أفكار وآراء

تفكيك «الأونروا» .. ماذا يعني؟

24 يونيو 2017
24 يونيو 2017

علاء الدين يوسف -

لا تتردد إسرائيل في انتهاز كل الفرص المتاحة أمامها لتصفية القضية الفلسطينية بكل أركانها ومكوناتها التاريخية ومن بينها مسألة (المهجرين) من ديارهم الفلسطينية بفعل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ويطلق عليهم مجازا في الأدبيات السياسية وصف (اللاجئين)، وبالتأكيد تتعامل إسرائيل مع الظروف الإقليمية الراهنة بوصفها الوقت الأمثل لتحقيق أعظم قدر من المكاسب. وفي هذا السياق تجيء محاولات إسرائيل لتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بما يكفل تصفية قضية المهجرين أو اللاجئين ذاتها وتحويلها إلى جزئية ضمن أمور أخرى لا تستوجب أي تعامل دولي من نوع خاص معها، وهو ما تأكد خلال الأيام القليلة الماضية في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو وطالب فيها بدون أي مواربة بتفكيك الأونروا ودمج مؤسساتها في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وكالعادة لم يتردد نتانياهو في نقل حملته الجديدة إلى الملعب الأمريكي بتحريضه مندوبة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة نيكي هالي خلال لقائهما مؤخرا بأنه «قد آن الأوان للأمم المتحدة أن تنظر في استمرار عمل الأونروا» زاعما أنه (منذ الحرب العالمية الثانية كان ولا يزال هناك عشرات الملايين من اللاجئين، ولهم جميعا تم تخصيص مفوضية عليا في الأمم المتحدة، بينما اللاجئون الفلسطينيون الذين تم توطين الأغلبية الساحقة منهم، هناك مفوضية خاصة بهم فقط)، ولتسويق مخططه زعم أن هناك «تحريضا واسعا ضد إسرائيل يمارس في مؤسسات الأونروا» واعتبر أن «الأونروا تخلد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلا من حلها. ولذلك حان الوقت لتفكيك الأونروا ودمج أجزائها في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» على حد قوله!

ومن حيث المبدأ تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة أسست منظمة «وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين» في نوفمبر 1948 لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من جانب المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى، وفي 8 ديسمبر 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة رقم 302، تأسست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لتعمل كوكالة مخصصة ومؤقتة،على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات حتى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ومقرها الرئيسي في فيينا وعمّان، وتقتصر مسؤولية الأونروا على توفير خدمات لمجموعة واحدة من اللاجئين وهم الفلسطينيون المقيمون في مناطق عملياتها، في حين أن المفوضية العليا مسؤولة عن اللاجئين في بقية أنحاء العالم، والأونروا مكلفة بتقديم مساعدات إنسانية للاجئين الفلسطينيين في حين أن المفوضية العليا مكلفة بتوفير حماية دولية للاجئين المشمولين بولايتها وإيجاد حلول دائمة لمشكلاتهم بمساعدة الحكومات.

وحقيقة الأمر أن الأونروا لم تدفع غبنا أو ترفع ظلما عن الفلسطينيين ولم تمنع عدوانا على أراضيهم على مدار أكثر من ستة عقود من عمر الصراع، إلا أن ذلك لا يقلل على الإطلاق من دورها أو مكانتها في تقديم الدعم والعون اللوجيستي للفلسطينيين وربما ساهمت منذ إنشائها في التخفيف من الآثار الإنسانية التي نجمت عن جريمة العصابات الصهيونية التي نظمت المذابح والمجازر بحق الشعب الفلسطيني الذي تم تشريد ثلثيه وإبعادهم عن ممتلكاتهم وديارهم، وجهود هذه المنظمة الإنسانية شكلت عامل استقرار في المنطقة إلى جانب إنجازاتها الإنسانية على صعيد خدماتها الأساسية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية، والأهم من ذلك هو الإبقاء على قضية اللاجئين حية في الأذهان وحاضرة في الضمير العالمي دون أن يطويها النسيان مثلما يريد نتانياهو وقادة إسرائيل في الوقت الراهن، ولعل ذلك ما دفع مدير عمليات الأونروا في قطاع غزة بو شاك إلى رفض تصريحات نتانياهو مؤكدا خلال مؤتمر دعت له الأونروا والاتحاد الأوروبي في بروكسل بعنوان «عشر سنوات على الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة» أن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين موجودة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نشأتها، ولا يحق لأية حكومة طلب مثل هذا الأمر. ولعل المؤتمر كان فرصة مناسبة لتقديم عرض مفصل عن عمل الوكالة في قطاع غزة والتحديات التي واجهتها خلال العشر سنوات الماضية التي تعتبر الأشد قسوة على حياة الفلسطينيين في القطاع وانعكست نتائجها على كافة مناحي الحياة. وكذلك لاستعرض دور الأونروا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المترتبة على إغلاق القطاع والحروب المتعاقبة منذ عام 2007 وأهمية التعاون بين الأونروا والاتحاد الأوروبي في الارتقاء بالوضع الإنساني المتدهور في القطاع من خلال محاولة إيجاد فرص عمل لسكان القطاع، إضافة إلى أهمية الوحدة ونبذ الخلافات الداخلية الفلسطينية لما لها من أثر سلبي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في القطاع، ورفض الاتحاد الأوروبي لأي نشاطات استيطانية في الضفة الغربية والقدس، وإبراز أهمية الدعم المالي والسياسي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للشعب الفلسطيني، والجهود الإنسانية والخدماتية التي تقدمها لسكان قطاع غزة ومخيمات اللاجئين في الشتات. وقد نجحت في معالجة قضايا اللاجئين في إطار توفير أحد الحلول الدائمة ودعمها من الدول ذات العلاقة والموافقة على عودة اللاجئين.

واقع الأمر أن هناك استشعارا كبيرا لخطورة الحيل الإسرائيلية في هذا الشأن على الصعيدين الدولي والفلسطيني، ومن هذا المنطلق يرى المتحدث باسم الأونروا كريستوفر جينيس أن مهام الوكالة «واضحة ولم تتغير» في تفويضها والأمر يمكن أن يتغير فقط من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة وبأغلبية التصويت، وأغلب الظن أن ذلك أمر يصعب تحقيقه حاليا وأن «وضع اللاجئين الفلسطينيين يحتاج إلى أن يتم حله ضمن حل سياسي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، بينما جاءت الإدانة الفلسطينية قاطعة بالطبع على لسان مدير دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة أحمد حنون معتبرا أن دعوة نتانياهو «تستهدف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا عام 1948 وإنهاء الشاهد الحي على النكبة الفلسطينية وأن بقاء واستمرار عمل الأونروا وفق التفويض الممنوح لها بالقرار الأممي رقم 302 لحين إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية واستمرارها في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين على مدار 68 عاما شكل عامل استقرار للمنطقة، بينما أن من أطال أمد قضية اللاجئين الفلسطينيين هو التنكر الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني ولقرارات الأمم المتحدة ورفضه لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفق القرار 194 ما يستوجب على الأمم المتحدة الرد باتخاذ قرار بوقف الاستيطان الإسرائيلي وتفكيك وإزالة المستوطنات القائمة وإنهاء الاحتلال عن كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لما يشكله من عائق أمام استقرار المنطقة».

وليست تلك المرة الأولى التي تستهدف فيها الحكومة الإسرائيلية وكالة الأونروا وتتهمها كذبا بإطالة أمد قضية اللاجئين الفلسطينيين وبممارسة مؤسساتها تحريضا ضد إسرائيل ودعم الإرهاب، والواقع أن إسرائيل بدأت محاولات تفكيك «الأونروا منذ زمنٍ بعيد، لأن وجود «الأونروا» سيظل بمثابة اعترافٍ دولي بالحق الفلسطيني المسلوب، حق اللاجئين، وهو الحق المزعج لإسرائيل كونه ينص على حق اللاجئين في العودة أو التعويض اعتمادا على القرار 302 عام 1949 لتأسيس «الأونروا». فقد ظلَّت إسرائيل تعتبر «الأونروا» ضمن المنظومات الحقوقية التي يجب تفكيكها لكي تتخلص نهائيا من قضية فلسطين، وفي إطار هجومها على هذه المنظمة الدولية -على حد تأكيد فعاليات فلسطينية- جمعت ثمانمائة وخمسين ألف إسرائيلي مهاجر من دول عربية وقامت بتوثيق سجلاتهم عبر إعلانات في الصحف الإسرائيلية للمساومة على حقوقهم باعتبارهم لاجئين لكي تطالب الأمم المتحدة بمعاملتهم بالمثل كما الفلسطينيين،على الرغم من أن غالبيتهم هاجروا بمحض إرادتهم ولم يهجروا كالفلسطينيين.

وربما ظهرت محاولات التفكيك جلية كذلك خلال اجتماع أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء زيارته لواشنطن في مارس الماضي واجتماعه بوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ومايك بنس نائب الرئيس ترامب، حيث طالَبَهما بإعادة النظر في الدعم المالي للأونروا، لأن «المؤسسة الدولية التي تشرف على تعليم اللاجئين الفلسطينيين تسمح بالتحريض على إسرائيل في مناهج التعليم الفلسطينية».. هذه المناهج تغفل دولة إسرائيل من مقرراتها وخرائطها وتذكر الطلاب بمدن وقرى آبائهم، وتخلد أسماء الشهداء في الشوارع! وأغلب الظن أن إسرائيل ستواصل حملتها الضارية لتفكيك الأونروا في محاولة لتصفية قضية اللاجئين كما سبق الذكر، وهي القضية الأهم في ملفات الحل النهائي ولا تقل أهمية عن مسألة القدس كونها تتعامل مع قضية بشرية إنسانية في المقام الأول، وكثيرا ما تحطمت على صخرتها جولات محادثات ومفاوضات عدة لتمسك المؤسسات الفلسطينية بحقوقها التاريخية المشروعة والعادلة، ولسعي الحكومات الإسرائيلية للاكتفاء بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، حيث يقيمون حاليا أو إيجاد (أرض) بديلة لهم!!