أفكار وآراء

الحـل السـيـاسـي و العسكري في سوريا

30 يونيو 2017
30 يونيو 2017

ماجد كيالي - كاتب فلسطيني -

رغم كل الأحاديث عن أن لا حل عسكري للصراع السوري من قبل مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، إلا أن الأوضاع على الأرض، والصراع على الجغرافيا السورية، يشير إلى عكس ذلك، أي إلى احتدام الصراع العسكري.

هكذا ففي حين تسير المفاوضات على مساري استانا وجنيف ببطء شديد، بلا فاعلية، أو من دون تمكين أي طرف من فرض رأيه على الطرف الآخر (الحكومة أو المعارضة)، فإن تموضعات القوى على الأرض تؤشّر إلى ولوج الصراع السوري مرحلة جديدة، بكل معنى الكلمة، تتأسّس على الإقرار، بالقوة أو بالتراضي، على توزيع الخارطة السورية بين الأطراف الدولية والإقليمية، وامتداداتها المحلية.

وبديهي أن الحديث عن امتدادات محلية ينطوي على الاعتراف بحقيقة افتقاد الطرفين المعنيين مباشرة، أي الحكومة والمعارضة، للقدرة على التحكم بالأوضاع أو تقرير مصير الصراع الدائر بينهما، منذ سنوات، بعد أن أضحت القوى الخارجية هي التي تتحكم بذلك، سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا.

ثمة عدة مؤشّرات على الأرض تشي بحصول تغييرات دراماتيكية، أولها، قيام قاذفة من سلاح الجو الأمريكي بإسقاط طائرة حربية سورية لتهديدها قوات «سوريا الديمقراطية» (في منطقة الرصافة)، الحليفة للقوات الأمريكية، في سابقة فريدة من نوعها، وذلك بالتزامن مع نشر الجيش الأمريكي منظومة راجمات صواريخ من طراز «هيرمس»، في جنوب سوريا، يصل مداها إلى 300 كم، بهدف تعزيز قاعدة «التنف» العسكرية، الواقعة عند مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية، وتأمين حماية لها، وأيضا للحؤول دون تمكين إيران من الوصول إلى الحدود العراقية، ما يذكر بالضربات الأمريكية التي استهدفت، قبل أيام، أرتالاً لقوات الحكومة والمساندين لها، كانت تحاول الاقتراب من التنف.

وثانيها، قيام روسيا بالإعلان عن وقف التنسيق بين قواتها والقوات الأمريكية في الأجواء السورية، بل واعتبارها أي طائرة حربية غرب الفرات طائرة معادية، في تعبير صريح عن معارضة التوجهات الأمريكية.

وثالثها، قيام إيران بقصف مواقع في دير الزور في سوريا، من أراضيها، إلى حيث تتواجد قوات «داعش»، في تأكيد منها، ربما، على ممانعتها أي محاولة لتحجيم دورها في سوريا، مبينة أن لديها وسائل عديدة لفرض هذا الدور، وأن محاولة استبعادها من هذه المنطقة أو تلك لا تؤثر عليها كثيراً.

ورابعها، نشوب اشتباكات بين قوات الجيش السوري ومقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» (في بلدتي الشويحان وجعيدين)، فيما يمكن اعتباره بمثابة أول عملية مواجهة على الإطلاق بين هذين الطرفين، علماً أن هذين الحدثين وقعا يوم الأحد الماضي (18/‏6) قرب مدينة الرقة. اللافت أكثر في هذا الأمر أنه يحصل في وقت يتم فيه حسم معركة الرقة بواسطة قوات («قسد»)، التي تشكل قوات «حماية الشعب»، الكردية، عمودها الفقري.

هذا يعني، أولاً، أن الولايات المتحدة الأمريكية، على ما يبدو، لن تسمح لقوات الجيش السوري، ولا لحلفائه، بالتواجد، على المستوى العسكري، قرب الحدود السورية ـ العراقية.

وثانياً، أن كل الوقائع المذكورة تؤكد تجاوز كل الأطراف للتوافقات التي حصلت في الجولة السابقة في«استانا»، بخصوص «المناطق منخفضة التصعيد» خاصة أن الخرق لهذه التوافقات تم أساسا من قبل الموقعين عليها وخاصة روسيا وإيران؛ علماً أن الولايات المتحدة لم توافق عليها.

وثالثاً، أن «قوات سوريا الديمقراطية» هي التي باتت معتمدة أمريكيا كقوات حليفة في شمالي وشرق سوريا.

ورابعاً، أن القوات الأمريكية تحاول التحكم بالحدود السورية من جهة الشرق والجنوب، في حين تترك الأمر لتركيا في الشمال أو الشمال الغربي تحديداً، أو ربما تؤجل البتّ فيه، بينما تعترف بنفوذ روسيا على الداخل السوري، أو توكلها به.

وخامساً، يبدو من كل ذلك أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتجه نحو تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا (وربما في العراق أيضاً)، سيما أن هذه الإدارة لا تعبر عن انزعاجها من تمدد إيران، ولعل هذا يفسر ممانعة الولايات المتحدة لأي وجود عسكري للجماعات المسلحة الموالية لإيران قرب الحدود مع العراق أو مع الأردن (وإسرائيل طبعا)، مما يرجح مساعيها لإقامة نوع من المنطقة الآمنة،أو عدة مناطق، في الجنوب وفي الشرق والشمال الشرقي.

وسادساً، أن الصفقة الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا لم يحن أوانها بعد، وربما أن الأمر يحتاج إلى مزيد من المعطيات وضمنها التخلص تماما من «داعش»، في الرقة ودير الزور (وهي شارفت على الانتهاء في الموصل والرقة)، ما يستنتج منه أن الحل العسكري هو الذي سيوضّح ملامح الحل السياسي.

وبشكل أكثر وضوحاً، فإن ملامح الحل السوري، السياسي أو العسكري، وضمنه مواقع كل الأطراف لن تتضح إلا بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بحسم موقفها نهائياً، على الصعيدين السياسي والعسكري، وهذا ما سنعرفه على ضوء تعاطيها مع ثلاثة مناطق، أولها، عدم السماح لإيران بأي تواجد عسكري على الحدود السورية العراقية، يتيح التواصل من إيران إلى لبنان.

وثانيها، عدم تمكين الجيش السوري وحلفائه من حسم معركة درعا، وتاليا منطقة الجنوب لصالحه؛ وهو ما حصل حتى الآن.

وثالثاً، كيفية التعاطي مع منطقة ادلب، أو منطقة الشمال الغربي من سوريا.

وفي الواقع فإن هذه الأمور لن تتضح لا في مفاوضات استانا ولا في مفاوضات جنيف وإنما في ميدان الصراع العسكري على الأرض السورية.