أفكار وآراء

كيف يمكن لأمريكا أن تنجح عسكريا في الشرق الأوسط؟

19 يوليو 2017
19 يوليو 2017

ديفيد إجنيشس - ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

ماهي الدروس التي يمكن أن نحصل عليها من هزيمة داعش الراهنة في الموصل وإجلائها القادم من الرقة؟ الذي يُستفاد من انهيار «دولة داعش» أن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق النجاح عسكريا في الشرق الأوسط إذا عملت ( وربما فقط إذا عملت) مع قوى محلية مستعدة للقيام بمهام القتال والموت. ففي حين تحولت الحملات البرية الضخمة للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال العقد ونصف العقد الماضيين إلى تمارين باهظة الثمن في «الإحباط» إلا أن الحرب ضد داعش كانت أقل كلفة بكثير للولايات المتحدة من ناحيتي الخسائر المالية والبشرية. كما كانت أيضا أكثر نجاحا. ومن المذهل أن خمسة أمريكيين فقط قتلوا في سوريا والعراق خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بحسب الجيش الأمريكي. لقد كان إجمالي الخسائر البشرية مرعبا ولكن الأمريكيين لم يدفعوا الثمن. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن الانتصار في الموصل يوم الاثنين (11 يوليو الجاري) لكن صور المدينة تظهر أرضا بلقعا ومباني مهدمة. وقد لا نعرف أبدا وبالضبط العدد الإجمالي للآلاف من المدنيين الذين دفنوا تحت الأنقاض. ولأن مستويات الوجود الأمريكي هناك والخسائر الأمريكية كانت متواضعة إلى حد بعيد، فقد ظلت هذه الحرب بعيدة تقريبا عن أنظار الأمريكيين وعن اهتماماتهم. ولكن من المفيد استكشاف الكيفية التي نجحت بها الاستراتيجية عسكريا. وكذلك إدراك عدم وجود أية استراتيجية سياسية مناظرة لها مما قد يقود إلى مشاكل في المستقبل. لقد بنيت الحملة العسكرية الأمريكية حول قوات العمليات الخاصة. وكان شعار هذه القوات هو: وجوب خوض المعركة «بواسطة» الشركاء المحليين «ومعهم ومن خلالهم». ذلك كان يعني تدريب الجنود العراقيين والسوريين وتجهيزهم بالمعدات وتقديم المشورة لهم، ثم دعمهم بالإسناد الجوي الذي ظل يقصف العدو دون هوادة. وكانت الضربات السرية الأشد ضراوة التي وجهتها الولايات المتحدة وكذلك بعض شركائها بهدف «الأسر أو القتل» هي ذلك الجزء الذي نفذ بقدر أكبر من الكفاءة في هذه الحملة العسكرية. يعني هذا ببساطة أنه وقتما توافرت للولايات المتحدة معلومات استخبارية يمكن التصرف على أساسها حول إرهابي بعينه، كانت تحاول إخراج مثل هذا الشخص من ميدان القتال (بقتله أو أسره). لقد نتج عن اقتران القوات البرية المحلية مع الطائرات الآلية الأمريكية والطائرات الحربية والمعلومات الاستخبارية أثر بالغ. ليندا روبنسون، المحللة بمؤسسة راند أنفقت عدة أسابيع في مراقبة القتال خلال هذا الربيع في العراق وسوريا. وكتبت في مدونتها مؤخرا أن الولايات المتحدة وجدت «طريقة جديدة لخوض القتال». يعود الفضل لهذه الطريقة المبتكرة إلى القوات المسلحة الأمريكية التي تزايدت ثقتها باطراد بعد بداية بطيئة. كما يعود الفضل أيضا للرئيس أوباما الذي أرسل الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى العراق وسوريا على الرغم من تحفظ الرأي العام وللرئيس ترامب الذي فوَّض القوات المسلحة باتخاذ القرارات على نحو أدى إلى تسريع الحملة. وتمثلت المفاجأة في مدى دافعية وانضباط القوات العراقية والسورية. فقد قاتلت هذه القوات بجسارة وتعرضت إلى خسائر كبيرة. وفي معظم الأحوال تعاونت فيما بينها متجاوزة حاجز الانتماء الطائفي. اعتمدت الولايات المتحدة في العراق على قوتين تمرستا على القتال هما جهاز مكافحة الإرهاب بالجيش العراقي ومليشيا البيشمركة الكردية. كانت هاتان القوتان تتعاونان في ميدان القتال (فيما يواصل قادتهما السياسيون شجارهم). أيضا لم تلعب المليشيات الشيعية دورا مخربا وهي التي كان المحللون يخشون من أنها قد تفسد القتال ضد المتطرفين السنيين. كان الحليف الحاسم لأمريكا في سوريا المليشيا الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب. بدأت هذه الشراكة عن طريق الصدفة تقريبا في عام 2014 حين كان مسلحو داعش على وشك الاستيلاء على بلدة كوباني في شمالي سوريا. فقد تولت ميليشيا الاتحاد الوطني الكردستاني تقديم هذه المليشيا (أي وحدات حماية الشعب السورية) إلى المستشارين الأمريكيين. وتم تشكيل نظام ارتجالي للرصد والاستهداف والانقضاض الجوي. لقد ذهل الأمريكيون من قوة شكيمة الأكراد وشكلوا معهم «رفقة سلاح.» لم يكن الأكراد السوريون حليفا سياسيا مريحا. فالأتراك يعتبرونهم (ربما عن حق) فرعا لحزب العمال الكردستاني التركي. ولكن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل كان قد ذكر لي في قاعدة تدريب داخل سوريا قبل عام أن عليهم (أي الأمريكيين) العمل بما توافر لهم في سوريا. وهو يعني بذلك القوة التي يقودها الأكراد. لقد وسم هذا النوع من المقاربة المرتجلة الجهود الأمريكية منذ عام 2014. فبدلا من بناء القوة المثالية وفقا للنموذج الأمريكي، لجأ القادة الأمريكيون إلى التواؤم مع الوضع المعطى. أما المشاكل السياسية من معارضة تركية مريرة وطموحات استقلالية للأكراد العراقيين واستراتيجية سياسية غير مفهومة لسوريا فقد وضعت على الرف لوقت لاحق (تم تجميدها مؤقتا.) لقد بنيت الاستراتيجية على رمال سياسية متحركة ولكنها تزال ثابتة. في عام 2012 أجرت وكالة الاستخبارات المركزية دراسة توصلت إلى أن الدعم الأمريكي لمثل هذه القوات المحلية نادرا ما نجح. ولكن تقول بعض المصادر أن محللي الوكالة أوردوا استثناء مهما. ففي التدخلات الأمريكية الناجحة، كانت الولايات المتحدة تعمل في ارتباط وثيق مع شركائها في ميدان القتال. ويبدو أن هذا الاستنتاج وجد ما يعززه في سوريا والعراق.