الملف السياسي

الدارسات العمانيات في الخارج بين الحق والتمكن والطموح

17 يوليو 2017
17 يوليو 2017

د. صلاح أبو نار -

,, تمثل التطورات الجذرية في الوضع التعليمي للمرأة العمانية، البعد الرئيسي والجوهري من أبعاد تطور أوضاع النساء العمانيات، في سياق مسيرة النهضة العمانية الحديثة ,,

ذلك أن التعليم هو المدخل الرئيسي لمشاركة المرأة العمانية في قوة العمل الحديثة، والشرط الجوهري لانضمامها إلى مؤسسات الدولة الحديثة، وضمانة تأهلها للحصول على حقوقها الاجتماعية والسياسية، وقدرتها على ممارسة وحماية تلك الحقوق ومصدر وقاعدة التحولات الثقافية المؤسسة للنسق الثقافي المنظم لوضع المرأة في مجتمعها، عبر تدرجاته المتصاعدة من الأسرة إلى المجتمع المحلي إلى الجماعة المهنية أو التعليمية وانتهاء بالجماعة الوطنية.

ويمكن رصد تطور الوضع التعليمي للمرأة العمانية عبر عدة منظورات. منها منظور نسبة مشاركتها بالمقارنة بالذكور، في مؤسسات التعليم بمختلف مستوياتها، وعبر انتشارها بين الريف والحضر. ومنها درجه المساواة بين الإناث والذكور، في ممارسة الحق في التعليم، وحرية اختيار المجال التعليمي، والمساواة في العمل والترقي داخل المؤسسات التعليمية. ومنها مدى المساواة بين الجنسين، في متابعة الحق في التعليم في سياق ظروف خاصة، مثل زواج النساء قبل أو خلال الدراسة، أو سفر الإناث المنفرد لاستكمال دراستهن في الخارج.

وعندما ننظر إلى وضع المرأة التعليمي عبر تلك المنظورات، سنجد المرأة العمانية قد تمكنت عبر مسيرة النهضة العمانية، من تحقيق إنجازات كبيرة، تقربها تماما من وضع الرجال العمانيين. تصل نسبة الإناث في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها، إلى ذات نسبة الذكور فيها. وتتمتع النساء العمانيات بكامل حريتهن، في ممارسة حقهن في التعليم واختيار تخصصهن التعليمي. كما تنعم النساء العمانيات بوضع مساوٍ لوضع الرجال، فيما يتعلق بالعمل داخل المؤسسات التعليمية، سواء من حيث النسبة العددية أو من حيث إمكانية الترقي.

ويعتبر حق الإناث في المتابعة المنفردة، لدراستهن في الخارج وبالذات في البلدان الغربية، احد المؤشرات المهمة على تطور وضع المرأة التعليمي في عمان. ولدينا في هذا الصدد دراسة ميدانية أخرى أعدها باحثان عمانيان، تتناول حق الدارسات العمانيات في السفر المنفرد للدراسة في الخارج بين وعي الدارسات ووعي الوالدين.

نشرت الدراسة بالإنجليزية عام 2012، في المجلة الدولية للتنمية المستدامة لوكالة أونتاريو للتنمية الدولية، بعنوان «قبول الوالدين والدارسات الإناث لظاهرة دراسة الإناث في الخارج: دراسة ميدانية لسلطنة عمان». وأعدها الباحثان العمانيان: صفية بنت رشيد بن صابح المخمرية وإسماعيل بن حسين امزات، من كليه التربية بجامعة السلطان قابوس قسم أسس التربية والإدارة.

أجريت الدراسة على عينة، مكونة من ثلاث مجموعات. مجموعة من عشرين طالبة يدرسن في أستراليا، تتراوح سنهن بين 21 و23 سنة وينتمين إلى الريف والحضر. ومجموعة من آباء-أمهات طالبات أستراليا، عددها مماثل لعدد الطالبات، وإن لم تحدد الدراسة نسبة الذكور والإناث فيهم. وخلال المقالة سنشير اليهم اختصارا بمصطلح الآباء. هؤلاء الآباء أنهى 10% منهم دراسته الثانوية، ونال 10% منهم الدكتوراه، وأنهى 80% تعليمه الجامعي. والمجموعة الثالثة من عشرين امرأة، من أعضاء هيئة تدريس جامعة السلطان قابوس، درسن في كندا وإنجلترا وأمريكا، وأنهين دراسة الماجستير، وتوزعت أصولهن بين الحضر والريف.

ما الذي تخبرنا به الدراسة؟ يمكننا تحليل مضمونها عبر ثلاثة مفاهيم أساسية: الحق والتمكن والطموح. الحق بمعنى درجة وطبيعة الإيمان بحق الفتاة في السفر للدراسة، والتمكن بمعنى قوة وطبيعة الوعي بقدرة الفتاة على مواجهه تحديات الدراسة، والطموح بمعنى وعي الهدف من السفر للدراسة على المستويين الخاص والعام. يظهر الحق كما تعيه الدارسات، بالتوازي مع الحق كما يعيه الآباء. فيما يتعلق بالدارسات، قال: 19 من مجموعة أستراليا أن المرأة العمانية لا ينبغي منعها من السفر للدراسة بالخارج، ولم يشذ عن هذا الرأي سوى دارسة قالت إنه لا رأي لها. ولكن هذ الايمان بالحق الذاتي ، لا ينسخ أو يتخطى سلطة الأب، بل يتفاعل جدليا معها. فلقد وافق 13 دارسة من المجموعة، على حق الآباء في منع بناتهم من الدراسة في الخارج، ورفض أربعه الفكرة. ووافق 16 منهن، على عبارة تقول: الوالدان يشكلان جزءا أساسيا في عملية صنع قرار الدراسة في الخارج، ولم يرفض الرأي سوى اثنتين. وهنا نلاحظ أن نسبة الموافقة على هذه العبارة، أعلى من نسبتها على العبارة السابقة بثلاث فتيات، وأن نسبة المعترضات عليها نصف المعترضات على العبارة السابقة. وهذه الفروق رغم هامشيتها لها دلالتها الواضحة. فالمشاركة في اتخاذ القرار تتسق مع وعي الفتاة بحقها في الدراسة، بالمقارنة مع حق الوالدين في المنع، حتى لو انتهت المشاركة بالمنع.

وفي المقابل أبدى آباء مجموعة أستراليا، درجة إيمان عالية بحق فتياتهم في الدراسة في الخارج، فقال 13 منهم: إن كل الدارسات العمانيات لهن الحق في الدراسة في الخارج، ورفض اثنان ذلك. وهنا نلاحظ أن نسبة الآباء المؤمنين بحق فتياتهم، تماثل نسبة الفتيات المؤمنات بحقهن في منع بناتهم من الدراسة في الخارج.

ولكن كيف مارس الوالدان هذه القناعة عمليا؟ قال نصف دارسات أستراليا: إن الوالدين وافقا فورا على رغبتهن في السفر للدراسة. وشرحت إحداهن: «وافقا على قراري، لأنه يستهدف الدراسة، وتعودت منهما تشجيعي على انتهاز أي فرصة للدراسة». وفي المقابل رفض 45% من الآباء الفكرة في البداية، إلا أن الموقف خضع لعملية تفاوضية إرادية بين الطرفين، انتهت بنجاح الفتيات في إقناعهم. وكما شرحت الدارسة: «في البداية رفضا، ومع مرور الوقت وافقا، وشرعا يشجعاني عليها». وكان التفاوض أحيانا في حاجة لدعم طرف ثالث، وكما شرحت إحداهن: «في البداية رفضا، فذهبت إلى عمي وطالبته بالتدخل، وبالفعل تمكن من أقناعهما».

يسير رأي مجموعة الجامعة، في اتجاه رأي مجموعة أستراليا ذاته، ولكن مع تفاوت في النسب. ففي مواجهة عبارة: «وافق والدي فورا على قراري بالسفر لمواصلة درجتي العلمية»، قال 16: إنهم رفضوا فورا وأفاد أربعة بموافقتهم. وفي مواجهة عبارة: «لم يرحب والدي بفكرة السفر للخارج وحيدة»، وافق 16 ورفضها أربعة. وهنا نلاحظ اختلافات وتوافقات بين المجموعتين.

يبدو الاختلاف في ارتفاع نسبة معارضة الوالدين في مجموعة الجامعة قياسا على أستراليا. وهو فارق يمكن رده للتأثير الإيجابي للزمن، بافتراض أن سفر مجموعة الجامعة اسبق على سفر مجموعة أستراليا. ويبدو التوافق في انتهاء معارضة الآباء إلى موافقتهم، بالتأكيد كنتيجة لعملية تفاوضية، مماثله للعملية التي انتهت بإقناع 45% من آباء مجموعة أستراليا.

ماذا بشأن ما دعوناه بالتمكن؟ يقصد بالتمكن مدى قدرة الدارسات، على مواجهة بيئة حضارية وتعليمية واجتماعية مختلفة، والتكيف الناجح معها.

لم يوافق أي من دارسات أستراليا، على عبارة: مشاكل التكيف التي واجهتها كانت صعبة لدرجة لا يمكن التغلب عليها، ورفضتها 16 دارسة، وهو مؤشر عالٍ للقدرة على التكيف. وفي الاتجاه نفسه قالت 25%: إنهن واجهن مشاكل دعتها الدراسة بالصدمة الثقافية. ولم يقل احد بمواجهة مشاكل في التكيف مع النظام التعليمي. وأفادت 15% أنهن واجهن مشاكل تتصل بالطعام والانتقال والإقامة. والحاصل أن التحديين الثقافي والتعليمي، جوهر عملية التكيف وبالتالي اخطر تحديات القدرة على التكيف، لم يواجه أولهما سوى 25%، ولم يواجه ثانيهما أي من الدارسات.

وجاءت إجابات مجموعة الجامعة في اتجاه إجابات دارسات أستراليا نفسه. فقد أفادت المجموعة كلها، أن دين الدولة التي قررن الذهاب إليها، لم يكن عاملا مهما في اختيارها، وهو ما يشير إلى استعداد مسبق عال لمواجهه مشاكل التكيف، في احد اخطر مجالاتها: الدين.

وقالت 90%: إنهن لم يواجهن أي مشاكل في التعامل مع النظام التعليمي للجامعة المضيفة، و70% أنهن لم يواجهن صعابا في التكيف مع الحياة الاجتماعية، و85% أنهن لم يواجهن مصاعب في التوافق الاجتماعي مع أبناء تلك البلاد. كانت رؤية آباء دارسات أستراليا لمسألة قدرتهن على التكيف إيجابية عامة. قال 12 منهم (بنسبة 60%): إن الدارسات العمانيات في إمكانهن تحمل مسؤولية انفسهن خلال الدراسة في الخارج، ولم يرفض أي منهم تلك الفكرة. وقال 11 منهم (بنسبه 55%): إن الدارسات العمانيات قادرات على التكيف مع الحياة في البلد المضيف، ورفض خمسة ذلك. وبمقارنة مستوى ثقة الآباء في قدرة بناتهم على التكيف، سنجده اقل من مستوى ثقة الفتيات في قدرتهن. وهو تفاوت طبيعي، ورغم وجوده تظل ثقة الآباء مرتفعة، فالأغلبية تثق فيهن بنسبة تتراوح بين 55% و60%.

نصل الآن إلى المفهوم الثالث والأخير: الطموح. فيما يتصل بالهدف العام من الدراسة في الخارج، قالت كل دارسات أستراليا: إنهن يثقن بأنها ستعود بالنفع على المرأة العمانية. وفيما يتصل بالأهداف الخاصة، قالت 19%: إن السفر سيساعدهن على الحصول على وظيفة افضل، إلا أن الهدف الذاتي للسفر يتعدى نطاق التقدم المهني. فلقد أفادت كل دارسات المجموعة، أنهن يردن اكتساب خبرة عامة بالحياة، وأن يصبحن أكثر خبرة في التعامل مع البشر، وأن يتعاملن مع ثقافات وأساليب حياة أخري جديدة.