الملف السياسي

هل تنجح مواجهة الإرهاب بالقوة العسكرية؟

10 يوليو 2017
10 يوليو 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن الإرهاب لا يزال يقاوم المواجهة العسكرية في دول عديدة خصوصا في العراق و سوريا، على الرغم من الحشد الدولي الكبير الذي يتصدى له منذ عدة سنوات ولا يزال، فكيف استطاعت هذه الجماعات الإرهابية الصمود، طوال هذه السنوات في العراق وسوريا وليبيا، وبعض الجيوب في دول أخرى؟ الحقيقة أن الإرهاب للأسف استطاع أن يتغلغل في بعض هذه الدول، لأسباب عديدة منها أن بعض الأخطاء التي حصلت في بعض تلك الدول بشكل أو بآخر، حيث لم تكن هناك طرق لاحتواء بعض المشكلات سوى بالقوة العسكرية، كما أن بعض العسكريين العراقيين السابقين الذين كانوا ضمن قوات النظام العراقي السابق قبل غزو العراق عام 2003، الذين تم تسريحهم من الجيش بتهمة أنهم كانوا مع ذلك النظام البعثي السابق، قد انضموا إلى داعش. صحيح أن التنظيم استفاد من الأخطاء السياسية الكثيرة التي حصلت في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي، والتجاوزات من بعض التيارات السياسية التي ضربت على مسألة المذهبية في بعض المواجهات، لكن غالبية الشعب العراقي بكل فئاته، يريد الاستقرار، ويريد التعايش الذي كان وعبر قرون قد عزز الوحدة الوطنية العراقية. والإشكالية أن بعض المنظمات الإرهابية أيضا دخلت على الخط من دول عديدة، نتيجة جهل بالدين، خصوصا أن كلمة إقامة الخلافة في بعض مدن العراق أوهمتهم من خلال وسائل التواصل، وبعض هؤلاء جاؤوا من أوروبا وآسيا، وهم أيضاً تم تضليلهم بشعار إقامة الخلافة وتطبيق شرع الله! لكن الأكثر تنظيماً وخبرة، هم العسكريون السابقون من الجيش السابق في العراق، وهذا ما أظهر قدرة هذا التنظيم على الصمود وعلى اتباع التكتيك العسكري سواء في معركة الموصل أو في بعض معارك المدن السورية، على الرغم من المشاركة الدولية الكبيرة، ومنها الولايات المتحدة في محاربة داعش في العراق وفي سوريا، وفي ليبيا بصورة محدودة.. لكن هذا التنظيم استطاع وهو محدود القدرات والإمكانيات العسكرية، أن يحقق صموداً واضحا استمر في الأعوام الماضية، أمام دول وحكومات كثيرة، حشدت قدراتها العسكرية لمحاربته..لكن من خلال المواجهات خلال الأشهر الماضية، فإن تنظيم داعش بدأ في التراجع في محاور عديدة في العراق وفي سوريا، والسبب الأهم هو قدرة سلاح الطيران في ضرب تجمعاتهم، خاصة وان سلاح الطيران له قدرة على السيطرة والتأثير في كل المعارك. صحيح أن حرب العصابات تمنح العناصر الإرهابية قدرات على التحرك والاختفاء واتخاذ أساليب مواجهة الكر والفر، لكن تظل قدرة السيطرة على المدن والمواقع المهمة مرحلية، وليست دائمة، ولن تكون ثابتة على المدى الطويل، بسبب تفوق الجانب الآخر العسكري والاستراتيجي، وهي قوة التحالف التي تشترك فيها دول كبيرة عربية وغربية، وهذا ما سيكون متوقعاً، وأهم الأسباب التي جعلت تنظيم داعش يتراجع عن قبضته العسكرية في العراق وفي ليبيا في الأشهر الماضية هي المشاركة العسكرية القوية لقوات التحالف من الدول الغربية لمقاتلة داعش، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى، إلى جانب التدخل الروسي الثابت والواقف إلى جانب النظام السوري، الذي يعتبر معظم المعارضة السورية، جماعات إرهابية متطرفة! ولعل السبب الأساسي للتدخل القوي لقوات التحالف الغربية ضد داعش، هي الهجمات العنيفة التي شنها تنظيم داعش في الأشهر الماضية، في فرنسا وبلجيكا وتركيا، وهذا ما جعل بعض هذه الدول تستنفر قواتها وتتحرك لمواجهة هذا التنظيم باهتمام اكبر، وليس كما كان عليه في السنوات الماضية من التردد وعدم اتخاذ مواقف سريعة، وبخطط جديدة ومركزة لضرب التنظيم بتكتيكات مختلفة، مع استخدام السلاح الجوي في ضرب مواقع تجمع قواتهم وتجمعاتهم في المدن التي تم السيطرة عليها، لأن التنظيم، أصبح خطراً حقيقياً على دولهم بعد الهجمات الإرهابية التي قتلت الكثير من الأبرياء في دول عديدة وخطرها ما يزال قائما. ويرى الكاتب حسن أبو مهنية المتخصص في هذه الجماعات «أن صعود هذا التنظيم، محلياً و إقليمياً، ليس طارئاً وهزيمته تتجاوز الجانب العسكري والأمني، إلى مواجهة الشروط الموضوعية السياسية التي تقف وراءه ووراء التنظيمات والنماذج الشبيهة. ولذلك لابد من المواجهة الفكرية أيضا،لأن هذه التنظيمات تتغذى على مستنقعات التوترات والإحباطات والإقصاء في الكثير المناطق الملتهبة، وهذا ما استفادت منه بعض هذه الجماعات للأسف، وجذبت إليها بعض هؤلاء المغرر بهم، ولذلك من المهم أن تتعاون المواجهة الفكرية مع المواجهة العسكرية، لتقليص ما تستفيد منه الجماعات التكفيرية والمتطرفة».

التنظيم الآن بلا شك ضعفت قدرته في المواجهات الأخيرة خصوصا في معركة الموصل، وأصبح يتراجع إلى الخلف، أو بالاحتماء بالمواطنين في بعض المدن التي استولى عليها قبل سنوات، وخاصة مدينة الموصل، التي كان التنظيم يحتلها وبعض المناطق المجاورة لها قبل تحريرها وطرده منها وهو ما تقوم به القوات العراقية الآن حيث يواجه ضغوطا ومطاردة متواصلة لطرده تماما منها. والإشكالية أن داعش - كما تذكر بعض المصادرـ منع الكثير من المواطنين من الخروج، وهذا كما يسمى يتخذهم دروعاً بشرية لخوفه من الضربات الجوية، لكنه حتى الآن فقد سيطرته في هذه المدينة، وهذا ما جعل التنظيم، يحاول فتح جبهات جديدة، ومنها العمليات الانتحارية في العديد من المدن العراقية والسورية الأخرى، حتى يستطيع التخفيف من الهجمات المكثفة عليه في المواقع الإستراتيجية التي سيطر عليها في السنوات الماضية.

من جانب آخر فإن النجاح في قطع خطوط إمداد التنظيم في الأشهر الأخيرة ساهم في تراجع التنظيم في بعض المناطق، إلى جانب إضعاف قدراته العسكرية، وقد انعكس ذلك على تحركاته في منطقة الحدود بين سوريا والعراق، وداخل بعض المدن التي سبق وسيطر عليها، والحقيقة أن تنظيم داعش، وان بقي متمسكاً ببعض المواقع في العراق وفي سوريا، لكنه في انحسار وفي تراجع واضح ومتواصل وتتراجع سيطرته عن المساحات التي سيطر عليها في العامين الماضيين وهو ما يفتح المجال أمام مختلف الاحتمالات التي سيلجأ التنظيم إليها لإثبات انه لا يزال على قيد الحياة، وانه لم ينته تماما، على الأقل لبعض الوقت.