الملف السياسي

المنظومة الاقتصادية.. أيقونة سنوات النهضة

24 يوليو 2017
24 يوليو 2017

الطيب الصادق -

قيام الدولة العمانية العصرية الحديثة بدأ منذ النهضة المباركة في عام 1970م بالاهتمام والاستثمار بالعنصر البشري الذي يعد أهم الأعمدة التي تعتمد عليها الدول

يظل يوم الثالث والعشرين من يوليو 1970 حاضرًا في الأذهان؛ لأنه أدى إلى تغيير جميع مناحي الحياة في سلطنة عمان التي من حقها أن تعتز وتفخر بما تم إنجازه على امتداد الـ47 عامًا الماضية من مسيرتها المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي حشد كل طاقات الوطن، البشرية والمادية، والتاريخية مستغلا ما حباه الله عليها من إمكانيات لتصبح عمان على درب الدولة العصرية الحديثة وليس بما حققته من مكاسب وإنجازات اجتماعية واقتصادية ومكانة وطنية رفيعة فحسب، بل لعمله منذ اليوم لإرساء مشروع الوطن وجلب الهمم لبناء الدولة الحديثة.

قيام الدولة العمانية العصرية الحديثة بدأ منذ النهضة المباركة في عام 1970م بالاهتمام والاستثمار في العنصر البشري الذي يعد أهم الأعمدة التي تعتمد عليها الدول، وتم بناء الإنسان العماني من خلال التدريب والتأهيل والتعليم لتصبح مخرجات التعليم متواكبة مع متطلبات الدولة واحتياجاتها التنموية ومتماشية مع التطورات الدولية والمستجدات العصرية في الوقت الذي تم فيه بناء المؤسسات الحديثة التي تعتمد علي التكنولوجيا بشكل أساسي وتوفير كافة متطلباتها للوصول إلى مؤسسات حديثة تقدم خدمات متميزة ومتطورة للمواطنين وتسخر كل إمكانياتها لخدمة الفرد والمجتمع وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة.

ومن المؤكد أن السلطنة حققت إنجازات عظيمة ونهضة كبيرة في جميع القطاعات ولكن تبقى النهضة الاقتصادية على رأس هذه الإنجازات وهي الركن الأساسي الذي اعتمدت عليه التنمية الشاملة والمتكاملة ويمكن إرجاع المكتسبات العظيمة التي شهدها القطاع الاقتصادي في جميع جوانبه التجارية والصناعية والاستثمارية إلى الإدارة الناجحة وثمرة من ثمار التخطيط العلمي الممنهج والمدروس وصولًا لبناء دولة المؤسسات التي تحافظ على الثوابت وتنفتح على مستجدات العصر. ولذلك كانت النهضة في القطاع الاقتصادي تجري بالتوازي مع مثيلاتها في القطاعات الأخرى وهو ما توضحه لغة الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمَّل والتي تعكس مدى التطور الكبير والتغيير الواضح والفرق الكبير الآن وما كان قبل سبعة وأربعين عامًا.

استطاعت السلطنة التغلب على التحديات ونفذت رؤيتها الاستراتيجية بنجاح وحقق الاقتصاد العماني إنجازات كثيرة رغم ما واجهه من تحديات منذ عام 1970 وحتى الآن وآخرها تراجع أسعار النفط من 147 دولارًا للبرميل في منتصف عام 2014 إلى 46 دولارًا تقريبًا الآن، ويعد إنجازًا كبيرًا في التخلص من الآثار السلبية لهذا التراجع على الموازنة العامة للدولة خاصة أن السلطنة كانت تعتمد على النفط كمورد أساسي لعائدات الدولة، ولكن يتم التخلص من هذه الإشكالية تدريجيًا، بتبني برنامج التنويع الاقتصادي، ووضع عدد من الإجراءات التي تكفل الحفاظ على سلامة الوضع المالي للدولة، والتركيز على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال استمرار الإنفاق الإنمائي على المشروعات ذات الأولوية الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم الدعم اللازم لتوفير بيئة مشجعة لنمو الاستثمارات، وتشجيع القطاع الخاص للمشاركة مع القطاع الحكومي، والقيام بدوره المنشود في التنمية، ودفع معدلات النمو للأمام، خاصة أن السلطنة أصبحت الآن تمتلك قطاعًا خاصًا يتميز بالقوة والتنوع ويغطي عدة أنشطة منها الصناعة والزراعة والنسيج والتجزئة والسياحة. وتشمل صناعات السلطنة الرئيسية تعدين وصهر النحاس وتكرير النفط ومصانع الإسمنت، وغيرها، في الوقت ذاته تعمل السلطنة دومًا على جذب المستثمرين العرب والأجانب في العديد من المجالات وأهمها الصناعية، وتقنية المعلومات، والسياحة، والتعليم العالي.

وبالرجوع إلى الموازنة العامة للدولة لعام 2017 نجد أن السلطنة وضعت نصب عينيها التحديات القائمة، لكي تجتاز المرحلة الصعبة بعد تدني أسعار النفط عالميًا. وقد مر العام الماضي، لذا يعد من أصعب الأعوام على السلطنة، وتم تجاوز أزمة انخفاض النفط وخابت جميع التحليلات السلبية ضد السلطنة والدول النفطية، وتم تفعيل خطط المالية العامة للدولة بوضع إطار متوسط المدى وتحديد سقف للميزانية العامة، كما استمرت الموازنة في التركيز على ترشيد الإنفاق العام وزيادة مرونته وكفاءته، والوصول به إلى مستوى قابل للاستدامة، والعمل على إعادة هيكلة الموارد العامة بزيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات، وتقليل الاعتماد على الموارد النفطية، ورفع كفاءة أداء الشركات المملوكة للدولة، من خلال تأسيس شركات قابضة تقوم بوضع الخطط والاستراتيجيات والإشراف عليها وفقا لمبادئ الحوكمة الجيدة، ورفع مساهمتها في الاقتصاد الوطني . وقد بلغ إجمالي الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة لعام 2017 نحو 8 مليارات و700 مليون ريال عماني، وقد تم احتسابها على أساس سعر النفط 45 دولارًا أمريكيًا للبرميل بزيادة تبلغ 18% عن الإيرادات الفعلية المتوقعة لعام 2016م.

ومن جانب آخر فقد تم تعظيم دور السلطنة في القطاع التجاري ووضعها على خارطة الاقتصاد العالمي وجذبها العديد من الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع من خلال المناخ الذي وفرته السلطنة وتقديم تسهيلات وتشريعات استثمارية ساهمت في جذب المستثمرين مع وجود المناطق الجاذبة للاستثمار، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي للسلطنة الذي ساهم بشكل كبير في نمو التجارة العمانية فضلا عن وجود الموانئ المهمة في صحار وصلالة والدقم مع الربط والتكامل فيما بينها والتي كانت داعمة لنمو التجارة والاستثمار في السلطنة. كذلك حرصت القيادة العُمانية على تطوير المناطق الصناعية الاقتصادية لتكون ركيزة أساسية للتنمية الوطنية في الحاضر والمستقبل. وفي المجال الزراعي أيضا تزداد نسبة الأراضي المزروعة وتشكل المنتجات الزراعية والسمكية ما نسبته 22% تقريبًا من صادرات السلطنة غير النفطية، كما أن الثروة السمكية تمثل أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني ومصادره المتجددة وتوفر نحو ستة آلاف فرصة عمل في الأنشطة المتصلة بمهنة الصيد كما تتزامن هذه النهضة مع قطاع الاتصالات الذي حقق نقلة نوعية انعكست علي جميع مناحي الحياة.

ولم تغفل السلطنة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في بناء نهضتها الاقتصادية والتنموية وتم الاهتمام بهذا المجال وتشجيع الراغبين في إقامة مثل هذه المشروعات وتسهيل الإجراءات الكفيلة لنهضة هذه المشروعات التي تتطلب نسبة كبيرة من العمالة ولذلك تم إنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتكون دافعًا قويًا لهذا القطاع الحيوي، الذي يعد ركيزة مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، كما أن السياحة في سلطنة عمان لم تكن بعيدة عن اهتمام مسيرة النهضة المباركة ، حيث تعد السلطنة ضمن أفضل 10 وجهات للسفر عالميًا، وذلك بما تمتلكه من العديد من المقومات السياحية الطبيعية والتراثية والحديثة حيث يقصدها السياح من مختلف دول العالم. وهناك خطة لتنمية السياحة كجزء من الرؤية المستقبلية العمانية «عمان 2020»، وتتضمن تطوير عدد من المشاريع العملاقة التي تهدف إلى زيادة أعداد السائحين ليصلوا إلى نحو 12 مليون سائح عام 2020 وكذلك تنفيذا للاستراتيجية العمانية للسياحة 2016/‏‏2040م التي تستهدف توفير أكثر من 500 ألف فرصة عمل، وزيادة حجم الاستثمارات المتوقعة لتصل إلى نحو 19 مليار ريال عماني، 12% منها استثمارات من القطاع العام، ولزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040م إلى نحو 10 % من الناتج المحلي الإجمالي.

وتبقي النهضة العُمانية الحديثة الشاملة جهود وعطاءات بكافة المجالات وخاصة المجال الاقتصادي لتحقيقه الأهداف المرجوة، واستغلاله الإمكانيات المتوفرة، لبناء شراكة متكاملة في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والمشروعات الاستراتيجية، مما يعود بالخير والنفع ويصب في مصلحة الوطن والمواطنين.