أفكار وآراء

الإنجازات .. ليست مجرد أرقام صماء

25 يوليو 2017
25 يوليو 2017

علاء الدين يوسف -

,, تحمل تقارير التنمية البشرية التي تصدر على فترات دورية من المنظمات الدولية العديد من الحقائق الإيجابية عن سلطنة عمان، الأمر الذي جعلها تتبوأ مكانة متميزة في مصاف الدول المتقدمة التي تعلي من شأن الإنسان وتنميته وخاصة تمكين المرأة ,,

على مستوى مؤشرات الرفاهية الاجتماعية كافة والتي وضعتها المنظمات والمؤسسات العالمية الدولية كمقياس مهم، ليس لمعرفة ورصد درجات الالتزام بحقوق الإنسان فحسب، ولكن كذلك لقياس التنمية البشرية بمفهومها الشامل في مجالات التعليم والصحة والمساواة وعدم التهميش لأي فئة، عادة ما تحتل الدولة العمانية مكانة متقدمة تزداد رقيا عاما بعد آخر، ليس على الصعيد العربي أو الإقليمي فحسب ولكن على الصعيد العالمي ككل، وهي مؤشرات علمية محايدة تتولى صياغتها جهات دولية نزيهة وفقا لحقائق وانجازات مجتمعية ميدانية على أرض الواقع بعيدا عن أي مؤثرات أخرى سياسية أو سلطوية.

وانطلاقا من هذه الرؤية المحايدة يحق للسلطنة أن تفخر وأن تتباهى بما أنجزت في هذا المجال لدعم التنمية البشرية على مدار نصف القرن الأخير في جميع القطاعات على قدم المساواة دون أن تمنح أولوية لقطاع على حساب قطاعات أخرى، فحظيت وضعية المرأة العمانية وفقا لذلك بأولوية خاصة لدعم مكانتها ودورها المجتمعي بعيدا تماما عن سياسات التجاهل ومظاهر التهميش لتنتقل بخطوات علمية مدروسة إلى مرحلة التمكين ثم المشاركة التامة في صناعة التنمية على أرضية المواطنة التامة والمساواة مع كل طوائف وفئات المجتمع، ولم يكن ذلك ليتحقق لها لولا وجود قناعة وإرادة سياسية أولا بأهمية دور المرأة وحتمية منحها الحقوق كافة وصولا إلى أقصى درجات التقدم الممكنة, فكانت النتيجة حصول المرأة العمانية منذ مراحل التعليم الأولى وحتى المراحل العليا والمتقدمة من الدراسة على أرقى أنواع التعليم داخل البلاد وخارجها بما جعلها مؤهلة بالفعل لشغل كل المواقع الممكنة في مختلف المواقع المهنية والإدارية بما في ذلك المواقع القيادية، وأصبحت كل الأبواب مشرعة أمام المرأة العمانية بعد تمكينها المجتمعي للنفاذ إلى مواقع العمل مهما كانت صعوبتها أو رفعتها في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والإبداعية باختلاف أشكالها.

ومن الممكن أن نعدد هنا المكاسب الضخمة التي حصلت عليها المرأة العمانية والإنجازات التي تحققت لها وبها عبر خمسة عقود من الزمان وانتقلت بها إلى مراحل متقدمة لم تكن قائمة من قبل، وربما كانت من الأحلام المستحيلة قبل أن تتحول إلى واقع حقيقي على أرضية الميدان . ويمكن أن نترك لغة الأرقام تتحدث بوضوح عن حجم المعجزة التي تحققت في هذا الشأن وفي مختلف المجالات والقطاعات، ولكن وبدون مبالغة ليس مهما في هذا المقام الحديث عن عدد النساء اللاتي تبوأن مقاعدهن في المجالس السياسية أوعدد المرشحات والناخبات في انتخابات المجالس على اختلاف اشكالها، أوعدد السفيرات والدبلوماسيات والطبيبات والباحثات والمعلمات و.... إلخ، فالأرقام الصماء مهما كانت دلالتها إلا أنها تعجز في مرات كثيرة عن التعبير عن حجم وقيمة ومعنى الإنجاز الحقيقي.

ولكن الأهم من كل ذلك هو«الحالة» أو«الوضعية» التي اكتسبتها المرأة العمانية وأصبحت تمثل بالنسبة لها منصة انطلاق لآفاق غير محدودة وبلا قيود فيما يعد تمكينا حقيقيا لها ونجاحها في الفوز باعتراف مجتمعي صريح بكونها شريكا كاملا في عملية الإنتاج والتنمية في المجتمع، هذه الوضعية هي التي ستفرز في الحاضر والمستقبل المزيد والمزيد من الكوادر النسائية المؤهلة لخوض غمار التنمية في كل القطاعات على قدم المساواة مع فئات المجتمع الأخرى، وإذا كانت المساواة تعني الشراكة بالمناصفة فلا يوجد مجتمع رشيد يصل إلى مثل هذا المستوى ثم يختار أن يضحي بخمسين في المائة من قوته المنتجة، ثم فان الأرضية التي شغلتها المرأة العمانية لن يسهل التضحية بها أو التراجع عنها، فالاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة العمانية جاءت ترجمة واضحة لالتزام السلطنة بقضية النهوض بالمرأة وتقدمها وامتدادا لجهود تبنتها على كافة المستويات والسياسات لتحسين أوضاع المرأة عن طريق توفير الفرص المتكافئة مع الرجل بما يكفل المساواة في الحقوق والواجبات والاستفادة من مختلف الخدمات المقدمة من قبل الدولة في المجالات التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية وغيرها وتمثل كذلك قناعة من جانب المسؤولين بأهمية وجود استراتيجية للمرأة العمانية تساعد في رسم ووضع الخطوط العريضة لمتطلبات التطوير والتعديل التي سيرتكز عليها العمل في وضع خطة وطنية للمرأة لاستكمال مسيرة تقدم الرؤية المستقبلية لها .

ولعل ما يستحق الذكر والثناء معا في هذا المقام هو ما رصدته بعض الدراسات المهمة حول عمل الجمعيات التطوعية النسائية التي وصلت إلى ذروتها في الكم والكيف بوصفها أرقى درجات التقدم للعمل النسائي المجتمعي بشكل عام، وترصد تلك الدراسات حقيقة أن المرأة العمانية كانت السباقة دائما إلى مجالات العمل التطوعي حيث بدأ العمل الاجتماعي مع بدايات عام 1972 عندما تم إشهار أول جمعية نسائية تحت اسم جمعية المرأة العمانية بمسقط والتي نبعت فكرة إقامتها من قبل مجموعة من المثقفات سعين إلى أن يكون لهن دور في عملية النهضة الشاملة بتنمية وتنشيط المجتمع في مختلف المجالات وبدأت بعملية تعليم الفتيات وكبار السن،لاسيما وأن نسبة التعليم آنذاك كانت ضعيفة إلى حد ما. ثم توالت بعد ذلك الجمعيات الأهلية النسائية إلى أن تزايد عددها بكثرة في مختلف محافظات السلطنة بجانب مراكز للتنمية الريفية ومراكز للتأهيل النسوي، وتواجد آلاف المتطوعات مع برامج منظمة اليونيسيف في المجالات الإرشادية، ومن أمثلة تلك الجمعيات؛جمعية المرأة العمانية وهدفها رفع مستوى كفاءة العضوات في المجالات الاجتماعية والثقافية ونشر الوعي الثقافي والاجتماعي في المجتمع وتقديم الخدمات الاجتماعية والتوعوية وسبل الحياة الصحيحة وتعليم المرأة بعض الصناعات ومساعدتها على زيادة دخل الأسرة اقتصاديا واجتماعيا.

وتلعب تلك الجمعيات دورها المهم في العمل المدني الأهلي بمختلف الخدمات التي تساعد على رفع المستويات الاجتماعية والثقافية والصحية للمرأة والطفل وتسهم في النهضة الثقافية من خلال برامج ونشاطات متعددة والتي من ضمنها إصدار مجلة ترعى شؤون المرأة والأسرة العمانية إلى جانب توعية المرأة لحثها نحو التمسك بالتقاليد العريقة المنبثقة من الدين الحنيف ونبذ العادات السيئة وتقديم خدمات اجتماعية للتخفيف عن الأسر المحتاجة والتعاون مع المنظمات النسائية خارج السلطنة للتعرف على أساليب عملها والاستفادة من تجاربها والمشاركة في المناسبات الوطنية والدينية والعالمية والمساهمة في تذليل المصاعب وشد آزر الآخرين وتمكن الفرد من الشعور بالأمان وتحقيق التفاعل الاجتماعي وبث روح الانتماء والتواصل لدى الموطن العماني لتحقيق فكرة المجتمع المتكامل،فضلا عن دورها في محو أمية الكبار وتعليم الفتيات وتقديم الصناعات الحرفية اليدوية البسيطة التي تساعدهن في التغلب على الظروف المعيشة بإقامة المعارض لعرض منتجاتهن لتسويقها،فضلا عن الدور التوعوي الذي تقوم به هذه الجمعيات من كيفية التعامل مع متطلبات العصر الحديث،وتوعية المرأة بمهمتها الأساسية في بناء الأسرة وغرس القيم الإنسانية مثل قيم الولاء والانتماء في نفوس الأجيال العمانية الصاعدة .

وعلى ما يبدو أن وصول المرأة العمانية إلى هذا النجاح الملموس في كيفية إدارة العمل التطوعي بجدارة واقتداء ينبع في الأساس من عدة عوامل أساسية أولها: الإيمان الكامل من قبل القيادة السياسية بأهمية العمل التطوعي لاسيما النسائي للارتقاء بالعمل الأهلي وتطويره ليتماشى مع العصر الحالي،فضلا عن تخصيصه مؤسسات حكومية بعينها تقوم بمتابعة عمل الجمعيات. وثانيها: المجتمع العماني نفسه الذي يسوده ثقافة التعاون والتكاتف المتأصلة في نفوس أفراده فيذكر أنه كان يمارس أشكال العمل التطوعي منذ القدم من خلال القبيلة والعلاقات الأسرية البسيطة، مثل مساعدة الفقراء بتقديم الخدمات إليهم وتعليم أبنائهم القراءة والكتابة، وتوفير الخدمات الأساسية في القرية الواحدة، إلى أن تطور الأمر فيما بعد في شكل تجمعات تطوعية منظمة هدفها الأساسي خدمة المجتمع، والواضح أن هذه الثقافة تنبع في الأساس من تقاليد الشعب العماني.

ثالثها: المرأة العمانية نفسها والتي وجدت في العمل التطوعي ملاذها في المشاركة للنهوض بالمجتمع العماني وأن يكون لها موطئ قدم في مسيرة النهضة الحديثة وعلى ما يبدو أن ما أصاب المرأة العمانية في السنوات البعيدة إنما كان بفعل الظروف والأوضاع التي كانت سائدة آنذاك ولكن مع مجيء النهضة سعت المرأة إلى طرق أبواب التعليم وبالفعل حظيت المرأة العمانية بالتعليم ومن منطلق إيمانها الكامل بأن التعليم هو مفتاح الصعود لأي مجتمع عملت على تكوين الجمعيات النسائية وفتحت من خلالها الفصول التعليمية لتعليم اخوتها ومجتمعها القراءة والكتابة حتى تنهض بالمجتمع ويكون لها دور مماثل لدور الرجل وبالفعل ثبت نجاحها في هذا الدور وخير دليل على ذلك الزيادة العددية الكبيرة التي وصلت إليها الجمعيات النسائية مع التطوير الكبير في حجم أنشطتها لخدمة المرأة العمانية والمجتمع العماني بوجه عام.