أفكار وآراء

ثمار يانعة لحكم رشيد

25 يوليو 2017
25 يوليو 2017

ترجمة : د. مسلم بن علي المعني -

جامعة السلطان قابوس -

بمناسبة 23 يوليو، لا يسعني إلا وأن أكتب هذه الكلمات من أقصى العالم السحيق مهنئا بهذه المناسبة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد  المعظم وكل الشعب العماني ,, 

المناسبات الوطنية لسلطنة عمان لطالما تذكرنا جميعا بالسنوات الجميلة التي قضيناها في هذا البلد الذي لا يمكن وصفه إلا «بأرض طيبة حباها الله بحظ وافر».

لقد تشرفت بالعمل في هذا البلد الطيب كأستاذ جامعي في الأعوام من 2002م وحتى 2015م بجامعة السلطان قابوس، التي هي حقا مركز فتي ولكنه حيوي في الوقت نفسه كمركز من مراكز التعلم ، حيث يدرس بها حوالي 17000 طالب وطالبة من أبناء عمان في مختلف التخصصات من آداب وحقوق وهندسة وطب وتجارة وزراعة. أما من حيث طاقمها التدريسي فلعل ما يميز هذه الجامعة أن العمانيين ذكورا وإناثا، دون تمييز، يشكلون أطقم الهيئة التدريسية، فالإناث الأكاديميات لا يشغلن مناصب رئاسة الأقسام الأكاديمية فحسب ، بل يتربعن على كراسي عمادات بعض الكليات ومناصب القيادة العليا بهذه الجامعة. وتدير دفة هذه الجامعة إدارة فاعلة تحفز ثقافة الإبداع في مجالي التدريس والبحث العلمي حيث يحظى الأكاديميون غير العمانيين بنفس شروط الخدمة والدعم الذي يحظى به نظراؤهم العمانيون.

وخارج نطاق الحياة الأكاديمية بجامعة السلطان قابوس لطالما غمرني السرور لعوامل اجتماعية ومعنوية وأنا في سلطنة عمان ، وكذا هو الحال بالنسبة لرفيقة دربي. وأود الإشارة هنا على وجه التحديد الى عاملي الأمن والاستقرار وهما عاملان مهمان من عوامل الكفاية المهنية والتطور والتقدم لدى الشباب. أما ما يروى عن تواضع العمانيين وحسن استقبالهم فإن ذلك لا يستدل به فقط مما يرويه السائحون الذين يزورون عمان وإنما يتبين بجلاء من خلال الأخلاق الحميدة التي لمسناها في كل بقعة من بقاع هذا البلد في البوادي وفي الحواضر لدى الصغير ولدى الكبير وهي أخلاق تستحق المديح والثناء.

وفي حين أنه وفقا لتعاليم الدين الإسلامي فإن على المسلمين كافة التحلي بهذه الأخلاق، فإن الوضع يختلف تماما في عمان إذ أن ما يعزز هذه القيم التوجيهات الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي عندما يذكر اسمه فإن أذهاننا تحلق بنا إلى الشخصيات العظيمة التي سطرها ويسطرها التاريخ. ولا أدل على ذلك من عزمه في نشر مظلة العلم، إذ أن المدارس والكليات قد فتحت أبوابها في كافة أرجاء هذا البلد، في الجبل وفي السهل، مما يذكرنا بقول شكسبير الشهير «الجهل ظلمات» أو قول وليام كوبدن «يعتمد التطور في الحريات على استتباب الأمن وازدهار التجارة وانتشار التعليم». ونتذكر في هذا السياق رأي الرئيس الأمريكي الأسبق روزوفلت الذي قال «لا يمكننا دائما بناء المستقبل للشباب ولكن يمكننا بناء شبابنا للمستقبل». وتتسق توجيهات حضرة صاحب الجلالة للشباب الملتحقين بمقاعد الدراسة الجامعية وحثهم على الجد والاجتهاد مع كلمات الراحل نيلسون مانديلا للطلاب بجنوب إفريقيا مخاطبا إياهم بقوله «يجب علينا استغلال الوقت بطريقة إبداعية وسندرك للأبد أن الوقت قد حان للعمل بطريقة صحيحة». وما نجاح عمان في مزج العادات والتقاليد التي تتميز بها بالتطور الحديث (وهي ظاهرة من الظواهر النادرة في التاريخ) إلا ثمرة يانعة من ثمار أسلوب حكم ينطبق عليه قول عالم الرياضيات وايتهيد عندما كتب قائلا «يتمثل فن تحقيق التقدم والتطور في الحفاظ على النظام أثناء عملية التغيير وفي الحفاظ على عملية التغيير أثناء تطبيق النظام ».

ومما يثير الدهشة أن التطور الذي لمسه كل عماني وامتد لكل شبر من أرض عمان هو نتاج عقود من الزمن كان للقيادة الحكيمة دور فيه. ومن الأمثلة التي نستدل بها في ذلك:

البنية الأساسية للدولة التي تواكبها شبكة متطورة من الشوارع والجسور وشبكة لسكة حديدية للمستقبل والموانئ والفنادق والمطاعم والعيادات والمدارس والمستشفيات والمنازل والمساجد ومراكز التسوق والمسارح (المتمثلة بدار الأوبرا السلطانية التي هي حقا في صفوف دور الأوبرا الأفضل على مستوى العالم)، جميعها تؤكد إصرار وعزم صاحب الجلالة نحو تحقيق التميز ونموذج يحتذي به لدى العالم أجمع.

والتعليم الذي يتم توفيره بالمجان وعلى كافة مستويات التعليم العام والجامعي والذي يعد حقا نعمة كانت محط إشادة وثناء لدى الكثير من الدول في العالم.

والخدمات الصحية المجانية إذ أن لدى السلطنة سجلا حافلا في رعاية الطفولة مشهودا له دوليا وهو ما ساهم في انخفاض معدل الوفيات بنسبة 94% للأطفال دون سن الخامسة وهي نسبة تعد من أفضل النسب التي يمكن تحقيقها على مستوى العالم.

ومع ذلك فإن ما حدث من تطور لم يبعث أبدا بوادر التواكل والعزلة بل على النقيض من ذلك فإن السياسة الخارجية التي انتهجها صاحب الجلالة ساهمت في مد يد الصداقة لكافة شعوب العالم وتأكيد عزمه الدائم في عدم صب الزيت في نيران الصراعات التي ساهمت في تمزيق الدول أو في التدخل في كل ما هو شأن داخلي للدول. ومما لا يبعث الغرابة أن الصحافة العالمية دائما ما تكشف لنا مدى الدبلوماسية الهادئة التي تلعبها السلطنة في حل الصراعات الدولية وخير مثال على ذلك الاتفاق النووي الإيراني والمساهمة في إطلاق سراح الرهائن في أماكن الصراعات كاليمن وغيرها.

ومما لا غرابة فيه أن تقوم هيئة الإذاعة البريطانية في عام 2015م بتسليط الضوء على سلطنة عمان معتبرة السلطنة منارة ومنبرا للأمن والسلم في هذا الزمن الذي تكتنفه الصراعات من كل حدب وصوب. كما أنه من غير الغريب أن يثني المؤرخون وعلماء الأديان على الفكر الإباضي بعمان للتسامح الذي يتحلى به مع المذاهب الأخرى. ولقد عبر كافة الأشخاص الذين تمت مقابلتهم وهم ينتمون لأديان مختلفة، مسيحيين ويهود وهندوس وبوذيين، عبروا عن فرحتهم بالحرية المطلقة لممارسة شعائرهم الدينية أثناء وجودهم وعملهم في عمان.

ومع ذلك فإن بناء المكانة التي تحتلها السلطنة في العالم الحديث سيظل عملا دؤوبا لا يتوقف عند حد معين. وفي خضم هذا المشروع يأتي فكر جلالة السلطان قابوس المعظم ، مما يذكرنا بقول ويلهلم فون جوث عند استعراضه للتقدم في ألمانيا بقوله «إن ما حققناه لا يعتبر أمرا كبيرا عندما تكون لدينا رؤية للأمام وعندما نفكر في ما يجب علينا فعله بعد».

وفي مناسبة احتضنتها شمال انجلترا مؤخرا والتي استضافت أحد أبرز الرحالة والمستكشفين الأوروبيين السير رانولف فيانز وبحضور جمع كبير من الناس، سأل أحد الحضور السير رانولف «في كافة أسفارك سيدي، أي الدول أحب إليك؟»، فأجاب السير رانولف على الفور «عمان! نعم أيها الأحبة إنها بدون أدنى شك بلدي المفضل. وهذا ليس بفضل ما تتميز به من تنوع جغرافي من سهول وجبال وصحارى وإنما يعود الفضل في ذلك إلى الطبيعة الخاصة التي ينفرد بها شعبها والذين هم من أفضل الشعوب التي قابلتها طوال حياتي».

وبمناسبة 23 يوليو، لا يسعني إلا أن أكتب هذه الكلمات من أقصى العالم السحيق مهنئا بهذه المناسبة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وكل الشعب العماني وكل شخص حفر التاريخ ذكريات جميلة في ذهنه وكل شعوب العالم الذين يفكرون في زيارة هذا البلد يوما ما.