المنوعات

الخيال العلمي في الغرب تراث المسلمين

02 يوليو 2017
02 يوليو 2017

محمد أرونجزب أحمد -

ترجمة: أحمد شافعي -

أتحسبون أن البشر المختفين، والسفر في الزمن، والآلات الطائرة، والسفر إلى الكواكب الأخرى نتاج الخيال الأوربي أو الغربي؟ افتحوا إذن «ألف ليلة وليلة» - وهو كتاب حكايات شعبية جمع في العصر الذهبي الإسلامي، في ما بين القرنين الثامن والثالث عشر - لتجدوا أنه حافل بهذه الحكايات وأكثر.

غالبا ما يغض القراء الغربيون الطرف عن أدب الخيال المستقبلي في العالم الإسلامي. وإنني أستعمل المصطلح بشيء من الأريحية، ليتسع لأي قصة تتخيل معاني أي تطورات علمية أو ثقافية متخيلة.

لقد كانت من أوائل المغامرات لهذا الجنس الأدبي تلك العوالم الطوباوية التي خايلت الأحلام أثناء الازدهار الثقافي في العصر الذهبي. ففي الوقت الذي اتسعت فيه الإمبراطورية الإسلامية من شبه الجزيرة العربية لتستولي على أراض تمتد من اسبانيا إلى الهند، عالج الأدب مشكلة كيفية دمج هذا النطاق الهائل من الثقافات والشعوب. وكانت «المدينة الفاضلة» - التي كتبها العالم الفارابي في القرن التاسع - من أوائل النصوص العظيمة التي أنتجتها الحضارة الإسلامية الناشئة. وقد كتبت بتأثير من «الجمهورية» لأفلاطون متصورة مجتمعا مثاليا يحكمه فلاسفة مسلمون، كنموذج للحكم في العالم الإسلامي.

شأن الفلسفة السياسية، كان الجدال حول قيمة العقل سمة في الكتابة الإسلامية في ذلك الوقت. كتبت الرواية العربية الأولى «حي بن يقظان» بقلم ابن طفيل - وهو طبيب مسلم - في القرن الثاني عشر في اسبانيا.

وحكايتها أقرب إلى حكاية روبنسن كروزو، ومن الممكن قراءتها بوصفها تجربة فكرية في كيفية تعرف كائن عاقل على الكون بدون أي تأثير خارجي. تدور الرواية حول طفل وحيد ربَّته غزالة في جزيرة نائية تظل بمنأى عن الثقافة البشرية والدين إلى أن يصل إليها إنسان ناج. كثير من ثيمات الكتاب - كالطبيعة الإنسانية، والتجريبية، ومعنى الحياة، ودور الفرد في المجتمع - فيها أصداء من الأفكار التي استولت على عقول فلاسفة التنوير ومنهم جون لوك وإيمانويل كانط.

وعلينا أيضا أن نرجع الفضل إلى العالم الإسلامي في إحدى أوائل أعمال الخيال العلمي النسوي. وأعني قصة قصيرة عنوانها «حلم سلطانة» (1905) للكاتبة والناشطة البنغالية رقية سخوات حسين، والتي تدور أحداثها في عالم أسطوري يدعى ليدي لاند [أرض النساء]. هنالك تنعكس الأدوار، فتدير النساء العالم إثر ثورة استعملت النساء فيها قواهن العلمية فغلبوا الرجال. فإذا بالعالم أميل إلى السلام والجمال. وفي مرحلة ما تلاحظ الزائرة سلطانة أن الناس تنظر إليها فتضحك. وتسأل دليلتها فتجيب:

«تقول النساء إن شكلك رجالي للغاية». قالت سلطنة «رجالي؟ ماذا يقصدن بذلك؟». «يقصدن أن بك خجلا وجبنا كالرجال».

وفي وقت لاحق تزداد سلطانة فضولا تجاه الخلل الجندري، فتسأل الدليلة:

«أين الرجال؟»

«في أماكنهم الطبيعية، حيث ينبغي أن يكونوا».

«أرجوك ماذا تقصدي بـ ’أماكنهم الطبيعية’؟»

«أوه، أرى خطأي، أنت لا تعرفين عاداتنا، لأنك لم تزورينا من قبل. نحن نغلق أبواب البيوت على رجالنا».

بحلول أوائل القرن العشرين، ظهر أدب الخيال المستقبلي في العالم الإسلامي كقالب من قوالب مقاومة قوى الاستعمار الغربي. فكتب محمد بيلو كاجارا ـ وهو كاتب نيجيري كتب بلغة الهاوسا ـ رواية «جاندوكي» (1934) وتدور في غرب إفريقيا لكن في عالم مواز، وفي الرواية يناضل أبناء البلد ضد الاستعمار البريطاني، لكن في عالم يسكنه الجن وغيرهم من الكائنات الأسطورية. في العقود التالية، ومع بداية تصدع الإمبراطوريات الغربية، ارتبطت ثيمة اليوتوبيا السياسية بسخرية سياسية. فرواية «إكسير الحياة» (1974) للكاتب المغربي محمد عزيز الحبابي تدور حول اكتشاف إكسير للخلود. لكنه بدلا من أن يملأ العالم بالأمل والبهجة، يكون سبب تعميق الانقسامات الطبقية، والشغب، وتفكيك النسيج الاجتماعي.

وتأتي نسخة أدبية أشد قتامة من الثقافات الإسلامية اليوم. إذ تعيد رواية «فرانكنشتاين في بغداد» (2013) للكاتب أحمد سعداوي تخيل فرانشكنشتاين في العراق الحالي، وسط كل ما نجم عن غزو 2001 من كوارث. في إعادة الحكي هذه، يتخلق المسخ من أجزاء بشرية لبشر مختلفين ماتوا بسبب العنف العرقي والديني، ثم إنه يهيم من تلقاء نفسه. في ثنايا ذلك تصبح الرواية تأملا في الحرب العمياء وفي وفاة الأبرياء.

في الإمارات العربية المتحدة، تتبع رواية الفتيان «أجوان» (2012) للكاتبة نورا النومان رحلة أنثى فضائية شابة برمائية أثناء محاولتها استعادة ابنها المخطوف، وقد تحول الكتاب إلى مسلسل تليفزيوني، ويعالج ثيمات احتواء اللاجئين والتلقين السياسي. وفي المملكة العربية السعودية صدرت رواية إبراهيم عباس وياسر بهجت الأولى، وهي رواية من أدب الخيال العلمي صدرت بعنوان «حوجن» (2013) وتستكشف العلاقات الجندرية والتعصب الديني والجهل، وتقدم تفسيرا طبيعيا لوجود الجن الساكنين في بعد مواز. في حين تتخيل رواية «يوتوبيا» (2008) القاتمة للكاتب المصري أحمد خالد توفيق مجتمعا مغلقا في عام 2023 تراجعت إليه صفوة المجتمع المصري إثر انهيار اجتماعي واقتصادي شامل. وفي مصر ما بعد الربيع العربي تقيم الكاتبة المصرية بسمة عبد العزيز عالما كافكاويا في «الطابور» (2016) التي تدور أحداثها بعد ثورة فاشلة يناضل المواطنون فيها من أجل الحياة في ظل دكتاتورية آثمة عبثية.

غالبا ما يرى أدب المستقبل الخيالي في ضوء الرومانتيكية الغربية ويقرأ بوصفه رد فعل على الثورة الصناعية.

لكن لو أن هذا التنقل السريع عبر القرون الإسلامية يكشف عن شيء، فهو يكشف عن أن الغرب لا يحتكر التقنيات الفنتازية وتخيل الترتيبات الاجتماعية الطوباوية، ورسم الحدود الغائمة بين العقل والآلة والحيوان.

■ نشر هذا المقال في مجلة أيون