أفكار وآراء

قرار كارثي يهدد الكوكب

25 يونيو 2017
25 يونيو 2017

ستيوارت باتريك/ ترجمة قاسم مكي -

مجلس العلاقات الخارجية -

بإعلانه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، يكون الرئيس دونالد ترامب قد أوفي بأحد أبرز وعوده الانتخابية. ولكن القرار لن يجعل أمريكا “عظيمة مرة أخرى”، بل سيهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وازدهارها بتقويض قيادتها للعالم والتعجيل بحلول أزمة كوكبية لايمكن أن تهرب من عواقبها حتى أمريكا في عزلتها.

قرار ترامب الذي يتسم بقصر النظر وبالنظر إلى الخلف يتجاهل حقائق الحياة العالمية المعاصرة. فالولايات المتحدة لايمكنها خدمة مصالحها الوطنية أو حماية نفسها من المهددات العابرة للقوميات بالتظاهر بأنها جزيرة معزولة أو ببناء جدران، في مسعى خائب لعزل نفسها من المخاطر التي لاتحترم الحدود.

من الصعب المبالغة في تقدير مدى أهمية خطوة الرئيس التي اتخذت رغم التوسلات الملحاحة من أوثق حلفاء أمريكا وقادة الأعمال بالولايات المتحدة. فبسحب الولايات المتحدة يكون ترامب قد عكف على هدم أهم اتفاقية متعددة الأطراف في القرن الحادي والعشرين. فبعد عقدين من مفاوضات غير مثمرة حول اتفاق يخلف بروتوكول كيوتو، التزم أخيرا 195 بلدا في باريس في ديسمبر 2015 بإجراء تخفيضات كبرى في حجم انبعاثات غازات الإحتباس الحراري. وتحت إصرار إدارة أوباما تمت صياغة اتفاق المناخ ليس كمعاهدة ملزمة (الأمر الذي كان سيجعلها تصطدم بمخاوف سيادية أمريكية داخلية) ولكن كإتفاق طوعي. وبموجب ما يسمي ترتيبات “الإلتزام والمراجعة” أعلن كل بلد “ مساهمته الخاصة به التي يقررها البلد بنفسه على المستوى الوطني” لخفض إنبعاثات الإحتباس الحراري. وسمح هذا البند لأطراف الإتفاقية “بتفصيل” إلتزاماتها حسب “مقاس” ظروفها الوطنية بدلا عن تبني صيغة “مقاس واحد للجميع.” وكانت النتائج مثيرة. فالإقتصادات الصاعدة الكبري، بعد أن جرجرت أقدامها لأعوام أعلنت عن إلتزامات ملموسة لخفض الإنبعاثات. من بين هذه البلدان الصين، أكبر مطلق إنبعاثات في العالم، والهند التي قاومت لفترة طويلة هذه الإلتزامات كونها تبطئ تنميتها المحلية. كما شملت الإتفاقية أيضا تصورا لإجراء مفاوضات حول نظام مراقبة دولي جديد للتحقق من وفاء البلدان بتعهداتها (على الأقل مبدئيا) وتسمية وفضح المتخاذلين والمتهرِّبين. ورغم أن إتفاق باريس كان مثيرا إلا أن كل الموقعين أقروا بأنه ليس أكثر من “دفع مقدم.” فحتى إذا طبق الإتفاق بتمامه سيقلص فقط 54% من الإنبعاثات المطلوب التخلص منها للحيلولة دون إرتفاع متوسط حرارة الكوكب بأكثر من 3.6 درجة فهرنهايت. وهي العتبة التي ستتعرض بعدها الأرض إلى إحترار منفلت. لقد أقر القادة في باريس بحاجتهم إلى ترقية جهودهم لخفض الإنبعاثات خلال العقدين القادمين. ورغما عن ذلك ولأول مرة تغلبوا على حالة القصور التي إكتنفت لفترة طويلة مفاوضات التغير المناخي وألزموا أنفسهم بالقيام بعمل حقيقي لإنقاذ الكوكب. وبالتخلي عن الإتفاق يخاطر الرئيس ترامب بعكس إتجاه هذا الزخم في لحظة خطرة. إن نكوص الولايات المتحدة، ثاني أكبر بلد منتج للإنبعاثات بعد الصين، سيجعل آخرين يتجرأون على التخلي عن إلتزاماتهم أو على أقل تقدير تأجيل الوفاء التام بها. وستكون التداعيات الدبلوماسية لإنسحاب الولايات من الإتفاق قاسية وستدمر أي مظهر متبق لزعامتها العالمية (وصدقيتها) في عهد ترامب. وفيما وراء إضاعة الثقة العالمية بها ستتنازل الولايات المتحدة عن أي إدعاء بالتأثير على قضايا البيئة العالمية للصين وستخسر فرصا عديدة للهيمنة على مستقبل الطاقة النظيفة. وبالنسبة للكوكب فإن النتائج وخيمة. فالعالم في مساره الحالي يمكن جدا أن يصل إلى العتبة الحرجة ( 3.6 درجة فهرنهايت) بحلول عام 2036. وستشمل النتائج الكارثية طقسا أشد تطرفا وخطورة وفترات جفاف ومجاعة أكثر تكرارا وطولا وذوبانا سريعا للكتل الجليدية والثلوج القطبية وإرتفاعا دراميا في مستوى البحر وتسارعا في حموضة مياه المحيطات وهلاكا واسع النطاق للشعب المرجانية ودمارا للأنواع الحية وبيئاتها الطبيعية وهجرات جماعية لعشرات وربما مئات الملايين من الناس. كما لن يكون الأمريكيون محصنين من هذه الآثار. وكمثال واحد فقط، يتوقع أن تواجه 26 مدينة أمريكية من بالتيمور إلى هونولولو بحلول عام 2050” أزمة فيضانات جديدة” من نوع الأجواء المناخية التي صاحبت إعصار ساندي مع خسائر تصل إلى مئات البلايين من الدولارات. وقد تتضرر بشدة فلوريدا التي يقيم بها 2.4 مليون نسمة ويوجد بها 1.3 مليون مسكن على إرتفاع أقل من 4 قدم عن مستوى المد (معظمها في منطقة ميامي – دَيد.) ولكنها لن تكون لوحدها. ففي الشمال في ولاية فريجينا، قد تتحول نورفولك سيتي التي تستضيف أكبر قاعدة بحرية في العالم، إلى مدينة غير مأهولة بسبب تعرضها لفيضانات منتظمة. وفي عام 2015 تنبأت وكالة حماية البيئة بأن إرتفاع مستوى البحر وإزدياد العواصف قد يكلف المجتمعات الساحلية الأمريكية 5 تريليون دولار في الفترة حتى عام 2100. أما في الأجزاء الأخرى من الولايات المتحدة فيمكن أن تصل تكلفة الجفاف الذي يتسبب فيه التغير المناخي وما يرافقه من شح في المياه إلى 180 بليون دولار بنهاية القرن. إذن لماذا الإنسحاب الأمريكي؟ يرى ترامب ومعاونوه أن التخلي عن إتفاق باريس سيمكن الولايات المتحدة من تجنب تطبيق إجراءات مناخية قاسية وأن من بين فوائده الأخرى إنعاش مناجم الفحم التي تحدق بها المشاكل. هذا الموقف قد يفيد في جبال أبلاشيا ولكنه يتجاهل ضغوطا أهم بكثير تواجهها هذه الصناعة ليس أقلها ثورة التكسير الهيدرولوجي وإنخفاض أسعار الغاز. كما يتجاهل أيضا حقيقة أن عدد من تم توظيفهم في قطاع الطاقة المتجددة في العام الماضي يقارب ضعف من وظفوا في صناعات الوقود الأحفوري التقليدية وأن الشركات الأمريكية الكبرى تفضل في معظمها إتفاق باريس. إن حكومة تتجه بنظرها إلى المستقبل وتهتم حقا بالتنافسية ستفعل ما في وسعها للدفع بأعمال البحث والتطوير في صناعات الغد.( للمفارقة، تقر أطراف في حكومة ترامب بذلك كما يبدو. فمؤخرا أبلغت لجنة التجارة الدولية الأمريكية منظمة التجارة العالمية بأنها ستشرع في تحقيق “إغراق” حول تدفق واردات ألواح خلايا شمسية أجنبية لحماية مُصَنِّعِين محليين لهذه الألواح من منافسة أجنبية غير عادلة.) ومع هذا التخلي الذي أبدته الولايات المتحدة عن الزعامة الدولية، يجب أن يعلق العالم آماله في إبطاء إحترار المناخ على الجهود المشتركة لكبار ملوثي الهواء الآخرين بجانب الولايات والمدن والشركات الخاصة الأمريكية. فالصِّين والإتحاد الأوروبي يجددان إلتزامهما بإتفاق باريس ويصفانه بأنه “واجب حتمي وأهم من أي وقت مضي.” وَيَعِد حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون بأن ولايته ستملأ الفراغ الذي سيخلفه إنسحاب الولايات المتحدة بالعمل مع الولايات والمدن الأمريكية الأخرى لفرض سقوف ومعايير جديدة للإنبعاثات المؤذية للمناخ. وأخيرا فإن كوكبنا يعقد الأمل على المصلحة الذاتية لمجتمع الأعمال الأمريكي الذي من المستبعد أن يضخ إستثمارات طويلة الأجل في تقنياتٍ ملوثة للهواء لوجود شبه يقين بأن الولايات المتحدة ستنقلب على سياسات ترامب في ظل إدارة أخرى وستتجه نحو مستقبل أقل كربونا وتستعيد مكانتها في العالم.

الكاتب زميل أول كرسي جيمس بينجر في الحوكمة العالمية ومدير برنامج المؤسسات الدولية والحوكمة العالمية بالمجلس.