أفكار وآراء

الشـبـاب الأوروبـي يزحـف إلـى السـلطة

30 يونيو 2017
30 يونيو 2017

سمير عواد -

يشير المحللون السياسيون والمراقبون في العواصم الأوروبية إلى ظاهرة تسمى «حكم الشباب»، والتي تجلت منذ فترة من خلال وصول سياسيين شبان إلى السلطة في عدد من الدول الأوروبية. وبحسب مجلة «سيسيرو» الألمانية التي لفتت الانتباه أخيرا لهذه الظاهرة التي ستغير الحياة السياسية في أوروبا، تقود باريس وفيينا هذه الظاهرة، بعد فوز إيمانويل ماكرون بمنصب رئيس الجمهورية في فرنسا، ومسعى سيباستيان كورتس، وزير خارجية النمسا ورئيس حزب الشعب اليميني المحافظ، للفوز بمنصب المستشار.

ومن يراقب هذه الأيام الانتخابات البرلمانية في الدول الأوروبية، سوف يلاحظ أن غالبية المرشحين هم ممن تقل أعمارهم عن أربعين عاما، وهذه سابقة في تاريخ الدول الأوروبية. وهل معنى ذلك أن الشباب بدأوا يستهوون العمل السياسي، بعد أن عرف عنهم ابتعادهم عن السياسة؟

مما لا شك فيه أن الوجوه السياسية ستصبح «شابة» في السنوات القادمة. فبعد أن عرفت أوروبا زعماء متقدمين في السن، مثل وينستون تشرشل وشارل ديجول وكونراد أدناور، أول مستشار ألماني بعد تأسيس ألمانيا الاتحادية على ركام الشطر الغربي من ألمانيا النازية، والذي كان يبلغ 73 من العمر عندما فاز بمنصبه. كما أن الرئيس الألماني السابق يواخيم جاوك، رفض التمديد لولاية جديدة في منصبه، بسبب تقدمه في السن وخشيته أن تخونه صحته في القيام بواجباته.

كما لعبت شعبية جون أف كنيدي، الرئيس الأمريكي الشاب الذي انتشرت شعبيته خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، دورا في اجتذاب الشباب في فترة الستينات إلى الاهتمام بالسياسة، فإنه لا يمكن نكران الدور الذي لعبه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في هذا المجال. وقدم أوباما دليلا على اهتمام الشباب الأوروبي بالسياسة اليوم أكثر من الماضي، عندما زار برلين خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية ضد جون ماكاين، وألقى كلمة في ساحة النصر حضرها 200 ألف مواطن ألماني، وعلقت الصحف الألمانية في تلك الفترة بأنه ليس بإمكان أي سياسي ألماني جمع مثل هذا العدد الغفير من الناس لسماعه.

والثابت أن الشباب الألماني كان يتصور أن أوباما عبارة عن «جون أف كنيدي» جديد، لكنه في نهاية ولايتين خيب آمال الكثيرين بما فيهم الشباب الأوروبي، الذي إن كان يدافع اليوم عن عهد أوباما، فإنه يفعل ذلك بسبب النهج المحير وغير الواضح الذي يعمل به الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي يتهمه الشباب الأوروبي بالتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها واحدة من الشركات التجارية التي يملكها.

وتجدر الإشارة إلى أن الخضر في ألمانيا، كانوا أول من لفت الأنظار إلى تطلع الشباب الأوروبي للعمل السياسي. فقد أسسوا حزبهم في مطلع الثمانينيات، ونظموا في عام 1983 أكبر تظاهرة في تاريخ ألمانيا شارك فيها حوالي نصف مليون شاب، احتجاجا على ازدياد التسلح النووي في أوروبا. كما كانوا في تلك الفترة يرفعون شعار حماية البيئة. وقد تنبهت الأحزاب الألمانية التقليدية لهذا الموضوع الذي يستحوذ على اهتمام الناخبين وبدأت تدريجيا تعمل بسياسات صديقة للبيئة ونجحت في خطف الشعار الذي اعتمد عليه الخضر الألمان في طريقهم إلى الحياة السياسية في ألمانيا. ودخلوا البرلمان الألماني لأول مرة في عام 1983، وتحالف المستشار الألماني السابق جرهارد شرودر معهم وشكل حكومة ائتلافية حكمت ألمانيا سبعة أعوام كان يوشكا فيشر زعيم الخضر في تلك الفترة يشغل منصب نائب المستشار ووزير الخارجية.

ويسجل المراقبون إقبال الشباب على المشاركة في العمل السياسي، ليس في ألمانيا وفرنسا والنمسا فحسب، بل في دول الاتحاد الأوروبي التي كانت خلال الحرب الباردة تحت مظلة الاتحاد السوفييتي وتنضوي اليوم تحت مظلة حلف شمال الأطلسي «ناتو».

ويعتقد ماتياس هايتمان، المحرر في مجلة «سيسيرو» أن انتشار الحركات الشعبوية في أوروبا في المدة الأخيرة وقيامها بخطف الناخبين من الأحزاب التقليدية وتراجع ثقة المواطنين الأوروبيين بالأحزاب التقليدية في بلادهم، جعل الشباب يتخلون عن معارضتهم العمل للسياسي والانخراط في حركات تكتفي بمعارضة القرارات السياسية، وقرروا الانخراط في العمل السياسي لهدف التغيير.

ويلاحظ المتابعون أن مرحلة تغير الحياة السياسية قد بدأت بعد فوز ماكرون والصعود الصاروخي لوزير الخارجية النمساوي الشاب كورتس، مقابل تراجع شعبية الأحزاب التقليدية الكبيرة الذي كان واضحا في الانتخابات الفرنسية، حيث فشل المحافظون والاشتراكيون. والذي أوضحه فوز ماكرون ضد منافسته مارين لوبان، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، وفشل حزب «الحرية» الهولندي المتطرف قبلها في الانتخابات البرلمانية في هولندا، إن غالبية الناخبين في أوروبا، يخشون وصول الأحزاب الشعبوية إلى السلطة، وهم على ثقة أنه ليس لدى الشعبويين إجابات وحلول للقضايا التي تثير اهتمام الناخبين وتؤدي إلى حل المشكلات التي تعاني منها بلادهم وخاصة مكافحة البطالة وتقوية الاقتصاد وتوفير الأمن والتغلب على أزمة الهجرة غير الشرعية.

كما أن فوز ترامب بمنصب الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، ونهجه المثير للجدل الذي يثير مخاوف الأوروبيين لأنه يملك الأرقام السرية لاستخدام القنابل والصواريخ النووية، جعل الأوروبيين يبدأون البحث عن بديل لواشنطن بعد أن ظلوا في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية والانتصار على هتلر، يتبعون واشنطن في كل صغيرة وكبيرة.

ويعتمد انتشار ظاهرة إقبال الشباب على العمل السياسي أملا في التغيير، وعدم الاعتماد في بناء المستقبل على قادة متقدمين في السن مثل أنجيلا ميركل في ألمانيا، أو تيريزا ماي في بريطانيا وحتى فلاديمير بوتين في روسيا، وذلك في عهد العولمة والرقميات التي لا يعرف القادة العجائز في أوروبا شيئا عنها، على نجاح مكرون وكورتس وغيرهم من القادة الأوروبيين الشباب في تحمل المسؤوليات التي فوضهم بها الناخبون في بلادهم. والثابت كما يرى ماتياس هايتمان، أن أوروبا بدأت تبتعد عن واشنطن وتبحث عن طريق مستقل.