1049790
1049790
إشراقات

الخليلي: جدير بالإنسان أن يصحح مفاهيمه حتى يتجنب ضلال السلوك

06 يوليو 2017
06 يوليو 2017

التفريط في الأشياء الجزئية.. طريق إلى التفريط في الأشياء الكلية -

«فتنة الحياة».. أعظم فتنة حذر منها النبي الكريم وخشي أن تقع فيها أمته -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن الإنسان عليه أن يحرص على تصحيح مفاهيمه فإن عدم صحة التصور يؤدي إلى الانحراف في السلوك، ولذلك جاء الإسلام الحنيف بالصورة الصحيحة التي تتجلى لكل أحد فيما يتعلق بشؤون هذه الحياة ومؤتمن فيها من قبل الله سبحانه وتعالى ومسؤول عما يجري فيها من نتائج تصرفاته وأعماله، فلذلك كان جديرا به أن يصحح مفاهيمه، وأن يتجنب ضلال التصور وضلال السلوك.

وأضاف سماحته: إن الظروف الحرجة التي يمر بها المسلمون هي أجدر بأن يحاسب فيها المسلم نفسه وأن يحرص كل الحرص على طاعة ربه سبحانه وتعالى ليستنزل بذلك نصره وتأييده، فإن النصر والتأييد إنما هما للمتقين فعلى المسلم أن يستشعر في كل وقت من الأوقات بأنه على ثغر من ثغور الإسلام يخشى أن يؤتى الإسلام من قبله وأن يكون دقيق المحاسبة لنفسه، حريصا على اتباع طريق ربه الذي يفضي به رضاه وحسن مثوبته في الدار الآخرة. وأشار إلى أن التفريط في الأشياء الجزئية كثيرا ما يكون هو الطريق إلى التفريط في الأشياء الكلية، فجدير بكل أحد أن يحذر من الوقوع في هذه الهنات وأن يحرص على أن يكون منهجه المنهج السليم وأن يحاسب نفسه تمام المحاسبة.. مشيرا إلى أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو الاعتصام بحبل الله المتين وعدم التفريط بشيء من أوامر الله سبحانه وتعالى.. جاء ذلك في إحدى محاضرات سماحته تحت عنوان: «تصحيح مفاهيم خاطئة».

استهل سماحته هذه المحاضرة بقوله: إن أهم ما يجب أن يحرص عليه الإنسان تصحيح مفاهيمه حيال نفسه، وحيال هذه الحياة التي يعيش فيها فإن عدم صحة التصور هو الذي يؤدي الى الانحراف في السلوك، فالسلوك إنما هو رهن التصور الصحيح السليم، ولذلك جاءنا الإسلام الحنيف بالصورة الصحيحة التي تتجلى لكل احد فيما يتعلق بشؤون هذه الحياة وفيما يتعلق بصلة الإنسان بربه سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بصلة الإنسان بالإنسان، وفيما يتعلق بصلة الإنسان بالكون، لأن الإنسان مستخلف في الأرض ومؤتمن فيها من قبل الله سبحانه وتعالى ومسؤول عما يجري فيها من نتائج تصرفاته وأعماله، فلذلك كان جديرا بهذا الإنسان أن يصحح مفاهيمه، وان يتجنب ضلال التصور فيجتنب ضلال السلوك.

وأشار الى ان الله سبحانه وتعالى قد أنزل إلينا نورا مبينا وكتابا حكيما وذكرا قويما وصراطا مستقيما فيه ما نأتي وما نذر، وقد امتن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أيما امتنان عندما أنزل عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعدما بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وترك أمته على المحجة البيضاء أنزل سبحانه وتعالى عليه قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فالدين الذي رضيه الله سبحانه وتعالى من عباده، ورضيه لهم هو الإسلام الذي هو تجسيد للاستسلام التام من العبد لربه في كل جزئية من جزئيات حياته، بحيث تكون الحياة كلها لله بل ويكون مماته أيضا لله، فإن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

وأكد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغادر هذا العالم الجسماني الى العالم الروحاني إلا بعد ما بنى أمة صالحة، أمة موصولة بربها، أمة مسلمة لله رب العالمين، تتصرف في شؤون حياتها وفق تعاليم الحق، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من اتباع السبل، والانحراف عن هذا النهج وبيّن لها بأن المنهج الصحيح الذي يجب أن تسير عليه هو منهجه عليه أفضل الصلاة والسلام، ومنهج خلفائه الراشدين عندما قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ).

وأوضح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذّر هذه الأمة من الفتن التي كان عليه فضل الصلاة والسلام بمنظار النبوة يراها نصب عينيه، وكان من بين هذه الفتن التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذرها ويخشى أن تقع فيها هذه الأمة فتنة الحياة الدنيا، فقد كان من كلامه عليه أفضل الصلاة والسلام: (ما الفقر أخاف عليكم، ولكن أخاف عليكم أن تفتح الدنيا لكم كما فتحت لمن قبلكم، فتنازعوها أو فتنافسوها كما تنافسوها). فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يخشى أن تشرئب أعناق هذه الأمة الى هذه الدنيا بعدما أنزل الله سبحانه في وصفها ما أنزل في كتابه العزيز، وبيّن أنها لا تسوى شيئا بجانب الدار الأخرى، فق فيها ضرب الله تعالى العديد من الأمثال، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ثم بيّن سبحانه ما يجب أن يحرص عليه ويسعى إليه عندما قال: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، وقال عز من قائل: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، ثم بيّن ما يجب التنافس فيه عندما قال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخشى أن تفتح على هذه الأمة الدنيا وأن تتنافس فيها، وأن تتهالك عليها، وأن تكون شغلها الشاغل، وقد وقع ذلك فعلا، فمنهجه صلى الله عليه وسلم كان منهج الزهد في هذه الدنيا.

وأضاف: النبي صلى الله عليه وسلم لم يفتح عينه على متاع هذه الحياة الدنيا، وكذلك كان منهج خلفائه الذين تحملوا هذه الأمانة بصدق، وأدوها بحق، كما ائتمنهم الله سبحانه وتعالى، والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام أنذر هذه الأمة، بأن خلافتها من بعد ستتحول إلى مُلك عضوض، وقد كان ذلك فعلا فتلقفها بنو أمية، ثم تلقفها بعد ذلك بنو العباس، ووقع في عهدهما ما وقع من الانحراف عن منهج الحق، ومنهج القرآن، ومنهج الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وسيرة الخلفاء الراشدين، فانغمسوا في الترف الى الأذقان، مع أن الترف هو مصدر كل بلاء، ومنشأ كل ضلالة، وسبب كل انحراف، فالترف مقرون بالتلف، تلف الأخلاق، وتلف القيم، وتلف الفضائل، وتلف العزة، ولذلك لم يذكره الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم إلا مقرونا بالشر.

فقد ذكر الله سبحانه وتعالى عذاب الآخرة، وبيّن عز وجل بأن من أسبابه الترف في هذه الحياة الدنيا، فقد قال عز من قائل بعد ما ذكر أصحاب الشمال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ)، وذكر تعالى عذاب الدنيا وقرنه أيضا بالترف، فقد قال: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ، لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)، وقال عز من قائل حكيما: (إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) وذكر شيوع العذاب في الأمة، فبيّن أن سببه انحراف المترفين عن الحق، وذلك عندما قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، وذكر الله الله سبحانه وتعالى تكذيب المرسلين، فبين أن منشأه الترف، وانه يكون من المترفين فقد قال سبحانه وتعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)، وقال أيضا: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)، فالترف إذن هو مصدر هذا البلاء كله، والمترفون هم الذين يقفون في وجوه المصلحين في كل عصر من العصور، فإن الله تبارك وتعالى ذكر معارضة الإصلاح ومحاربة المصلحين، وأشار الى أن منشأ ذلك من الترف، فقد قال سبحانه: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)، وقد كان العهدان المذكوران عهد بني أمية، وعهد بني العباس، عهدي ترف، واشتغال بفضول هذه الحياة الدنيا، وتنافس فيها، وتسابق من أجل تحصيل أكبر قدر منها، وهناك قصص ترددها الألسن وتعد من أمجاد الإسلام وهي تدرس تظهر بأنها بعيدة عن مفاهيم الإسلام فيجب علينا أن ندرس كل قصة بمفاهيم الإسلام، وان نزن كل شيء بموازين القرآن.

وأبان سماحته ان الناس أخذوا يبررون الكثير مما كان يعمله أولئك المنحرفون ويزينون للناس أعمالهم وقد يضيفون إليهم من الأعمال ما لا يمكن أن يقبلها العقل قط، فينسب مثلا الى هذا الحاكم أو هذا الخليفة نفسه بأنه كان يغزو عاما، ويحج عاما، وهذه المقولة تدل على غباء قائلها، وعلى غباء متقبلها،.. فكيف يمكن أن يكون ذلك؟ عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كان قريبا الى الحرم الشريف ولم يحج فلي أيام خلافته إلا حجة واحدة، وكانت معه أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يخرج ليترك بيضة الإسلام الى الغزو خارج المدينة المنورة منذ ولي الخلافة إلا في خروجه الى بيت المقدس من أجل افتتاحه، فكيف يمكن لأحد يعيش في بغداد ورقعة الدولة قد انبسطت في ذلك الوقت أن يخرج في كل عام مرة غازيا ومرة حاجا؟! هل يمكن أن يخرج بعد كل عام مرة واحدة الى أرض الحجاز من بغداد هل كانت عنده طائرة تمكنه من السفر الى بغداد ذهابا وإيابا في مدة قصيرة؟! أو انه كان يقضي جميع وقته في الطريق؟! وكذلك في ذهابه الى الغزو فإن رقعة الدولة قد انبسطت في ذلك الوقت، وكانت حدودها بعيدة جدا فهل يمكنه أن يذهب عاما بعد عام الى الغزو؟! وهل هذا من المعقول؟! وكيف يترك تخت ملكه؟! لو فعل ذلك هل يعد حازما؟ مع أن من بني عمه من كانوا يتربصون به ويريدون استغلال فرصة غيبته لان الكل كانوا نهمين على الملك.

وأوضح أن المسلم عليه أن يضع نصب عينيه التصور الصحيح للقضايا، وان يكون الميزان عنده كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فان الله عز وجل يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ثم بجانب ذلك أيضا على المسلم أن يجعل نصب عينيه أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فان الله تبارك وتعالى لم يجعل لأحد خيارا فيما وجه اليهم رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أوامر ونواه فقد قال الله تبارك وتعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ويقول الحق تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، ويقول عز من قائل: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، ويقول أيضا: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).

وأكد ان الحق سبحانه وتعالى يحضنا في كتابه العزيز على طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويخبرنا بان الأعراض عن ذلك ليس من شأن المؤمن، بل يبين لنا سبحانه وتعالى أن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- هو تجسيد لمحبة العبد لربه، وهو سبب لنيل العبد محبة ربه، فقد أتى بالمتابعة بين طرفي المحبة عندما قال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فمحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي تجسيد لحب الله تعالى، وهي أيضا سبب لنيل محبته سبحانه وتعالى، ونيل غفران الذنوب من لدنه سبحانه.

وأشار الى انه في أي ظرف من الظروف وفي أي وقت من الأوقات، لا يسمح للإنسان ان يخالف أمر الله، أو ان يخالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أما بان يقال بان هنالك أحكاما جزئية من أحكام الإسلام لا ينبغي أن يعتني بها المسلم في ظرف من الظروف لسبب من الأسباب وانه يقتصر على الكليات في هذه الظروف فان ذلك أمر لا يقر أبدا عند من أدرك حقيقة الإسلام وفهم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فانه عليه أفضل الصلاة والسلام كان يطالب أصحابه في أدق الظروف وأحلكها وأمرّها أن يطبقوا تعاليم الإسلام من غير أن يفرطوا في ذرة من ذرات الإسلام فكيف يقال: بأن المسلمين يتعرضون مثلا الآن لغزو أجنبي مخطط ومنظم فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر أصحابه بما أمرهم به من الالتزام بمنهج الله سبحانه وتعالى كانت جزيرة العرب في ذلك الوقت ترميهم عن قوس واحدة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يتساهل أبدا، ولم يتسامح في التفريط في هذه الأوامر بل كان يأخذ أصحابه بشدة فيها، ولا يتساهل معهم حيالها. واختتم محاضرته قائلا: إن الظروف الحرجة التي يمر بها المسلمون هي اجدر بان يحاسب فيها المسلم نفسه وان يحرص كل الحرص على طاعة ربه سبحانه وتعالى ليستنزل بذلك نصره وتأييده فان النصر والتأييد إنما هما للمتقين فعلى المسلم أن يستشعر في كل وقت من الأوقات وخصوصا أوقات الحذر وأوقات الشدة بانه على ثغر من ثغور الإسلام يخشى أن يؤتى الإسلام من قبله ويعني ذلك أن يكون دقيق المحاسبة لنفسه، حريصا على اتباع طريق ربه الذي يفضي به رضاه وحسن مثوبته في الدار الأخرة، والتفريط في هذه الأشياء الجزئية كثيرا ما يكون هو الطريق الى التفريط في الأشياء الكلية، فجدير إذن بكل احد أن يحذر من الوقوع في هذه الهنات وان يحذر هذه الورطات وان يحرص على أن يكون منهجه المنهج السليم وان يحاسب نفسه تمام المحاسبة، فلابد لهذه الأمة أن تأخذ بأسباب النصر ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وقد علمتم ما اصلح أولها فقد اعتصمت بحبل الله تعالى المتين عندما كانت الأمة لا تفرط بشيء من أوامر الله انتصرت على عدوها وتمكنت من عقر داره واستطاعت أن تذلل لها عدوها حتى قادته بسلاسل العدل والحق الى دين الله سبحانه وتعالى.