أفكار وآراء

مستهلكو الصين والمزيد من العولمة

12 يوليو 2017
12 يوليو 2017

جو كيوين - ترجمة قاسم مكي -

الصين ديلي -

ارتفعت أصوات الذين يتحدثون عن التحديات التي تواجهها العولمة. يحدث هذا في وقت لم يتخلص فيه اقتصاد العالم بعد من الظلال الكالحة التي ألقتها عليه الأزمة المالية العالمية عام 2008. ولكن لدى المستهلكين الصينيين نظرة مختلفة عن آراء هؤلاء الناس حول مستقبل العولمة.

لقد صدر قبل أيام التقرير السنوي لبنك التسويات الدولية الذي يطلق عليه وصف «البنك المركزي للبنوك المركزية». خصص التقرير فصلا كاملا لتفنيد حجج الدعوة إلى الحمائية التي ظلت تشكل جزءا من هجمة مضادة اجتماعية وسياسية واسعة ضد العولمة. (تعني الحمائية، حسب موسوعة إنفيستوبيديا، الممارسات والسياسات الحكومية التي تقيد التجارة العالمية بهدف حماية أنشطة الأعمال والوظائف المحلية من المنافسة الأجنبية. وتشمل فرض الرسوم الجمركية والحصص على الواردات وتخصيص الدعم المالي والتخفيضات الضرائبية للشركات المحلية. والهدف الأساسي للحمائية هو جعل المنتجين المحليين أكثر قدرة على التنافس إما برفع أسعار الواردات أو تقليل كمياتها - المترجم) يؤكد التقرير على أن التراجع عن العولمة سيوجه ضربة كبرى لمستقبل التوسع المستدام والمتين لاقتصاد العالم. لدى بعض البلدان المتقدمة التي سبق لها التمتع بمعظم المنافع المبكرة الناشئة عن تحسين مستويات المعيشة والمتولدة عن العولمة أسباب وفيرة تدفعها لمراجعة افتقارها في الماضي للسياسات المطلوبة للدفع بالإصلاحات اللازمة للمحافظة على إنجازات العولمة وفي ذات الوقت تصحيح عيوبها. وهي عيوب ربما كانت قد ساهمت في توسيع نطاق اللامساواة داخل اقتصاداتها.

من المؤكد أن « تفكيك العولمة» ليس هو الحل لمشاكل هذه البلدان. أما المستهلكون الصينيون فإنهم في الحقيقة يعارضون أية مقترحات حمائية. لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم الآن، وبعد عقود من الكد والنمو المنتظم لدخولهم، أكثر من سعداء بعدما وجدوا أن الاقتصاد الذي يتعولم دون هوادة يقدم لهم خيارات يتسع نطاقها باستمرار لمنتجات من شتى أرجاء العالم في الحقبة الحالية للتجارة الرقمية.

لقد بدأ الشعب الصيني في الكشف عن إمكاناته الكبيرة في تحريك النمو الاقتصادي بعد أن تجاوز دخل الفرد فيه من الناتج المحلي الإجمالي 8000 دولار. وهو يفعل ذلك بتحوله إلى «فئة المستهلكين ذوي الدخل المتوسط» بدلا من اكتفائه فقط بوصف (العمال ذوي الإنتاجية المرتفعة) من المعتقد أن النمو الضعيف نسبيا للاستهلاك كان يشكل صداعا لواضعي السياسات في الصين. فهؤلاء المخططون متلهفون للتقليل من اعتماد بلدهم المفرط على الاستثمار في الأصول الثابتة والصادرات لتأمين نمو اقتصادي لا يقل عن رقمين عشريين (أكثر من 9%). والآن ودون مقدمات يبرز الاستهلاك المستقر والمنتظم كمحرك قائد للنمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لقد شهد الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 6.9% على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام، وهو ما يشكل أسرع وتيرة للنمو منذ الربع الثالث لعام 2015.

وساهم الاستهلاك بما يصل إلى ثلاثة أرباع هذا النمو في الناتج المحلي الإجمالي. ربما لا يزال الوقت مبكرا للاستنتاج بأن الصين تحولت بنجاح من النمو الذي يقوده الاستثمار والصادرات إلى الاقتصاد المرتكز في نموه على الاستهلاك. لكن الحقيقة هي أن الاستهلاك كان مسؤولا عن حوالي ثلثي النمو في العام الماضي. إلى جانب ذلك، فإن حماس المستهلكين الصينيين المذهل للتسوق عبر الإنترنت وتزايد قوتهم الشرائية يبرران حقا التفكير مجددا في إمكانية نجاح انتقال الصين إلى الاقتصاد الذي يقوده الاستهلاك في الأعوام القادمة.

إن الصين هي أكبر مركز تسوق عبر الإنترنت في العالم. فقد أنفق مئات الملايين من المستهلكين الصينيين حوالى 5.15 تريليون يوان ( 814.42 بليون دولار أمريكي) في الشراء بهذه الطريقة ( عبر الإنترنت) في العام الماضي وذلك بزيادة سنوية بلغت 26%. وفي الأشهر الخمسة الأولى لهذا العام بلغت قيمة مبيعات التجزئة عبر الإنترنت 2.47 تريليون يوان (363 بليون دولار أمريكي)، بنسبة زيادة وصلت إلى 32.5% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وبما أن المستهلكين الصينيين صاروا أكثر وعيا بنوعية المنتجات أو الخدمات المعروضة في السوق ويتزايد إلمامهم بالعلامات التجارية المميزة لهذه المنتجات والخدمات لم يكن مدهشا أن نرى نموا في مبيعات الصين عبر الإنترنت من خارج الحدود في العام الماضي بنسبة بلغت 23.5% أو 6.3 تريليون يوان.

لقد اكتسبت العلامات التجارية الكبرى للمواد الاستهلاكية وأسواق السوبر ماركت ومتاجر التجزئة الرئيسية في البلدان المتقدمة شعبية كبيرة وسط المتسوقين الصينيين على الإنترنت. وذكرت منصة «علي بابا» الصينية العملاقة للتسوق الإلكتروني أن في مقدورها إيجاد مليون وظيفة في الولايات المتحدة في الأعوام الخمسة القادمة من خلال مساعدة مليون منشأة أعمال صغيرة على بيع منتجاتها إلى المستهلكين في الصين وجنوب شرق آسيا.

ويبدو أن المستهلكين في الصين مهيأون للاستفادة أكثر من العولمة وأيضا المساهمة فيها. يواجه الاقتصاد المعولم حقا تحديات صعبة حيث تحاول البنوك المركزية حول العالم التعامل مع النتائج الوخيمة للوفرة المفرطة في الأموال الرخيصة (إمكانية الحصول على قروض عند أسعار فائدة متدنية). ولكن إذا كان في مقدور المستهلكين في الصين احتضان العولمة من أجل حياة أفضل فماذا لا يتحدث واضعو السياسات الدولية عن أفضل كيفية للاستفادة من هذا الاتجاه بدلا عن التفكير في تفكيك العولمة؟