كلمة عمان

الفنون العمانية.. إرث وثراء

28 يونيو 2017
28 يونيو 2017

تعكس الفنون الشعبية والتقليدية لأي شعب من الشعوب إرثه الحضاري، وهي تقوم على استنطاق الأبعاد المتنوعة للمجتمع عبر مساره التاريخي، لهذا فإن إظهار هذه الفنون في المناسبات الوطنية أو غيرها من الأفراح السعيدة، يعبر عن تلاقٍ بين مضامين الإرث والموروث، والتاريخ واللحظة الراهنة التي يعيشها الإنسان، على صعيد المناسبة المعينة التي يحتفل بها.

وفي السلطنة فإن هناك تنوعا من حيث الفنون الشعبية التي تكشف عن ثراءٍ في القيمة والتجارب المتوارَثة عبر مختلف الحقب الزمنية، بحيث يمكن التحدث عن مجموعة فريدة من الفنون التي لها طابعٌ خاصٌ ومميزٌ نتج عن اختبار الإنسان العماني للزمان، وكيف استطاع أن يكيف تجربته وفق العصور التي عبر بها.

ومعلوم أن كل تجربة فنية أو ثقافية هي نتاج اختبار قوي للإنسان مع الحياة والزمن، حيث لا تولد التجارب ولا الممارسات الفنية ولا الإبداعات عفو الخاطر، وإذا حدث ذلك فهي لا تعمر في الغالب، إنما تفنى سريعا، لكن أن يعيش فن معين لزمن طويل فهذا يعني أنه يجسد خلاصات من ذاكرة الشعب وعلاقته مع الوجود ويعكس في الوقت نفسه تقاطعاته متعددة المسارات مع معنى الحياة بشكل عام.

وفي الفنون العمانية المتوارثة نجد ذلك العبق التاريخي، ونستطيع أن نقرأ مدلول التاريخ الممتد إلى الراهن، كما نرى صورة المكان وهي تنعكس عبر الفن المعين، سواء كان رقصة شعبية أو أداء معينا، أو أي فن كان، ولابد أن القراءة العلمية والتحليلية الدقيقة لهذا الفنون سوف تكشف الكثير من مخزونها وأسرارها التي تختزنها، التي تنير تاريخا آخر يتعلق بصلب الحكاية الشعبية، ومرويات الإنسان العماني في حقب مختلفة.

إن دراسة تاريخ الثقافة بشكل عام، والفن، وما يعرف بالثقافة الشعبية بوجه خاص، يوضح لنا مساراتٍ نابضةً للحياة من وعي الإنسان في المكان المعين لذاته وللآخر، وكيفية تفاعله مع العالم بشكل عام، كذلك المعنى الفلسفي لوجود الإنسان وفاعليته في الحياة، وهي أمور تصب في مجمل تصور الأمة للوجود وحكمتها المكتسبة عبر الزمن، وتجاربها وصيرورتها في التفاعل مع المتغيرات والثوابت عبر التاريخ، كذلك كيف يمكن لهذه الذات أن تنشد مستقبلها من خلال وعي الماضي واستيعابه بالشكل الجيد.

إن الابتهاج في المناسبات السعيدة والوطنية منها عبر هذه الفنون التقليدية المتوارثة، ليست مجرد دليل فقط على عمق الانتماء أو الجذور التي تصل راهن الإنسان بتربة الأمس، بل تحمل أيضا العديد من المعاني التي تتجاوز ذلك، إلى تأكيد رسوخ الثقافة والتقاليد الاجتماعية وما سواها من عوامل الديمومة لهذا الشعب أو الإنسان أو المكان.

لهذا فإن نقل هذه التجارب والفنون إلى الأجيال المقبلة يكون فرضا لابد منه لكي تستمر الحلقة المتصلة من التعايش الفريد بين الأجيال وتدوير الخبرات والثقافة والقيم، ولابد أن لكل ذلك انعكاسه الإيجابي على رحلة الشعب نحو المستقبل في مسيرة البناء والازدهار، حيث تتكامل قيمة ومعطيات الفنون والثقافة مع العلوم الجديدة والصناعات وكافة قطاعات الحياة الإنسانية.