أفكار وآراء

ترامب في 6 أشهر..نجاحات وتحديات

26 يوليو 2017
26 يوليو 2017

عبد العزيز محمود -

طبقا للدستور الأمريكي فإن عزل الرئيس في تهم مثل عرقلة العدالة وإجراء اتصالات سرية مع جهات أجنبية وإجراء ترتيبات مالية مشكوك فيها، يستوجب محاكمته أمام مجلس الشيوخ.  

بعد 6 أشهر من دخوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، ما الذي حققه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما الذي لم يتمكن من تحقيقه، وما هي الدلالات التي يمكن استخلاصها من مجمل سياساته الداخلية والخارجية؟

والسؤال الأهم كيف يبدو مستقبله السياسي في ظل التحديات التي يواجهها والتحقيقات حول علاقات محتملة بين أفراد من إدارته و روسيا؟

وطبقا لاستطلاعات الرأي فإن شعبية ترامب الآن في أدنى مستوياتها، حيث حصل علي نسبة تأييد تتراوح ما بين ٣٦٪ إلى ٤٠٪، وترتفع إلى ٥٢٪ في الولايات التي أعطته أصواتها في الانتخابات، مما دفع معهد جالوب للقول بإنه لو خاض أي انتخابات حاليا فسوف يخسرها.

وبدا واضحا أن الأشهر الستة الأولى من حكمه لم تكن سهلة، في ظل المعارك التي خاضها في مواجهة معارضيه السياسيين ووسائل الإعلام، والحملات التي تتهمه بعدم تنفيذ التعهدات التي قطعها خلال حملته الانتخابية، وتشمل تقييد الهجرة وبناء جدار علي الحدود مع المكسيك، وإلغاء قانون الرعاية الصحية (أوباما كير)، ومعالجة الخلل في الميزان التجاري مع الصين، وتحديث البنية التحتية والإصلاح الضريبي.

صحيح أن ترامب اعتمد منذ توليه الحكم عشرات الإجراءات التنفيذية والإعلانات الرئاسية، لكن قراره بتقييد دخول مواطني سبعة بلدان ذات أغلبية مسلمة، إلى الأراضي الأمريكية بشكل مؤقت، واجه تحديات قانونية باعتباره تمييزا على أساس الجنسية، وصدرت أحكام قضائية بوقف تنفيذه، واضطرت الإدارة لتنفيذ جانب منه بقرار من المحكمة العليا.

كذلك لم يتمكن ترامب -حتى الآن على الأقل- من استبدال نظام (أوباما كير) للرعاية الصحية بنظام أكثر توافقا مع احتياجات السوق، ولم يحصل التشريع الذي تقدم به إلى مجلس الشيوخ على التأييد الكافي رغم طرحه للتصويت مرتين، وهذا ما دفعه لإعادة طرحه للتصويت مجددا، بهدف إلغاء (أوباما كير) دون تقديم بديل محدد، لكن التشريع الجديد يرفضه ثلث الجمهوريين في مجلس الشيوخ.

وفيما يتعلق بالأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب ببناء جدار حدودي مع المكسيك، لم تتمكن الإدارة الأمريكية من تمويله عبر رفع التعريفة الجمركية على الواردات المكسيكية، وفرض ضرائب على الأسر الأمريكية والشركات الصغيرة، مما تسبب في توقف المشروع مؤقتا، حتى وافقت لجنة الاعتمادات بالكونجرس مؤخرا على أن تخصص له ١.٣ مليار دولار، لكن إقرار ذلك بشكل نهائي يتطلب موافقة لاحقة من مجلس الشيوخ.

ورغم أن ترامب وقع خلال الأشهر الستة الأولى من حكمه على ٤٢ مشروع قانون كان أبرزها قانون المساءلة، وحماية المبلغين عن المخالفات، وتخفيض الضرائب على الشركات، لكنه لم يتقدم حتى الآن بأي تشريعات تتعلق بالبنية التحتية والإصلاح الضريبي، بسبب انتهاء شهر العسل بينه وبين الكونجرس.

وحتى على الصعيد الخارجي تبنى ترامب شعار (أمريكا أولا)، مما أدى إلى شعور حلفاء الولايات المتحدة بأنها تتجه لمزيد من الانسحاب والعزلة، وأعطى تركيز الرئيس الأمريكي على دعم قدرات الجيش انطباعا بأنه سوف يستخدم أو يهدد باستخدام القوة العسكرية بشكل اكبر على الساحة الدولية، كما سيضع مكافحة الإرهاب في مقدمة أولوياته.

وأكد سلامة هذا التوجه الغارات التي شنها الجيش الأمريكي ضد مواقع داعش والقاعدة في اليمن وسوريا والعراق وأفغانستان، وقصف قاعدة جوية سورية بصواريخ كروز، وتهديد كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي .

من جهة أخرى لم تسفر اللقاءات القليلة التي عقدها ترامب مع عدد من القادة الأجانب، عن نتائج كبيرة، فالقمة الأمريكية الصينية لم تحقق إلا نجاحا رمزيا، واستمرت الخلافات بين الجانبين حول تايوان وبحر الصين والخلل في الميزان التجاري.

وفي قمة مجموعة العشرين بهامبورج كان يمكن لترامب إن يركز علي دعم علاقات مع حلفائه الأوروبيين من قادة الناتو، لكنه ركز على لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولة لحل القضايا العالقة، وهو ما لم يحدث، باستثناء اتفاق على وقف إطلاق النار في سوريا، ثم توجه ترامب إلى باريس للقاء الرئيس ماكرون.

كان بوسع الرئيس الأمريكي أن يعيد ترتيب موقف أمريكا تجاه العالم، لكنه لم يفعل، وخلال الأشهر الستة الأولى من حكمه انسحب من اتفاق باريس للتغير المناخي، ومن اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأوقف دعمه للمعارضة المسلحة في سوريا وقرر الانسحاب من نيكاراجوا.

وبدا واضحا أن أداء الرئيس على الصعيد الخارجي، يتأثر بتطورات التحقيقات التي يجريها الكونجرس ومكتب التحقيقات الفيدرالي حول تدخلات روسية مزعومة في الانتخابات الرئاسية، وعلاقات محتملة لأفراد من إدارته مع الحكومة الروسية.

وقد امتدت هذه التحقيقات لتشمل مؤخرا دونالد ترامب الابن، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي، بعد أن تسببت سابقا في استقالة مايكل فلين مستشار الأمن القومي وإقالة جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، وسط مخاوف من أن تتحول التحقيقات إلى أزمة سياسية، في حال معينة .

عموما لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى تورط ترامب، وأيا كانت النتيجة فالمرجح استمرار الرئيس الأمريكي في منصبه على الأقل لولاية أولى، وحتى في حالة ظهور ما يمس ترامب وهو احتمال غير وارد، فإن محاولة عزله من منصبه -كما يردد البعض- سوف تتوقف على نتائج الانتخابات المقبلة للكونجرس في عام 2018، ومدى قدرة الديمقراطيين على استعادة الأغلبية على الأقل في مجلس النواب.

وطبقا للدستور الأمريكي فان عزل الرئيس في تهم مثل عرقلة العدالة وإجراء اتصالات سرية مع جهات أجنبية وإجراء ترتيبات مالية مشكوك فيها، يستوجب محاكمته أمام مجلس الشيوخ، ويتطلب قرار العزل موافقة أغلبية الثلثين، وهو ما لا يبدو متاحا حتى ولو فاز الديمقراطيون بالأغلبية في انتخابات مجلس الشيوخ.

وفي كل الأحوال من غير المرجح أن يترك ترامب منصبه طواعية كما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عقب فضيحة (ووتر جيت)، مما يعني أن الطريق الوحيد أمام معارضي ترامب لإخراجه من البيت الأبيض هو الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر عام 2020.

وتبقى حقيقة أن ترامب مازال بإمكانه كسب تأييد الأمريكيين وتفهمهم، رغم التحديات التي تعرض لها، في حال نجاحه في معالجة الانقسام الحاد داخل المجتمع الأمريكي، وطرح خطاب سياسي اقل استقطابا، يحظى بتأييد الشعب والنخبة، لكن ذلك يتوقف على الكفاءة السياسية للمحيطين به، وأيضا على تقدير الرئيس الأمريكي للعواقب الناجمة عن قراراته.