1064887
1064887
إشراقات

فارجعوا هو أزكى لكم

27 يوليو 2017
27 يوليو 2017

«بني» .. رسائل تربوية للأبناء.. «1» -

نادية بنت سعيد الخوالدية -

بني .. حين علم الله أن لا غنى لنا عن البشر ممن حولنا، شرع لنا سبحانه وتعالى شرائع تنظم حياتنا وتعاملاتنا معهم، ممن هم داخل عشنا الذهبي، أو ممن هم خارج العش.. وبهذه اللفتات الإيمانية والشرعية في التنظيم يتراءى لك جمال هذا الدين وروعته الذي يأخذ بلب أولي الألباب ممن يتدبره ويتبع آياته.

إنك يا بني حين تقرأ قول الله تعالى «فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم» فإنك ستنظر إلى الآية من منظورين أحداهما موقف الذي يقف على عتبة الباب من الخارج، والآخر موقف الذي يقف على عتبة الباب من الداخل وكلاهما يربيهم القرآن على الذوق الرفيع في فهم هذه الصورة من صور الحياة اليومية.

أما الذي في الخارج فقد كثرت المؤلفات والشروح والتفاسير حول شرح معناه وطريقة الاستئذان، فقد شرع الله لنا يا بني أن نطرق الباب ثلاث مرات فإن لم نجد الجواب رجعنا (حتى لو علمنا أن أحداً ما في الدار)، وحين يأمرنا بالرجوع يأمرنا في مواضع أخرى (بصورة عامة) بحسن الظن وصفاء النفوس، فعدم فتح الباب لنا ليس بالضرورة أن يعني عدم قبولنا نحن كأشخاص ولكن لأن الوقت لا يناسب صاحب الدار فمعه من أشغاله ومواعيده ما يمنع استقبال ضيف في ذلك الوقت..

بني العزيز .. وإن كان هذا الحال مع البيوت والأبواب الحقيقية فكيف بالأبواب في عالم الافتراض! عالم وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات ورسائل الهاتف النقال، فهي من باب أولى إن لم نجد الجواب أو الرد نقول لدواخلنا وبكل طيب نفس «فارجعوا هو أزكى لكم».

تحكي إحداهن أنها كانت تستخدم هاتفها لشغل ما وتكررت الاتصالات في برنامج (الواتس أب) تباعاً بصورة مزعجة أوقفت عملها الذي كانت تقوم به، حتى اضطرت إلى غلق الجهاز .. وهكذا دواليك في كل مرة.. وقد كانت صاحبة الاتصالات امرأة تسأل عن شيء من أمر دينها مما يمكن أن تسأل عنه أي شخصية أخرى إن كان مستعجلا إلى هذا الحد.. فيحسب أو تحسب مثل هذه الشخصيات أن ذاك الشخص وقف خاص لرسائلهم أو اتصالاتهم ! ..

ألا يذكرك هذا يا بني بحال الأعراب الذين كانوا ينادون النبي من وراء الحجرات فأزعجوه بندائهم وهو في بيته مع أهله! .. بحجة أنهم جاؤوا لتعلم دينهم !.. أليست هي الصورة نفسها تتكرر ولكنهما بلغة عصرنا التقني .. أما الواقف على عتبة الباب من الداخل فهناك إشارة خفية أن ليس بالضرورة حين يكون لديك موعد أسري أو موعد مع ذاتك أن تجيب كل طارق يطرق الباب! حتى لو علم الطارق بوجودك!..

أي بني.. إنك لو تأملت أخلاق ديننا وشريعتنا الخالدة لوجدت أنها جاءت متممة لمكارم الأخلاق محترمة الأعراف والتقاليد ما لم تتعارض مع مقصد من مقاصدها أو تعطل حكما من أحكامها.. فربما بالغ الناس في تقديم صوت المجتمع في بعض المواقف على حساب حق الأهل ومواعيد الإنسان الخاصة به وبأهل بيته.. فجاءت التعاليم السماوية لتعلم الإنسان المتتبع لها التوازن والحكمة في مثل هذه المواقف وتقدريها ..

بني .. إن الرجل الذي (اعتادت) زوجته أن تنتظره الساعات الطويلة بعد كل موعد أسري ينوي به في البيت أو خارجه.. رجل لن يجد أطيار السعادة في غالب الأحيان ترفرف حول عشه وذريته لأنه غالى في تقديم النداءات المجتمعة ممن حوله على حساب أسرته ونفسه، وكذلك الحال مع الزوجة التي اهتمت بالخارج على حساب الداخل، وقس على ذلك مواعيد الإنسان مع ربه.. ولدي النجيب.. إن نظم شرع الله وتفاصيلها كالعقد المنظوم المتكامل إذا قطعت جزءاً لم تكتمل صورة العقد وجماله بأي حال من الأحوال فخذ هذا الدين كافة ولا تبعضه، فتأخذ ما تشاء وتذر ما تشاء ثم تتمنى على الله الأماني في سعادة الدنيا والآخرة.