أفكار وآراء

الحملة الانتخابية تتسبب في تغيير ميركل سياستها تجاه اللاجئين

26 يونيو 2017
26 يونيو 2017

سمير عواد -

قبل أشهر قليلة مضت، التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مدينة “هايدلبيرج”، على هامش مناسبة نظمها الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه، الطفل الأفغاني “إدريس”، الذي أراد أن يسلم عليها ويشكرها على سماح ألمانيا أن يقيم في سلام وأمان فيها، وتبادل الطفل الأفغاني معها أطراف الحديث باللغة الألمانية وبكى من شدة الفرحة بهذا اللقاء، ثم نصحته ميركل المعروفة ببرودة المشاعر بأن يتابع تعلم اللغة الألمانية قبل أن تدير له ظهرها.

ولكن مصير «إدريس» وأسرته، قد يواجه صعوبات في البقاء في ألمانيا، مثل مصير طالب أفغاني كان يدرس ويعيش في مدينة «نورنبيرج»، والذي عندما حاولت الشرطة المحلية إبعاده عن البلاد بأمر من وزير الداخلية الألماني، أدى إلى قيام طلبة المدرسة التي ينتمي إليها، بمواجهة الشرطة لمنع إبعاده إلى أفغانستان بالذات، البلد الذي لا يمر أسبوع دون ورود أنباء عن تفجيرات وسقوط قتلى.

وشاءت الصدف أن يتم وقف إبعاد الطالب الأفغاني، بعد الاعتداء على مقر السفارة الألمانية في «كابول»والذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، ليؤكد التقارير الدولية التي تعتبر أفغانستان ما زال بلدا ليس آمنا بل ما زال يعيش في حرب بين الأطراف المعروفة وعلى رأسها حركة «طالبان».

إنه عام الانتخابات العامة في ألمانيا، وتريد ميركل بأي حال من الأحوال، الفوز بولاية رابعة في منصبها، لكن مشكلة اللاجئين كانت حجر عثرة في ضمان فوزها. ففي سبتمبر 2015، اتفقت ميركل مع المستشار النمساوي السابق فرنر فايمان، على تسهيل عبور اللاجئين الذين كانوا في «بودابست» إلى ألمانيا عبر دول البلقان والنمسا إلى ألمانيا، وفي الغضون بلغ عددهم أكثر من ثمانمائة ألف لاجئ غالبيتهم من السوريين. وفشلت ميركل في إقناع الشعب الألماني بضرورة استضافة اللاجئين وكذلك شركائها في الاتحاد المسيحي، ولأول مرة طالب بعضهم بتنحيها عن مناصبها وبدا وكأن ميركل أصبحت تشعر بالملل ولكنها أعلنت في يناير أنها ستقود الاتحاد المسيحي مجددا في الحملة الانتخابية. وكان على ميركل أن تتوصل مع خصومها، مثل هورست زيهوفر، رئيس حكومة ولاية بافاريا، إلى اتفاق لوقف تدفق اللاجئين والبدء بإبعاد الذين ترفض الجهات الألمانية المعنية طلبهم باللجوء إلى ألمانيا. وقامت ميركل بإغراء عدد من الدول المعنية بأزمة اللاجئين، بالمال من أجل وقف تدفقهم إلى ألمانيا وأوروبا، ومن بينها أفغانستان، التي تدرك المستشارة الألمانية، أن حكومتها الفاسدة تعتمد كثيرا على المساعدات المالية من الخارج، وأنها مستعدة لعمل كل ما يرضي مقدمي المساعدات حتى لو كان على حساب الشعب الأفغاني. فقد وافقت كابول بسرعة على مقترح ميركل بقبول الأفغان الذين تبعدهم ألمانيا. وليس هناك معلومات حول مصير الذين عادوا، لكن بعض المراقبين يقولون إنهم إما عادوا إلى عائلاتهم ويبحثون عن طريقة لدفع المال الذي استدانوه لتغطية تكاليف السفر، بينما انتهى آخرون في أحضان طالبان، بعد أن كانوا قد برروا سبب لجوئهم إلى ألمانيا، بأنهم فروا من بلادهم، هربا من طالبان.

وبحسب «نيكو فريد»، الصحفي في صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية، يشكل نهج ميركل تجاه اللاجئين تراجعاً واضحا في سياستها تجاههم. فقبل عامين توقع الكثيرون أن تفوز بجائزة «نوبل» للسلام، لكن جماعات سلام تونسية خطفتها منها في اللحظة الأخيرة. ومنذ وقت تقود ميركل خطة أوروبية لوقف تدفق اللاجئين، فتم عقد اتفاقية مع تركيا وسافرت ميركل إلى دول إفريقية حيث أغرتها بالمساعدات المالية، وعرضت عليهم إنشاء مراكز لإيواء اللاجئين الذين يتم إبعادهم من أوروبا.

لقد جازف اللاجئون من الشرق الأوسط وآسيا إفريقيا بأرواحهم من أجل الوصول إلى أوروبا، طلبا للأمن وحياة كريمة وهربا من الحروب والنزاعات والفقر، والآن لا يجد الأوروبيون ما يمنعهم إعادتهم إلى من حيث أتو.

فيما يتعلق بأفغانستان، تغض الحكومة الألمانية النظر عن كون الحرب التي بدأتها أمريكا في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، لم تنته بعد، وتدور معارك ضارية في مناطقها، وترتب على 600 ألف أفغاني الهجرة من مناطقهم خلال عام 2016 بسبب المعارك، وهناك أكثر من مليوني لاجئ يعيشون في أوضاع مزرية في أفغانستان.

منذ وقت توقفت الأمم المتحدة عن حصر أعداد القتلى في أفغانستان، وقد غطت الأنباء في نزاعات أخرى مثل «الموصل» و»حلب» على المجريات في الهندكوش. لكن القتل لم يتوقف. ففي نهاية أبريل الماضي قتل طالبان 140 جنديا أفغانيا في يوم واحد. ووقع أكثر من 300 ضحية خلال هذا الشهر في اعتداءات أعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عنها منها تفجير أمام مقر السفارة الألمانية في العاصمة الأفغانية.

تعلم ميركل أن الدولة الأفغانية سوف تنهار إذا توقفت عنها المساعدات المالية، ولذلك تتلاعب برلين وأوروبا والحكومة الأفغانية بمصير آلاف الأفغان، الذين يحبون العيش في بلدهم، ولكن إذا عاد إليه الأمن والاستقرار، وهو ما ليس متوفرا في الوقت الراهن. وقالت صحيفة «دير تاجيس شبيجل» التي تصدر في العاصمة برلين، أن الحكومة الألمانية اضطرت بعد التفجير المروع الذي تعرض له مقر السفارة الألمانية في كابول، قررت وقف إبعاد اللاجئين الأفغان المرفوضة طلبات اللجوء الخاصة بهم، إلى بلادهم، لكن ذلك لفترة مؤقتة فقط، فبرلين لم تعد تفكر بمصلحة اللاجئين الأفغان، بقدر ما تفكر بمصالحها السياسية في عام الانتخابات العامة، فكلما تراجع عدد اللاجئين، كلما ازدادت فرص ميركل بالفوز ولاية رابعة في منصبها في سبتمبر المقبل.