أفكار وآراء

« داعش» يتمدد شرقا .. فهل يصمد طويلا ؟!

11 يوليو 2017
11 يوليو 2017

علاء الدين يوسف -

,,إن انحسار التنظيم «الداعشي» على الأرض في سوريا والعراق قابلته يقظة واضحة في بعض الخلايا النائمة التي زرعها «داعش» أو جماعات والته من تلقاء نفسها في أكثر من دولة،خاصةً بعد أن عاد بعض أفراد التنظيم إلى بلدانهم ,,

لاشك في أن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وخسائره المتتالية على الأرض السورية تمثل تطورات مهمة تبعث على الارتياح في مختلف أنحاء العالم، وإن كانت في حد ذاتها نتائج متوقعة منذ بدايات الحملات العسكرية الوطنية الجادة والمنسقة على مواقع التنظيم الإرهابي، في ضوء حقائق منطقية تؤكد انه لا يمكن لتنظيم إرهابي مهما كانت قوته أن يهزم دولة مستقرة، فانحسار داعش وتراجعه وهزيمته بشكل نهائي لم يكن تخمينا بقدر ما هو حسابات دقيقة للحقائق على الأرض بغض النظر عن خلفيات وأسباب نشأة هذا التنظيم والقوى التي مهدت له واستغلته لخلق الموقف الإستراتيجي الجديد الذي رأيناه على أرض الواقع في عدد من الدول العربية وخاصة في العراق وسوريا.

ولكن مثلما حدث مع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن والذي تم تأسيسه بهدف محاربة القوات «السوفيتية» في أفغانستان خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، وسرعان ما تحول عن هدفه الأساسي وتحول إلى مصدر « إلهام» لكثير من الجماعات والتنظيمات «الجهادية» المتطرفة وداعما لها وحاضنة أساسية لتفريخ كوادرها، يتكرر الأمر ذاته مع تنظيم داعش الإرهابي، فنشأته على أرض العراق وسوريا لتحقيق أهداف معينة لم تحل دون تحوله إلى «قبلة» أساسية لكثير من الجماعات الإرهابية في مناطق عديدة من العالم مثل قلب افريقيا وليبيا وسيناء في مصر وكذلك في دول أوروبية في شكل خلايا نائمة أو ذئاب منفردة شنت عديدا من العمليات الإرهابية المروعة، إلا أن التمدد الأشد خطورة لهذا التنظيم وقع إلى الشرق الآسيوي وعلى وجه التحديد في أفغانستان ودولة الفلبين، وسبب الخطورة أنه يأخذ الشكل التنظيمي المتكامل من حيث الأفراد والعناصر القتالية والعتاد والأسلحة والمساعدات اللوجستية والمواقع الجغرافية الحاضنة التي تمثل قواعد انطلاق لعملياته الإرهابية، ولم يكن مثل هذا التمدد ليتم كذلك لولا وجود جماعات متطرفة على أرض تلك الدول كما هو الحال بالنسبة للقاعدة في أفغانستان وجماعات أخرى متطرفة في جنوب الفلبين. وترصد تقارير عديدة هذه الظاهرة بالتأكيد على أنه بعد أن قام تنظيم «داعش» بضرب عدد من الأهداف في آسيا الوسطى، منها على سبيل المثال الهجوم على مطار أتاتورك بمدينة اسطنبول يونيو 2016، والهجوم على السفارة الصينية في العاصمة القرغيزية بشكيك 30 أغسطس من العام نفسه، وهجوم آخر في الثالث من أبريل على مترو سان بطرسبرج في روسيا، اتجه التنظيم الإرهابي بعد ذلك إلى مدينة «ماراوي» بجزيرة «مينداناو» الواقعة جنوب الفلبين وذلك في هجوم مفاجئ لخلايا تابعة له داخل المدينة، أسفر عن مقتل أكثر من 19 مدنيا و11 من قوات الشرطة وفرار نحو 50 ألفا، ووقوع نحو 2000 آخرين في قبضة «داعش»، بينما أعلن «داعش» مسؤوليته عن عدة هجمات في مختلِف أرجاء جنوب شرق آسيا في العامين الماضيين، لكن المعركة في مدينة «ماراوي» كانت أول مواجهةٍ طويلة مع قوات الأمن حيث تعد جزيرة «مينداناو» قاعدة خصبة للمتشددين من جنوب شرق آسيا ومن خارجها بسبب شيوع الفقر وغياب القانون وحدود الجزيرة غير المؤمنة.

الاشتباكات في مدينة «ماراوى» بدأت بعد محاولةٍ أمنية فاشلة للقبض على «إسنيلون هابيلون» أو «عبد الله الفلبيني» أحد زعماء جماعة «أبو سياف» التي اكتسبت سمعةً سيئة بسبب أعمال قرصنة وخطف وذبح ضد أهداف غربية، والمعروف أن جماعة «أبو سياف» كانت قد أسست في التسعينات تنظيما «جهاديا» بدعمٍ مالي من «تنظيم القاعدة» داخل مناطق المسلمين جنوب الفلبين، وتعد «أبوسياف» مجموعةً متطرفة انشقت عام 1991 عن «جبهة تحرير مورو»، التي قادت حربا ضد القوات الحكومية لعِدة عقودٍ للحصول على حكمٍ ذاتي في هذه المنطقة، وتمثل القِوام الرئيس للمتمردين في أرخبيل «ميندناو» جنوب الفلبين، وقد بايعت هذه الجماعة تنظيم «داعش» في 2015، كما تبنت مسؤولية هجومٍ إرهابي في سبتمبر 2016 في مدينة «دافاو» مسقط رأس الرئيس الفلبيني والذي أسفر عن مقتل 14 شخصا.

ومن الجماعات الإرهابية الأخرى النشطة في الفلبين جماعة «مواتي» التي تضم عناصر أعضاء جبهة الحرية الإسلامية «مورو» وعددا من الإرهابيين الأجانب، وكان الأخوان «عبد الله مايوت» و «عمر مايوت» قد أسسا هذه الجماعة في 2013، وقد أعلن مصدر في المخابرات الفلبينية نزوح ما يقرب من 40 مقاتلا أجنبيا إلى الفلبين كانوا ضمن 500 مقاتلٍ اجتاحوا مدينة «ماراوي» في جزيرة «مينداناو» التي تعاني منذ عشرات السنين من انتشار العصابات والمتمردين المحليين والحركات الانفصالية، كما توجد «جماعة أنصار الخلافة الفلبينية»وهي جماعةٌ إرهابية نشأت في أغسطس 2014 عندما أصدرت شريطَ فيديو يتعهد بالولاء لتنظيم «داعش»، إلا أن القواتِ المسلحةَ الفلبينية تصنف الجماعة على أنها عصابات تشارك في أنشطة سرقة الماشية، ويقع المقر الرئيسي للجماعة في مقاطعتي»كوتاباتو»الجنوبية و«سارانجاني» وكان يقودها في البداية «أبو شريفة».

وتعتبر «جماعة أنصار الخلافة» أقربَ صلةً لمقاتلي «داعش» في سوريا من بين الجماعات الإرهابية المحلية في الفلبين، وقد قُتل «محمد جعفر ماجويد» الذي حدده مسؤولون أمنيون فلبينيون كرئيس لجماعة أنصار الخلافة الفلبينية في عملية قامت بها وكالة تنسيق الاستخبارات الوطنية والشرطة الوطنية الفلبينية في يناير الماضي، وأخيراً أعلن الرئيس الفلبيني «روديجو دوتيرتي» الأحكام العرفية في البلاد بهدف القضاء على ما وصفه بأنه غزو لتنظيم «داعـش» ودعا الجيش للتأهب من أجل استعادة السيطرة على المدينة، ومن جانبه أكد متحدث باسم الجيش استمرارَ المعارك بين القوات الفلبينية وبين عناصر «داعش» خلال الأيام الماضية، مشيرا إلى أنه تمت استعادة السيطرة على معظم أجزاء المدينة بعد أسبوع من المعارك بين الجانبين، وهي المعارك التي شهدت مشاركة من جانب عناصر عسكرية أمريكية.

ويرى خبراء أمنيون في هذه التطورات أن تنظيم «داعش» ينهزم في العراق وسوريا ويتناثر في مناطقَ من آسيا والشرق الأوسط ويعتقد الخبراء أن ارتفاع معدل هذه الهجمات في الدول الأسيوية يعكس نتائج عملية لهزائم «داعش» في سوريا والعراق ومدى تأثير التنظيم على الجماعات المتطرفة في منطقة آسيا الوسطى،ويعني في الوقت نفسه إمكانية عودة عناصر «داعش» إلى دولهم، علاوةً على ذلك تعتبر أفغانستان ودول الجوار في آسيا الوسطى أرضا خصبة لنمو «داعش»، مما أدى إلى بروز قلق لدى قوى إقليمية كبرى في المنطقة وعلى رأسها روسيا التي تتخوف من انتشار الإرهاب في آسيا الوسطى تحديدا، ولاشك في أن توجهات موسكو من آسيا الوسطى هي موقف عسكري أمني من الدرجة الأولى، وجولة الرئيس بوتين الأخيرة في المنطقة خاصة في طاجكستان وقرغيزيا وتأكيده أهمية القواعد العسكرية الروسية في البلدين خير دليل على ذلك، ولم يتطرق «بوتين» خلال الزيارة إلى أهداف اقتصادية وإنما أمسى الوجود الأمني والعسكري في آسيا الوسطى إلى ضرورة بالنسبة إلى الجانب الروسي بسبب انضمام عددٍ كبير من الروس ودول آسيا الوسطى إلى «داعش» وخطر عودتهم إلى بلدانهم مرة أخرى وإعلان الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى والقوقاز الولاء لـ«داعش» وتشكيل نواة «داعشية» صغيرة والمخاوف من تمدد «داعش» مباشرةً من أفغانستان من أهم مصادر تهديد «داعش» النظامَ الروسي.

ويعني ذلك أن انحسار التنظيم «الداعشي» بالفعل على الأرض في سوريا والعراق قابلته يقظة واضحة في بعض الخلايا النائمة التي زرعها «داعش» أو جماعات والته من تلقاء نفسها في أكثر من دولة،خاصةً بعد أن عاد بعض أفراد التنظيم إلى بلدانهم، ليس فقط من أجل استقطاب عدد أكبر من الشباب إلى السفر إلى مناطق النزاع ولكن أيضا للقيام بزرعِ خلايا إرهابية «داعشية» في هذه الدول، يكون من مهامها ضرب الاستقرار والقيام بعمليات إرهابية، مستغلين جميع السبل التي تؤدي إلى هذا الهدف حتى لو كان من قبيل الدهس أو الطعن أو التفجير، ولكن الشيء المؤكد أن هذا التمدد الداعشي الجديد - برغم مخاطره الجسيمة بالقطع - لن يصمد طويلا ولن تكتب له الحياة كونه شراذم للتنظيم الأساسي الذي يندثر يوما بعد آخر فضلا عن أن جماعات إرهابية ومتطرفة أخرى أرادت أن تلتصق به لتحقيق أهداف ذاتية طال انتظارها بينما لم يجد عناصر داعش أفضل منها كبيئة حاضنة للجوء أو ممارسة العمليات الإرهابية ولو إلى حين.