أفكار وآراء

مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية .. ما لها وما عليها

01 يوليو 2017
01 يوليو 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

عقد مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة اجتماعه الثالث لهذا العام 2017م، يوم 15 يونيو 2017 وبين الموضوعات التي اطلع المجلس عليها تقارير التصنيف الائتماني للسلطنة، ولأهمية تلك التقارير وأثرها على الاستثمار الأجنبي إلا أنها تعرضت لانتقادات شككت بصدق ودقة تصنيفاتها.

تتابع معظم الدول والشركات والبنوك الكبرى التصنيفات الائتمانية لمعرفة تقييم عدد من مؤسسات التصنيف الائتماني لأدائها، وبقدر ما لتلك التصنيفات من أهمية للتقييم الذاتي والمراجعة من قبل الدول، إلا أن الاختلاف في درجات التصنيف بين مؤسسة تصنيف ائتماني وأخرى تسبب بالتشكيك في دقة المعايير المستخدمة للتصنيفات، وأيضا دقة المعلومات المحصلة عن أداء الدول اقتصاديا وماليا ونظم نقدية وأسواق، فضلا عن معايير سياسية واجتماعية وقوانين وتشريعات.

وبالرغم من اختلاف معايير التقييم من مؤسسة تصنيف لأخرى، وإن لكل من هذه المؤسسات طريقتها في التقييم إلا أن درجات التصنيف لدى أهم مؤسسات التصنيف الائتماني متقاربة تتدرج من أعلى التصانيف ثقة إلى متوسطها ثم أدناها (A+، A، - A، B+، B، - B، C، D) مع تقييمات وصفية (موثوقة وأكثر أمنا، جدارة ائتمانية عالية، جدارة ائتمانية عالية إلى متوسطة، جدارة ائتمانية متوسطة إلى دونها، غير استثمارية، كثيرة المخاطر، متعثرة).

في يوليو 2010 انتقد رئيس مؤسسة التصنيف الائتماني الصينية «غوان جيانزونغ» مؤسسات التصنيف الأمريكية، التي تسيطر على سوق التصنيف، لأخطائها في تصنيف المؤسسات المالية الأمريكية وتسببها في تفجر الأزمة المالية 2008. واتهم المسؤول الصيني مؤسسات التصنيف الغربية بأنها «مسيسة بصورة كبيرة» لأنها تحابي دولا غربية ولا تلتزم بالمعايير الموضوعة «في عملها».

ومن متابعة ما وجه لهذه المؤسسات الثلاث من انتقادات لم يقتصر على الصين وتعداه إلى معظم دول الاتحاد الأوروبي، إذ أن أخطاءها في تقييم بنوك كبرى مثل «سيتي جروب» و«جولدمان ساكس»: و«مورجان ستانلي» بشأن احتمال قيامها بتضليل وكالات التصنيف بشأن الجدارة الائتمانية لسندات متعلقة بقروض الرهن العقاري لتحقيق مكاسب، إذ منحتها تقييمات عالية قبل أن يتبين فيما بعد أن هذه المنتجات المالية غير جديرة بهذه التصنيف العالية، وقد اعترفت بعض مؤسسات التصنيف مثل «موديز» بارتكابها أخطاء تتمثل في سوء تقييم خطورة سندات الرهن العقاري، وأشارت إلى أنها اتخذت إجراءات للمراقبة الداخلية بغرض تحسين طريق عملها وإصدارها للتصنيفات. هناك مؤسسات كثيرة تقوم بالتصنيف الائتماني في العالم، لكن أشهرها مؤسسات أمريكية ثلاث هي: «فيتش» و «موديز» و«ستاندرد أند بورز»، التي تهيمن على سوق التصنيفات في العالم، وقد اتهمت هذه المؤسسات الثلاث بالمساهمة بشكل جزئي في وقوع الأزمة المالية عام 2008 بخفض حجم مخاطر الاستثمارات في مجال الرهون العقارية بالولايات المتحدة، كما وجهت إليها أصابع الاتهام في تفاقم أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو نتيجة ما أعلنته من تخفيضات متوالية لتصنيف عدد من البلدان المضطربة. مؤسسات التصنيف الائتماني هي شركات خاصة تصدر تقييمات لما يسمى الجدارة الائتمانية لدولة أو مؤسسة ما، وينعكس التصنيف الذي تصدره إيجابا أو سلبا على ثقة المستثمرين في هذه الدولة أو المؤسسة وعلى كلفة استدانتها من الأسواق المالية، ويقصد بالتصنيف الائتماني درجة تظهر حكم مؤسسات التصنيف العالمية على مدى القدرة على سداد الديون، فمعنى أن يكون التصنيف ضعيفا أن هناك احتمالا بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أما التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال، ويسهل التصنيف المرتفع على الحكومات والشركات الحصول على تمويل وقروض سواء من الأسواق الداخلية أو الخارجية، وتتم عملية التصنيف بناء على معايير اقتصادية ومحاسبية معقدة أهمها الربحية، ثم الموجودات أو الأصول، والتدفقات المالية التي توضح الوضع المالي للمؤسسة.

وكالة «ستاندارد اند بورز» هي أحد فروع لشركات «مكغرو هيل» التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات ومقرها في الولايات المتحدة، نشأت عام 1860. أما وكالة «موديز»هي شركة قابضة، أسسها «جون مودي» بدأت نشاطها عام 1909، وتسيطر على ما يقارب 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم، وتأسست وكالة «فيتش» عام 1913 وهي أصغر حجما من الشركتين السابقتين، وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة «هيرست». السبب وراء اﻷهمية التي اكتسبتها هذه المؤسسات يرجع إلى هيئة البورصة واﻷوراق المالية اﻷمريكية، وهي مؤسسة حكومية تتولى مهمة الرقابة على أنشطة البورصة والتداول واﻷوراق المالية في الولايات المتحدة، ففي عام 1975، اعتمدت الهيئة هذه الوكالات الثلاث كمنظمات تقييم إحصائية معترف بها، ودعمت وكالات التصنيف الائتماني الثلاث عن طريق اشتراطها على بعض صناديق الاستثمار عدم شراء سندات إلا إذا كانت تتمتع بتصنيف ائتماني مرتفع.

وتتيح وكالات التصنيف الائتماني الثلاث تقاريرها مجانًا للمستثمرين لكنها تحصل على مقابل التقييم من الشركة أو الدولة التي ترغب في إصدار سنداتها بالسوق للاقتراض مما رآه البعض أنه تعارض في المصالح.

تعرضت هذه المؤسسات الائتمانية إلى العديد من الانتقادات، ودفعت المخاوف حول تأثير خفض التقييم الائتماني للدول على استقرارها، وزاد الانتقادات المواجهة لهذه الوكالات، حيث تكمن مصلحة وكالة التصنيف الائتماني في الحصول على أعمال من الجهة المصدرة للسندات والتي تسعى إلى تقييم إصدارها، وهذا قد يجعل الوكالة تصدر تقيما مرتفعا عن الواقع من أجل حث جهة اﻹصدار على العودة للتعامل مع الوكالة في المستقبل.

ونتيجة لذلك فقامت الولايات المتحدة بتشديد الرقابة على هذه الوكالات، كما قام البرلمان اﻷوروبي بوضع مجموعة من المعايير لضبط أنشطة هذه الوكالات، فقد أعلن المفوض الأوروبي لشؤون تنظيم الأسواق قواعد مشددة تجاه عمل مؤسسات التصنيف الائتماني، ومنها السماح لأي دولة أو مستثمر في الاتحاد الأوروبي بطلب تعويضات لدى محكمة مدنية إذا تكبد خسائر جراء خطأ أو شطط ارتكبته إحدى تلك المؤسسات.

وأيضا للحد من نفوذ هذه الوكالات، شجعت أوروبا الشركات المالية على إنجاز تقييماتها بنفسها دون اللجوء إلى الوكالات الثلاث، ومع بداية اعام 2012 تزايدت المطالبات في ألمانيا بتأسيس وكالة أوروبية مستقلة للتصنيف الائتماني للانفكاك من هيمنة المؤسسات لأمريكية، وجاءت هذه الدعوات بعد خفض ستاندرد أند بورز في الأشهر الأولى من العام نفسه التصنيف الممتاز لتسع دول أوروبية وصندوق الإنقاذ المالي الأوروبي من فئة «(AAA) إلى فئة «(AA)»، وإعلان مؤسسة فيتش عزمها خفض تصنيف ست دول بمنطقة اليورو بين درجة ودرجتين نهاية يناير 2012، وفي نوفمبر2011.

إن التقييم الائتماني له أثر بشكل مباشر على اﻷسواق والاقتصاد الكلي ورفاهية المواطنين اﻷوروبيين، فهي ببساطة ليس أراء، فقبل اندلاع اﻷزمة المالية في 2008، أعطت الوكالات الثلاث تصنيفًا ائتمانيًا ممتازًا ﻷوراق الرهن العقاري اﻷمريكية، وهي أوراق دين بضمان العقار والتي اتضح بعد اندلاع اﻷزمة عجز أصحابها عن سداد ديونهم، اتضح أن هذه اﻷوراق المالية لا تساوي شيئا، وتسبب الإدراك المفاجئ لهذا اﻷمر في اندلاع أسوأ أزمة مالية منذ عقود، واتضح أيضا أنها لا تؤثر بشكل كبير على السوق، فرغم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في 2011، لم ترتفع تكلفة اقتراض الحكومة اﻷمريكية بل انخفضت.

وتلخيصا لما ورد: هل تحتاج الدول إلى مؤسسات التصنيف؟ الجواب نعم وكلا، الجواب بنعم فإن الدول تحتاج إلى تقييم محايد لأدائها، وأما الجواب بكلا فإن بعض تلك التصانيف قد لا تكون دقيقة وحتى قد تكون مغرضة فتلحق الضرر بالدول ذات التصنيف المتدني.