أفكار وآراء

أزمة اللاجئين .. تحاصر أوروبا مجددا

09 يوليو 2017
09 يوليو 2017

عماد عريان -

عادت قضية الهجرة غير الشرعية لتنفجر بقوة مجددا في وجه دول الاتحاد الأوروبي رغم كثرة البرامج والخطط التي وضعت خلال السنوات الماضية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، فقد دبت الخلافات بشكل علني بين دول الاتحاد حول تنصل كل منها من تحمل مسؤولياته في التصدي للظاهرة المتفاقمة، بما يؤكد تبني الدول الأوروبية منذ البداية لسياسات أمنية حمائية عقيمة بدلا من البحث عن حلول سياسية شاملة لمعالجة المشكلة من جذورها مثلما سبقت الإشارة في أكثر من مناسبة، وسط توقعات بعودة مسألة الهجرة غير الشرعية إلى المربع الأول في الأجندة الأوروبية، تزامنا مع إعلان منظمة الهجرة الدولية أن عدد المهاجرين الذين دخلوا أراضي القارة العجوز عبر مياه البحر الأبيض المتوسط منذ بداية العام الجاري تجاوز مائة ألف مهاجر، بينما لقي أكثر من 2200 مهاجر حتفهم غرقا في مياه المتوسط.

ليس خافيا من حيث المبدأ أن قضية اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين التي انفجرت في وجه أوروبا بقوة في العام الماضي على وجه الخصوص وتسببت بخلافات أوروبية حادة في كيفية التعامل مع الأزمة كان لها تأثير كبير على تحولات سياسية مهمة شهدتها دول أوروبية ومن بينها «البريكست»، ولكن الأخطر أنها أثارت مخاوف الشعوب الأوروبية بشكل كبير، ما أثار النزعات القومية مجدداً للمطالبة بالحفاظ على الهوية الذاتية، وشهدت تلك الفترة صداما إيطاليا فرنسيا حيث منحت إيطاليا عام 2011 بعض وثائق الإقامة للمهاجرين الراغبين في العبور إلى فرنسا، إلا أن الأخيرة رفضت دخولهم وطالبت بتعديل اتفاقية «شنجن» لوضع بعض القيود من أجل حماية الأمن العام، وظل هذا المطلب يثور من فترة لأخرى وسط مقاومة صارمة من المفوضية الأوروبية، وبذلك اخترقت قضية «اللجوء» قلب الأراضي الأوروبية دون اتفاق واضح حول آلية التعاون بين دول الاتحاد الـ28 إزاء الأزمة، فضلا عن امتعاض دول أخرى جراء تخاذل الاتحاد عن مساعدتهم أمام الأفواج البشرية المتدفقة من الشرق الأوسط، فبدأت كل دولة في التصرف بشكل منفرد.

ومصداقا للقول الشهير «ما أشبه الليلة بالبارحة» فإن إيطاليا بدأت تجأر بالشكوى إلى حد الصراخ لتحملها العبء الأضخم من تدفقات اللاجئين رغم تراجع أعدادهم عن السابق، وارتبط بالموقف الإيطالي أزمة جديدة بإعلان وزير الدفاع النمساوي هانس بيتر دوسكوتسيل أن بلاده تنشر قوات إضافية عند حدودها مع إيطاليا لمنع تدفق موجة جديدة من المهاجرين إلى أراضيها، مؤكدا أنه يجب على إيطاليا اتخاذ إجراءات جديدة ضرورية، آخذة بعين الاعتبار وتائر تفاقم أزمة الهجرة التي تشهدها أوروبا، ولذا فإن نحو 750 عسكريا نمساويا سيتوجهون إلى المناطق الحدودية، فضلا عن حشد آليات عسكرية قرب ممر برينير شرق جبال الألب، بينما شدد وزير خارجية النمسا سباستيان كورتس على أن فيينا مستعدة لتأمين حدودها مع إيطاليا وحمايتها عند الضرورة، ما دفع وزارة خارجية إيطاليا لاستدعاء سفير النمسا لديها وقدمت له احتجاجا على هذه التصريحات، ووصف وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي قرار فيينا إرسال قوات إضافية إلى ممر برينير بأنه «مبادرة غير مبررة وغير مسبوقة» محذرا من أن هذا الإجراء في حال تطبيقه قد يلحق أضرارا بالتعاون الأمني بين البلدين، معربا عن استغرابه البالغ إزاء هذه الخطوة في ظل غياب أي وضع طارئ في الممر.

وفيما يبدو أنه محاولة لتخفيف حدة التوتر لصالح الجانب الإيطالي على وجه الخصوص حذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من أن إيطاليا لا تستطيع وحدها استيعاب عشرات آلاف المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها، داعية إلى قيام نظام لتقاسم الأعباء في أزمة الهجرة، وقالت إنها تعتزم ممارسة ضغوط من أجل آلية تدخل إقليمية في اجتماع مقبل، مشددة على الحاجة إلى توسيع مسؤولية رصد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا وإسكانهم، وقال فينسنت كوشيتيل مبعوث المفوضية إلى وسط المتوسط «ليس واقعيا أن نظن أن على إيطاليا تحمل مسؤولية كل شخص يصل إلى أراضيها، داعيا إلى مزيد من التضامن» وأضاف «لا يمكن أن يستمر هذا الأمر، نحتاج إلى أن تنضم مزيد من الدول إلى إيطاليا، وتشارك في تحمل هذه المسؤولية»، وسط تحذيرات من الصليب الأحمر الإيطالي من أن الوضع في مراكز الاستقبال المزدحمة اصبح حرجا، مع وصول 12 ألف مهاجر ولاجئ إلى شواطئ إيطاليا وحدها خلال أسبوع واحد فقط، وقال المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين فيليبو جراندي «ما يحدث أمام عيوننا في إيطاليا مأساة مستمرة»، ما دفع روما لممارسة ضغوط على دول أوروبية أخرى لفتح موانئها أمام سفن الإنقاذ لتقاسم العبء، لكن فرنسا رفضت الطلب،معتبرة أنه سيأتي «بنتائج معاكسة»!

وبررت باريس موقفها على لسان مساعد وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب بأن الاقتراح الإيطالي من شأنه تشجيع مزيد من اللاجئين على محاولة الوصول إلى أوروبا، ومن جهتها قالت منظمة «أس أو أس المتوسط» التي تشغل قوارب إنقاذ بالتعاون مع منظمة «أطباء بلا حدود» إن إجبار السفن التي تحمل لاجئين تم إنقاذهم على التوجه إلى موانئ أوروبية أخرى سيكون صعبا من الناحية اللوجستية، وتبنى كوشيتيل وجهة النظر ذاتها مشيرا إلى وجود حلول أخرى موضحا أن «سماح إيطاليا بوصول أشخاص إلى أراضيها لا يعني بالضرورة أنها مسؤولة عن كل منهم» وحض على إحياء البرنامج الأوروبي لإعادة توزيع اللاجئين الذي وضع العام 2015 بهدف نقل 160 ألف طالب لجوء من إيطاليا واليونان لدول أوروبية أخرى، وتم إعادة توزيع 20 ألف شخص فقط بينما رفضت المجر وبولندا وجمهورية تشيكيا المشاركة في البرنامج، مطالبا جميع الدول بتحمل ما يتوجب عليها في خطة إعادة توزيع اللاجئين بحيث تشمل جنسيات أخرى بدلا من اقتصارها حاليا على السوريين والإريتريين.

وفي تحرك لافت يهدف في الغالب لسد ثغرة الخلافات الأوروبية أعلنت المفوضية الأوروبية أنها أعدت خطة عمل جديدة تهدف إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية ومساعدة إيطاليا وإجبار الدول الأوروبية على تحمل مسؤولياتها في استضافة اللاجئين، وشددت مجددا في بيان لها على وجوب عدم ترك إيطاليا وحدها في مواجهة ألوف المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون البحر المتوسط بحثا عن الحياة الأفضل في القارة العجوز، مصرة على ضرورة أن تتحمل جميع دول الاتحاد الأوروبي ما يترتب عليها في تقاسم أعباء اللاجئين، وطرح البيان جملة من الإجراءات الواجب اتخاذها بشكل عاجل للحيلولة دون استمرار تفاقم أكبر أزمة هجرة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك تخصيص أكثر من 80 مليون يورو لتنشيط عدد من المشاريع المشتركة بين إيطاليا وليبيا، وذلك بغية تخفيف موجة الهجرة وتوفير الآلية المناسبة لإعادة المهاجرين بشكل آمن، وتقضي الخطة أيضا بضرورة أن يشارك أعضاء الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم إلى الدول الإفريقية الفقيرة من أجل الحد من الهجرة غير الشرعية دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

ويبرز موقف مهم هنا للمملكة المغربية خلال أعمال قمة الاتحاد الأفريقي التي انعقدت بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، بالتركيز على ملف الهجرة الشرعية وغير الشرعية باعتبارها أهم الرهانات المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية، وأكد العاهل المغربي عزمه تقديم مساهمة تتمحور حول ضرورة تطوير تصور إفريقي موحد لرهانات الهجرة وتحدياتها يكون الهدف الأول منه تغيير نظرتنا تجاه الهجرة والتعاطي معها ليس كإكراه أو تهديد بل كمصدر قوة إيجابية، ويرى محمد الزهراوي الباحث في العلوم السياسية أن الخطاب الملكي جاء مليئا بالإشارات الإيجابية حول العمل الأفريقي المشترك والتحديات التي تواجه القارة، فالعاهل المغربي يؤكد أن التعامل مع التحدي الذي تشكله الهجرة يستوجب مقاربة بناءة من شأنها تقييم أسبابها وتداعياتها والتفكير في الحلول المتاحة، لا سيما عبر إقامة تناسق بين سياسات التنمية والهجرة، حيث “يتعين علينا العمل جميعا لبلورة أجندة إفريقية حول هذا الموضوع، تتمحور حول رؤية مشتركة للسبل والوسائل الكفيلة بمعالجة مسألة الهجرة داخل قارتنا وأمام الهيئات الدولية”، وأكدت المذكرة التي قدمتها المغرب كرؤيته لحل مشكل الهجرة ضرورة تبني بعد قاري يمكن من وضع استراتيجية مشتركة للهجرة بهدف التغلب على العراقيل والتحديات التي تطرحها قضية الهجرة بالنسبة إلى البلدان الإفريقية.

وتلك رؤية حكيمة تكفل التعامل بجدية مع ظاهرة اللجوء والهجرة غير الشرعية حيث تدعو إلى اقتلاع الظاهرة من جذورها في دول المنبع ولا تركن إلى حلول أو برامج أمنية، وهي التوجهات التي قادت الدول الأوروبية إلى فشل ذريع في مواجهتها إلى درجة أنها وجدت نفسها مجددا تعود إلى المربع الأول وسط انقسامات حادة بين دول الاتحاد الأوروبي.