أفكار وآراء

قمة مجموعة العشرين..تفاهمات وتحديات

05 يوليو 2017
05 يوليو 2017

عبد العزيز محمود -

بانعقاد القمة الـ١٢ لمجموعة العشرين غدا الجمعة الموافق ٧ يوليو الجاري في هامبورج بألمانيا يبدو أن قادة الدول الأغنى في العالم يحاولون تجاوز خلافاتهم بشأن التجارة والمناخ والهجرة في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي العالمي ودعم التنسيق في مكافحة الإرهاب وغسل الأموال والفساد وتجديد الالتزام بالتجارة الحرة. 

ويحاول قادة الدول الـ١٩ الأغنى عالميا بالإضافة إلي الاتحاد الأوروبي توحيد مواقفهم حول سبل مواجهة الممارسات الضريبية الضارة وتدفقات الهجرة واللجوء عبر إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وتنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠.

كما يناقش القادة على مدى يومين حزمة من القضايا تتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية العالمية وقضايا المناخ والتنمية والطاقة وتنظيم الأسواق المالية والنمو الاقتصادي العالمي والتنمية في إفريقيا ومكافحة الأوبئة والفقر والإصلاح المالي والاقتصادي.

وتأتي قمة مجموعة العشرين وسط خلافات حول التجارة والمناخ والهجرة، حيث ترفض الولايات المتحدة الالتزام بسياسة عدم فرض قيود جديدة على التجارة، وتصر على فرض رسوم حمائية على الواردات، من بينها الصلب وسلع أخرى، مما يلحق ضررا بكندا والاتحاد الأوروبي.

وبينما تدعو المجموعة إلى الالتزام بسياسة مناخية مشتركة لإبقاء الاحترار العالمي أقل بكثير من درجتين مئويتين، ترفض إدارة الرئيس ترامب الالتزام بهذه السياسة، التي تعتبرها عائقا أمام النهوض بالاقتصاد الأمريكي، وهذا ما دفعها للانسحاب من اتفاق باريس للمناخ في يونيو الماضي.

وفي الوقت الذي تدعو ألمانيا ودول أخرى داخل المجموعة لتبني سياسات أكثر انفتاحا، لاستيعاب تدفقات المهاجرين واللاجئين، تواصل واشنطن تشديد القيود المفروضة على الهجرة واللجوء، لدرجة محاولة حظر السفر من بلدان بعينها، بهدف الحفاظ على الأمن القومي.

ويبدو أن هذه الخلافات ليست الوحيدة، فالعلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي تعاني هي الأخرى من تعقيدات، في ظل اتهامات لموسكو بالتدخل في انتخابات أوروبية، فضلا عن الخلافات بين الجانبين حول النزاع في سوريا وأوكرانيا.

كذلك تشهد العلاقات الألمانية التركية توترات على خلفية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والموقف من الأكراد، بينما تواجه تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا مشكلة في التعامل مع الشركاء الأوروبيين، عقب النتائج غير المريحة التي حققتها في الانتخابات البرلمانية.

وتكتسب قمة هامبورج أهميتها كونها محاولة لتجاوز تلك الخلافات، بهدف التوصل إلى موقف موحد حول القضايا المطروحة وفي مقدمتها تفادي كافة أشكال الحماية التجارية واتباع منهج متعدد الأطراف للضرائب واللوائح المالية وتمويل مشروعات حماية البيئة.

وتتزامن القمة مع مفاوضات مرتقبة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول الخروج من الاتحاد، ومفاوضات أخرى بين أمريكا والاتحاد الأوروبي لدعم الشراكة الحرة عبر الأطلسي، ومفاوضات بين أمريكا وكندا واليابان لدعم الشراكة الحرة عبر المحيط الهادئ والأزمة الخليجية.

ويبدو التحدي الأكبر الذي تواجهه دول مجموعة العشرين هو عدم القدرة على تحقيق نمو اقتصادي إضافي بنحو 2% من خلال إصلاحات بحلول عام 2018، وهو ما يمكن في حالة نجاحه أن يضيف أكثر من تريليوني دولار للاقتصاد العالمي، ويوفر ملايين الوظائف.

وتحاول ألمانيا من خلال رئاستها الحالية للمجموعة التوصل إلي درجة ما من التوافق حول مكافحة الملاذات الضريبية وغسل الأموال، ورفع كفاءة التأهب الدولي مجال الصحة العامة ومكافحة الأوبئة بالإضافة إلى مواجهة التحديات المترتبة على انتشار التكنولوجيا الرقمية، وهي قضية تناقش لأول مرة في مؤتمر لوزراء الشؤون الرقمية يعقد بالتوازي مع القمة.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد عقدت اجتماعا تحضيريا مع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية المشاركة في قمة هامبورج في 29 يونيو الماضي بهدف تنسيق المواقف الأوروبية تجاه قضايا الفقر والعنف والمناخ والتجارة والاستثمار وتعزيز وضع المرأة وتحسين مشاركتها في سوق العمل.

كما أجرت ميركل محادثات مع ممثلي منظمات المجتمع المدني في بلدان مجموعة العشرين شملت مجالات الأعمال التجارية والمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية والنساء والشباب والمراكز الفكرية لمناقشة رؤيتهم بشأن القضايا المطروحة قبل إدراجها على جدول أعمال القمة.

يذكر أن مجموعة العشرين تأسست في ٢٩ سبتمبر عام ١٩٩٩ بهدف دعم وتطوير التنسيق الدولي للسياسات الاقتصادية والمالية، وفي ديسمبر ١٩٩٩ عقدت المجموعة أول اجتماع لها في برلين على مستوى وزراء المالية ورؤساء المصارف المركزية، وفي عام 2008 وفي ظل أزمة مالية عالمية تم رفع اجتماعاتها لمستوي رؤساء الدول والحكومات.

وتضم المجموعة ١٩ دولة فضلا عن الاتحاد الأوروبي، وهي الأرجنتين واستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند واندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وتنتج هذه البلدان حوالي ٨٥٪ من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وتسيطر على ٨٠٪ من التجارة العالمية، ويعيش على أراضيها نحو ثلثي سكان العالم.

ويشارك في قمة هامبورج رؤساء دول وحكومات الدول الـ١٩ الأغنى في العالم وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يشارك لأول مرة هو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اجتماعات مجموعة العشرين، بينما اعتذر الرئيس البرازيلي ميشيل تامر عن عدم المشاركة بسبب مطالب برفع الحصانة عنه لاتهامه في قضايا فساد وإساءة استخدام السلطة. ويشارك في القمة أيضا أمين عام الأمم المتحدة ورؤساء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ومنظمة العمل الدولية والاتحاد الإفريقي ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والباسفيك بالإضافة إلى رؤساء دول وحكومات ثماني دول هي الفلبين وسنغافورة وإسبانيا وهولندا والنرويج وغينيا والسنغال وفيتنام.

ويعقد على هامش القمة أول لقاء يجمع بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فيلاديمير بوتين، وسط اتهامات لترامب بوجود روابط محتملة لأفراد في إدارته مع روسيا، واتهامات لبوتين بوقوف بلاده وراء هجمات إلكترونية استهدفت الانتخابات الأمريكية.

ومن الواضح أن قمة مجموعة العشرين لن تمر بهدوء، حيث تشهد هامبورج ومدن ألمانية أخرى مظاهرات ضخمة احتجاجا على انعقاد القمة، ومشاركة ترامب فيها، وهي احتجاجات تأتي بعد سلسلة حرائق على مسارات السكك الحديدية الألمانية، قالت الشرطة الألمانية إنها من تدبير مجموعات يسارية وقومية.

ووسط تساؤلات عن الشرعية التي تعطيها الحق في تقرير مصير العالم، تواجه مجموعة العشرين انتقادات ترى أن عضويتها قاصرة على مجموعة من البلدان الأكثر غنى، وهي قائمة ثابتة لم تتغير منذ عام ١٩٩٩، فضلا عن التمثيل الناقص لقارة إفريقيا.

ومن الواضح أن تماسك المجموعة لم يعد كما كان إبان الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨، في ظل الخلافات الراهنة، وصعوبة تنفيذ التوصيات الصادرة عن القمم المتتالية لرؤساء الدول والحكومات، بالنظر إلى أن هذه التوصيات تتخذ بالتوافق وغير ملزمة.

وقد عقدت مجموعة العشرين ١١ مؤتمر قمة حتى الآن، كان أولها في العاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر عام ٢٠٠٨ لبحث سبل مواجهة الركود الاقتصادي العالمي، وآخرها في هانغتشو بالصين في سبتمبر عام ٢٠١٦ لمكافحة التهرب الضريبي.

وبين هاتين القمتين عقدت قمم أخرى في لندن ٢٠٠٩ وبيتسبرج بالولايات المتحدة ٢٠٠٩ وتورنتو بكندا 2010 وسيول ٢٠١٠ وكان بفرنسا٢٠١١ ولوس كابوس بالمكسيك ٢٠١٢ وسان بطرسبرج بروسيا ٢٠١٣ وبريسبان بأستراليا ٢٠١٤ وأنطاليا بتركيا ٢٠١٥، ومن المقرر أن تعقد القمة المقبلة في بيونس أيرس بالأرجنتين في عام ٢٠١٨.

ويظل السؤال قائما هل تنجح قمة هامبورج في التوصل إلى تفاهمات حقيقية بشأن القضايا المطروحة، أم أن الخلافات سوف تتغلب على محاولات تقريب وجهات النظر؟

ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة