أفكار وآراء

تنظيم داعش لم يَمُت بعد !!

18 يوليو 2017
18 يوليو 2017

أنتوني بيلنكن/ ترجمة: قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

يشكل تحرير الموصل (العاصمة الفعلية لداعش في العراق) نقطة تحول في الحرب ضد داعش، أخطر جماعة إرهابية في العالم. فهي لم تعد تسيطر على مساحة مؤثرة في العراق تمكنها من إيواء المسلحين الأجانب أو استغلال الموارد كالنفط مثلا.

لقد تمزقت إربا سرديتها الأساسية المتمثلة في بناء دولة فعلية. نعم ستكون إدارة ترامب على صواب في الاحتفال بنهاية خلافة داعش التي نعلمها. إلا أن الوقت مبكر جدا للشعور بالارتياح، خصوصا مع عدم وجود استراتيجية لفترة ما بعد داعش. قبل 15 عاما عندما شرع الرئيس جورج دبليو بوش في الاستعداد لغزو العراق، أثار عضوا مجلس الشيوخ وقتها جو بايدن وريتشارد لوجار مسألة مستقبلية بقولهم «بعد أن يذهب صدام حسين ماذا ستكون مسؤوليتنا؟» لم يتم استكشاف الإجابة عن هذا السؤال. ولكن قد يتضح أنه الأكثر أهمية. فما علينا سوى إحلال اسم داعش محل صدام حسين كي يظل هذا السؤال محتفظا بإلحاحه الفائق اليوم. فحتى إذا هُزِمَت داعش عسكريا ستظل الظروف السياسية والاقتصادية التي سهّلَت صعودها قائمة. (غزو العراق في عام 2003 كان أحد أسباب هذا الصعود). كيف يمكن إذن ضمان بقاء داعش مهزومة؟ الواجب الأشد إلحاحا هو بذل جهد، بموارد كافية، لتثبيت الاستقرار في المدن المحررة وتأمينها وإدارتها وإعادة بنائها كي يتمكن النازحون من العودة بأمان إلى بيوتهم. وما يُسعِد في هذا الصدد أن تحالفا من 68 بلدا بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة داعش جمع الأموال الضرورية للبدء في هذه العملية عبر الأمم المتحدة. كما توجد خطة شبيهة لسوريا. ولكن الحرب الأهلية المستمرة هناك ستشكل تحديا لجهود تطبيقها كما وضح في بطء عملية إعادة الحياة إلى مدينة الطبقة التي تم تحريرها قبل شهرين. وهي البلدة التي تعتبر بوابة للرقة، عاصمة داعش في سوريا. غير أن التحدي الأكبر هو ما سيعقب ذلك. فحوالي 25 مليونا من المسلمين السنة يعيشون بين بغداد ودمشق. لقد انفصلوا (وجدانيا) عن حكوماتهم. وما لم يتم إقناعهم بأن دولتهم ستحميهم ولن تضطهدهم ستجد النسخة القادمة من داعش (داعش رقم 2) وفرة من المجندين والأنصار من بينهم.

إن الاحتمال الأفضل للنجاح هو في العراق. ولكن إذا ترك كي يفعل ذلك بنفسه فمن المرجح أن تتكرر الأوضاع التي أدت إلى ظهور التطرف العنيف. وستصطف القوى الإقليمية كل منها وراء الطائفة التي تساندها مما يعزز عقلية اللعبة الصفرية (الإقصائية) في العراق نفسه. وهنا يأتي دور الدبلوماسية الأمريكية. لا يمكن للولايات المتحدة إملاء النتائج على العراق التي تتمتع بالسيادة. ولكن في مقدورها مساندة وتحريك وحشد أولئك الراغبين في دفع العراق في الاتجاه الصحيح. ويبدأ هذا بمساندة ما يدعوه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي «الفيدرالية الفاعلة» التي تمنح العراقيين، على مستوى المحافظات، المسؤولية والموارد اللازمة لمقابلة مستلزمات أمنهم ومدارسهم وخدماتهم وإدارة حياتهم اليومية. تلك هي أفضل طريقة لإقناع السنيين بأن مستقبلهم داخل العراق وليس مع دولة داعشية جديدة. لقد اعتاد سُنَّة العراق في الماضي على معارضة الفيدرالية مفضلين عليها الحكومة المركزية القوية. ولكن تبنيهم لها يتعزز الآن باطراد.

حقا، ينص الدستور العراقي على اللامركزية غير أنها لم تطبق بعد. وسَيَصِرُّ البعض في المجتمع الشيعي، على الاحتفاظ بغنائم حكم الأغلبية والإبقاء على سيطرة بغداد لإضعاف السنيين.

إن إحياء الفيدرالية الفاعلة يبدأ بالتطبيق الفعال لقانون يحكم مليشيا قوات الحشد الشعبي. يجب وضع قوات الحشد الشعبي الشيعية تحت سيطرة الدولة وإبعادها عن السياسة وإخراجها من المناطق السنية. كما يلزم إبقاء قوات الحشد الشعبي السنية التي تشكلت لمحاربة داعش في سجل الرواتب الحكومية وجعلها تتولى مسؤولية الأمن في مناطقها. وعلى بغداد أيضا ضمان عدم تخطي الاستثمار ومشروعات البنى الأساسية الرئيسية المناطقَ السنية. وفي الوقت ذاته على إدارة ترامب توظيف العلاقات المتينة التي بنتها مع جيران العراق العرب السنيين في الضغط عليهم للتعامل مع بغداد وتطوير التكامل الإقليمي للعراق والتخفيف من طموحات السنيين. لقد خلَّف غيابهم عن العراق فراغا.

إن المساندة غير المشروطة لأي مطلب سني يغذي الطائفية التي تعزز من تمكين بعض جيران العراق تجاه بغداد وتخاطر بتمزيق العراق. كما تشكل الطموحات الكردية تحديا مستفحلا بالقدر ذاته لاستقرار العراق.

لقد دعا زعيم الإقليم الكردي مسعود البرزاني إلى استفتاء على الاستقلال في سبتمبر القادم. وكان الأكراد قد استفادوا من ميزة محاربة تنظيم داعش للسيطرة على 70% من الأراضي المتنازع عليها بين العرب والأكراد في شمال العراق والتي لن يحبذوا التخلي عنها.

الاستقلال الكردي حلم قوي، ويرى برازاني أن تحقيقه يشكل لُبَّ إنجازاته السياسية التي سيخلفها وراءه. ولكن استعجاله سيثير غضب بغداد والسنيين، هذا إذا لم نذكر تركيا وإيران. كما سيعاني الأكراد في تحقيق الاكتفاء الذاتي إذا ظلت أسعار النفط منخفضة. وهنا أيضا يجب أن تستأنف الولايات المتحدة دورها كوسيط نزيه. ينبغي عقد صفقة يحصل بموجبها الأكراد على سيطرة أكبر على النفط في إقليمهم وتنص على بقاء القوات الفيدرالية خارجه وعلى التفاوض حول الإدارة المشتركة لمدينة كركوك الغنية بالنفط. لكن هذه الصفقة لا تتم من تلقاء نفسها. بقي سؤال واحد فقط يتعلق بنوع الوجود العسكري الأمريكي المطلوب في العراق (إذا كان ثمة داع له هناك) وذلك للمساعدة في ضمان عدم ظهور داعش مرة أخرى؟ لقد عكس خروج الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 الواقع في ذلك الوقت. حينها، كان معظم العراقيين يريدون ذهابنا. والآن مع استيقاظهم من حلم داعش المرعب قد تكون لديهم رغبة أقوى في إبقاء بعض الأمريكيين من أجل تدريب وتمكين القوات العراقية وتقديم المعلومات الاستخبارية ودعم مكافحة الإرهاب ولكن ليس المشاركة في أعمال قتالية. وستكون الكيفية التي ستشق بها إدارة ترامب طريقها في حقل الألغام السياسي هذا اختبار حاسم آخر لاستراتيجيتها.

• الكاتب نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما