abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش ومتون: في بيتنا قلعة

15 يوليو 2017
15 يوليو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

حين دعانا أحد وجهاء ولاية الخابورة في فلج بني ربيعة إلى إلقاء نظرة على ما تبقّى من الحصن الذي يحمل اسم الفلج، فتح الباب الكبير لبيته وقال: «انظروا، إلى ذاك الجانب»، اختلسنا النظر إلى حيث أشار، فإذا بسور قلعة، وعندما لاحظ دهشتنا قال: «هذه قلعة خاصة بالعائلة»، فتذكّرت صديقي الذي دعانا لمنزله بعد جولة في وادي بني خالد، وبعد أن تناولنا وجبة دسمة من الطعام خرجنا لنغسل أكفنا، فقال: «يمكنكم غسلها بماء الفلج» فظننا أن المكان يقع على بعد مسافة، وبعد عدة خطوات، من غرفة الاستقبال وجدنا أنفسنا عند فلج يخترق البيت!، فقلت له: يحق لك أن تقول (في بيتنا فلج)، فضحك، وقال: «بعض الأفلاج تخترق البيوت لطول مساراتها»، وإذا كنتُ قد استوعبتُ فكرة أن تخترق الأفلاج البيوت من جوانبها، فمن الصعوبة أن أستوعب فكرة مشاهدة قلعة داخل بيت!، ولكن تجسدت هذه كحقيقة في منطقة (فلج بني ربيعة)، حيث أخذ الفلج اسمه من قبيلة بني ربيعة ذات الجذور التي تمتدّ في عمق الجزيرة العربيّة، ومشاهدتي لقلعة داخل بيت سكني، دليل أنك حينما تكون بأرض عمان، فأينما توجّه وجهك تجد قلاعا وحصونا، وآثارا تدلّ على عمق تاريخها الحضاري.ولكي يرينا مضيّفنا الشيخ (محمد بن خليفة الربيعي) الحصن، سار بنا بضعة أمتار، وإذا بنا وجها لوجه أمام الحصن، المبني من الطين، والحجر، والطوب،ومواد البناء التي كانت تستخدم قديما، وكان يمتدّ أمامنا، رغم تجاعيد الزمن الظاهرة بوضوح على جدرانه التي تهدّم بعضها، شاهدنا بقايا أبراجه الثلاثة، (الغربي، والجنوبي، والشرقي، وهو الأعلى، ويسمّى برج الريح)، وثلاثة مدافع (واحد من الصفر، أي من النحاس، والآخران من الحديد)، وكانت، هذه المدافع، تستخدم لحماية الحصن، والدفاع عنه، من الغارات زمن الحروب القبلية، واليوم يستعان بها في الأفراح، والأعياد، والمناسبات الوطنية، لذا يحرص أبناء المنطقة على إدامتها، والعناية بها، وعلى بعد أمتار قليلة يمتدّ شريان المنطقة، الفلج الذي يروي مساحة أكثر من 2000 متر، هذا الشريان يغذّي المنطقة بالكامل، ويوفّر لسكّانها ماء الشرب، والغسيل، وريّ المزروعات، وسدّ الاحتياجات المنزلية، وقد اكتسب موقعه أهميّة استراتيجيّة، فكان يمثّل محطّة استراحة للقوافل التي تتنقّل بين منطقتي الباطنة، والظاهرة، تلك القوافل كانت تستمتع بعذوبة مياه الفلج المتدفّقة من جبال الحجر الغربي، ولم يكن الفلج المصدر الوحيد للماء، فهناك مياه الآبار، وقد شاهدنا في جانب من الحصن بئرا كان سكّان الحصن يرتون منها، وخلال تلك الجولة، كان التاريخ حاضرا، بكلّ شموخه، فكما هو معروف أن الحضارات تقوم على مصادر المياه، فإنّ تلك الشواهد لاتزال موجودة، فعلى بعد مسافة من الحصن توجد بعض الحارات القديمة، والمقابر الأثرية، وهناك ما يؤكد على نشوء الصناعات كصناعة النحاس، كما هو في قرية الحريمة، التابعة لحجر بني ربيعة، وهذه الصناعة يعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ويوجد بها برج شامخ، إذ يقع الوادي وسط الجبال، ويوجد فلج داودي يغذي القرية بأكملها، وعلى مسافة قريبة منه تقع (خزام)، التي تتباهى بحصنها المعروف، والحارات القديمة وأشار مضيّفنا إلى وجود رسومات صخريّة منقوشة على صخرة كبيرة يعود تاريخها إلى ما قبل اكتشاف الكتابة، تروي تلك الرسومات وقائع معركة، جرت بالسيوف، والتروس، والرماح، ويعتلي المتحاربون ظهور الخيل، وفي قرية(الفرضة) يوجد (بيت القبض ) الأثري الذي كان يستخدم لحماية المنطقة من غارات الأعداء، وفي (وادي القويرة) توجد مزارع قديمة، وهضبات، وتعتمد في السقي على ( العوقد) أي حسب الأمطار الموسميّة، والأودية، والآبار.تجوّلت على أرضيّة الحصن، وجدرانه التي أضحت يبابا، وهناك بعض الجدران ظلّت صامدة، شاهدت الفتحات التي كانت تدخل من خلالها فوّهات البنادق، وأماكن التخزين، تخيّلت الحياة التي كانت تمور داخله، وحركة الجند الذين يدافعون عنه، والحرّاس، ودبيب الحياة، قبل أن يلقي الزمن كلمته الفاصلة، ويتهالك على مراحل كان آخرها في الثمانينات، بفعل العوامل البيئية، وبما أن الحصون تلك مسجّلة في وزارة التراث والثقافة، لذا نتمنى من الجهات المعنيّة مضاعفة الجهود لترميمها، كونها جزءا من تاريخ عمان، وموروثاتها، والشاهد على صلابة إنسانها منذ القدم.