، وهذا مما يؤدي بطبيعة الحال الى أن تختلف وجهات نظر الناس، ويختلف سلوكهم، فلذلك كان لابد من أن يجتمعوا على من ينصفهم، والله سبحانه وتعالى فرض طاعته أولا ثم طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ثانيا، ثم طاعة أولياء الأمور ثالثا.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ثم عندما يقع الاختلاف ويقع النزاع الى ماذا يحتكم؟ بين أن الاحتكام إنما يكون إليه، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والاحتكام الى الله إنما هو الاحتكام الى كتابه، والاحتكام الى الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو الاحتكام إلى سنته عليه افضل الصلاة والسلام، فالله سبحانه وتعالى اتبع ذلك قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) فالإسلام بطبيعة الحال يأبى الفوضى ويأبى الاضطراب فولي الأمر هو قائد المسلمين له الطاعة من حيث انه معقل ارتباطهم ومناط شؤون حياتهم فلابد من أن يمحضوه الطاعة، هذا بجانب الاحتكام الى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مع أي خلاف يحصل.

بالنسبة للأحاديث الواردة في فضل أهل عمان، ماذا يعني ذلك بالنسبة لأهل عمان؟ وكيف يستغلون هذه البشارات؟

هناك روايات عدة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في أهل عمان، ومن الروايات التي هي قوية السند حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا إلى قوم، فسبوه وضربوه، فلما عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال له عليه افضل الصلاة والسلام: «لو أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك».. هذا الحديث الشريف إنما يدل على تحلي أهل عمان بالأخلاق، وحرصهم على الإنصاف، وعدم عدوانهم على من أتاهم، ولا ريب أن هذا مما يجب أن يوظف في تربية الناشئة الآن بحيث تعود هذه الناشئة على احترام الناس، وتقديرهم وتوقيرهم، وعلى عدم الإساءة الى أي أحد، والى معاملة الناس بالخلق المرضي، وإلى قبول الحق وإنصاف الحق، واتباع الحق، فان الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على أهل عمان لأنهم لو أتاهم رسوله لما سبوه وما ضربوه كما فعل الآخرون الذين سبوا رسوله وضربوه.

وأضاف: ونحن نجد في مسند الإمام أحمد حديثا آخر.. «إني لأعرف أرضا ينضح بجانبها البحر تسمى عمان، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر».. فالرسول صلى الله عليه وسلم عرف هذا الخلق العالي في أهل عمان وانهم يقابلون الآتي إليهم بالإحسان والبر وبالمرحمة فلذلك يجب أن يغذى كل الناشئة على هذا وان يعوّد على هذا الأمر وان يصبح هذا شعار الناس جميعا في هذا الوطن.