أفكار وآراء

قوة الأمل وموجة اليأس

28 يونيو 2017
28 يونيو 2017

مصباح قطب -

قوة اليأس تماما مثل قوة الأمل، وعليك أن تختار نوع قوتك، ومن الصحيح بالفعل في هذا المجال كما في غيره فان لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، ولَم أر خلال الخمسين عاما الماضية كما أرى الآن من حيث قوة الشد والجذب بين اليأس والأمل في منطقتنا، حيث يتابع ملايين المواطنين العرب ما يدور على ساحات المعارك والنزاعات والخلافات والمطامع في المنطقة باستقطاب حاد يكاد أن يغيب معه صوت العقل الحكيم، وأكاد أقول لكثيرين منهم ما قاله الشاعر العربي القديم: مالي أراكم نياما في بلهنية ، وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا. بكل تأكيد ما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... فلا أحد يتمناها ولا أحد - كالمفترض - يسعى إليها، وقد لا تكون هناك حرب بالمعنى المعروف لكن من الواضح لكل ذي عينين ان عاصفة عاتبه تهب على منطقتنا ولا عاصم منها إلا الوعى والشعور بالمسؤولية والجاهزية لمقابلة أية مخاطر بلا توتر أو ارتباك، ولن أقدم عزاء لأحد إذا قلت ان التاريخ في النهاية يعيد إنتاج عبره ولا يعيد إنتاج حوادثه بيد أن النظر إلى الماضي بترو مفتاح مهم أيضا للتعامل مع الحاضر. لن يفيد مواطن أو وطن أو عروبة في شيء حالة الاستغراق في الهلع والقلق والطعن المتبادل في الشرف السياسي أو الشخصي، وربما كان الأفضل للجميع ان يتدارسوا بعقل بارد ما الذي تعنيه نهاية مرحلة في لعبه استراتيجية إقليمية وبداية أخرى حتى تستطيع كل دولة عربية وتستطيع الدول العربية على جمعها ولو عند الحد الأدنى تحقيق أعلى ما يمكن من مكاسب وتقليل الخسائر إلى أبعد مدى، هذه أصول اللعبة ولن تلغيها أصوات بائسة أو يائسة أو أخرى صاخبة أو تائهة من السياسة بكل تداعياتها وأخبارها المعروفة في تلك اللحظة أريد أن أنتقل إلى الاقتصاد، فلا معنى أن نردد ليل نهار مقولة جورج بوش الأب أو بيل كلينتون «انه الاقتصاد يا غبي» ولا معنى لان نتحدث ليلا ونهارا عن الاقتصاد الذي يحرك التاريخ بل وربما الجغرافيا أحيانا ولا نولي أي عناية لتحليل القدرات العربية الراهنة والبازغة في المجال الاقتصادي وكيف يمكن ان تؤثر على وضعنا الاستراتيجي في معادلات القوة الشاملة  وعلاقات القوى والضعيف والتي لا ترحم، أيا ما كانت مخاطر الأحداث في الخليج العربي وفى فلسطين ومصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم وأيا ما كانت محاولات قوى غير عربية إقليمية وعالمية السيطرة على ما تستطيع من موارد المنطقة لحل أزماتها الداخلية فان الأفق ينبئ أيضا بوجود صعود اقتصادي عربي فعال وعصري وله أسس هيكلية سليمة في أكثر من بلد عربي ومن شأن اكتمال هذه الموجة العربية حدوث نقلة كبرى في مستوى تعامل الغير معنا وعلى صعيد رؤيتنا لأنفسنا ولمستقبلنا ومنابع قوتنا، وقد كتبت أكثر من مرة وأكتب مجددا ان النموذج التنموي الجاري في سلطنة عمان حاليا والرؤية التي ينبثق منها تمنحنا أملا كبيرا في اختراق جدار التأخر الاقتصادي والاجتماعي والدخول بقوة الى عالم الحداثة بكل مزاياه وتناقضاته والشعور بالثقة في النفس والقدرة على امتلاك تنافسية عالمية راسخة لا تهتز دعائمها مع صلصلة رياح الأزمات الاقتصادية التي يعانيها العالم وسيعانيها بشكل شبه دوري كما هو معروف، وثمة محاولة لبناء نموذج تنموي واجتماعي معاصر في السعودية أيضا رغم كل التحديات ينبئ بتغيير كبير في الفكر والقرار والثقافة ومعنى المشاركة، وهناك في مصر أيضا عملية معقدة للخروج من وطأة التأزم الاقتصادي المستمر منذ أربعين عاما وتغيير نموذج الاعتماد على مصادر خارجية غير مضمونة أو غير مستقرة مثل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج أو المنح والمعونات إلى جانب عمل تحديث حقيقي في البنية التحتية والخدمية والصناعية والزراعية، ولست أقلل بحال من الحوارات الحادة حول الأولويات وسبل التمويل وسياسات توزيع الدخل القومي وحول تغيير الخطاب الثقافي الراكد إلى حد كبير حاليا ليكون مؤازرا للعملية التنموية الجديدة  وظهيرا قويا للدولة وللمواطن ذاته في مواجهة ما يدور أو هو منتظر، فرغم كل ذلك هناك توق شديد الى إقامة دولة الكفاءة والرشادة والعدالة الاجتماعية وأتمنى ان يركز الحوار العام على تلك الجوانب بدلا من الانجراف المستمر وراء تفاصيل لا حصر لها يسيرها نهر الفضاء الإلكتروني الواسع ويستقبلها البشر بقليل من الحيطة وكثير من الاندفاع في كثير من الحالات.

لقد نبهت وأنبه مرارا الى أن أخطر ما جرى لنا في الخمسين عاما الماضية جاء بسبب قرار انفعالي وهو غلق مضيق تيران في العام ١٩٦٧ ما أدى إلى اندلاع الحرب وحدوث الهزيمة المروعة لجيلنا نحن المصريين والعرب بعد آمال عظام، فقد انكسرت أحلامنا ولَم تزل رغم نصر أكتوبر المجيد. لم تكن هزيمة جيش فالأخير كان مظلوما من قادته ومخططيه ولكنها كانت هزيمته لأسلوب ما كان يجب أن يقوم، وعليه فلنتمثل هذا الدرس صباح مساء في كل نقاش مع أو ضد حتى لا يضيع منا الملاح والمجداف والزاد والأصداف، في الأردن العربي ثمة نموذج تنموي آخر واعد وقد أصبح ظاهرا للعيان كيف تغيرت الحياة في المدن الأردنية وتغير نمط الاقتصاد وقواعده ، وصحيح ان هناك بعض المضاربات العقارية الناتجة عن تدفق مهاجرين عرب من سوريا والعراق واليمن لكن هناك ما يصلح للبناء عليه في قطاعات صناعية وفى مجال الخدمات الصحية والاستشفاء والزراعة كل ذلك رغم ما يعانيه الأردن باعتباره في قلب دوامة الأحداث الفاترة والهادرة، وفى النماذج الأربعة التي ذكرتها لا يمكن إهمال جانب الفساد وسبل محاربته وإلا فالفشل هو المآل ولا يزال المطلوب كثير في مجال إشراك المجتمع المدني في الرقابة على الجهات الحكومية وعلى شفافية القرارات والتخصيصات وبناء نظم سياسية مركزية أو محلية قوية بما يكفى لصيانة التقدم وبناء التغيير وكذا الحفاظ على النزاهة والعدالة، ولدينا أيضا بالطبع نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة كما أن هناك نموذج أخير ألفت النظر إليه هو نموذج المغرب والمحاولات الحثيثة التي تتم فيه لجعله قبلة الاستثمار الأجنبي والعربي في أفريقيا وكل زائر أيضا للمدن المغربية وللقرى السهلية أو الجبلية يدرك أن أمرا مهما يدور بعض النظر عن تفاوت هنا أو هناك،  وهناك أيضا فالنقاش العام يدور بقوة حول الأوليات الجغرافية وتوزيع الاستثمارات وعدالة التوظف الى غير ذلك بيد أن الأهم هو الإبقاء على قوة الدفع وإصلاح المسار من الحركة. لم أتحدث عن الثروات الطبيعية الجديدة وأهمها الغاز الذي يمكن ان يغير الحياة في مصر ولبنان وسوريا وليبيا وغيرهم كما لم أتحدث عن غيره من الموارد التي حان وقت استغلالها بفهم وعلم لكني أشرت فقط إلى ما أتصور انه قاطرة لإصلاحات كثيرة مقبلة وأكرر ان الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي جدلي بطبيعته فالمصالح تتضارب أو تتقارب أو تتعارك لكن وجود الأمل وقوة البناء وصلابة الرؤية هم الأساس والباقي سهل كما نقول، ليس بالصوت الأعلى تحيا الأمم وليس بالصراخ تستعاد حقوق أو تقام ركائز حضارة ، أتمنى أن أكون قد أسمعت حيّا وسط كل ذلك الهدير، التطور الاقتصادي المستقل أو غير التابع والتحديث الثقافي والاجتماعي مع الحفاظ الذكي على الكنوز الحضارية الموروثة هم طريقنا لبناء عالم عربي له منعة، وقد رأيت وسمعت الكثيرين جدا يتساءلون بعد أن أصبح اللعب كله على المكشوف في المنطقة لماذا منطقتنا وحدها من دون بقية  العالم التي تستهدف هكذا أو يجري فيها ما يجري من هدر موارد أو ضياعها أو طمع آخرين فيها، وأظن أني حاولت أن أقدم إجابة، وكل عام وأنتم بخير.