1044640
1044640
المنوعات

الحكواتي التقليدي يردد صدى الحكايات العتيقة في مقاهي دمشق

24 يونيو 2017
24 يونيو 2017

دمشق،(أ ف ب): يضرب أحمد اللحام بسيف صغير على طاولة حديدية داخل مقهى النوفرة الشعبي وسط دمشق القديمة خلال تلاوته حكاية من حكاياته التاريخية التي يتردد صداها في أزقة الشام العتيقة وفي الوجدان الشعبي المحلي والعربي عموما.

عندما يأتي المساء، يخلع الحكواتي أبو سامي ملابسه العصرية، ويترك عمله في المفروشات، ويرتدي ملابس من الفلكلور الشامي، واضعا الطربوش على رأسه، ومتأبطا كتاب حكايات تعود إلى مئات الأعوام، كتبت كلها بخط اليد والحبر الأسود على ورق أصفر باهت اهترأت أطرافه.

ويقول الحكواتي البالغ من العمر 58 عاما «أعتقد أنني آخر حكواتي شعبي، المهنة تنقرض شيئا فشيئا، ولا يوجد غيري في دمشق القديمة، فإن تركت هذه المهنة، لن يعود هناك حكواتي». يتجمهرُ الناس حول أبي سامي الذي يعتلي كرسيّا ثابتا يرتفع عن باقي الكراسي الخشبية الموجودة في المقهى، ويحتسي بعض الفتية الصغار الشاي، ويشرب بعض الرجال النرجيلة وهم ينظرون له ويستمعون لحكاياته.

يروي أبو سامي في هذه الليلة قصة الملك ظاهر بيبرس، أحد سلاطين المماليك في القرن الثاني عشر، وهي واحدة من حكايات يرددها منذ عشر سنوات، ويرددها الحكواتيون منذ زمن بعيد، منها قصص عنترة بن شداد، وأبو ليلى المهلهل.

ويقول الحكواتي لوكالة فرانس برس «مررنا بأوقات في السابق قلّ فيها الحضور كثيرا، لكن صاحب المقهى أصرّ على استمرارية طقس الحكواتي حتى لو لم يكن هنا غيري وغيره، أما اليوم فكما ترى، لقد تحسّن الوضع كثيرا، وصار لدي العشرات بانتظاري كل ليلة». ينهي الحكواتي حكايته، وينزع نظارته الخفيفة، وينزل من على كرسيّه ليسامر الأصدقاء المتزايدين في المقهى هذا العام.

ويقول لوكالة فرانس برس إن الأحداث التي عصفت بسوريا في السنوات الماضية «أثّرت على زبائن الحكواتي» فقد كان الناس يخشون الخروج من منازلهم، أما اليوم فالمقهى يبقى مفتوحا حتى الفجر». ويسري في سوريا منذ بداية مايو اتفاق لتخفيف التصعيد برعاية روسيا وإيران وتركيا، وينعكس هذا الأمر على الوضع الأمني في دمشق من حيث تخفيف وتيرة سقوط قذائف الهاون عليها التي تطلقها فصائل المعارضة المتواجدة في الغوطة الشرقية. كما أن اتفاقا منفصلا أبرم مع عناصر من هذه الفصائل أدى إلى انسحابهم من بعض أحياء العاصمة.

خلف كرسي الحكواتي في مقهى النوفرة، تتوزع عشرات الصور التي تعود إلى فرسان وشخصيات تاريخية من التي يمرّ عليها الحكواتي في أخباره.

ويمتاز مقهى النوفرة بسقف وجدران خشبية مزينة ببعض الموزاييك الدمشقي، ويعود عمرها -بحسب صاحبها- إلى القرن السابع عشر، وعلى الطرف الآخر صورة لعجوز يرتدي طربوشا وعباءة، كتب عليها «عبد الحميد الهواري، حكواتي دمشق الأول، مواليد عام 1885 م». يواصل الحكواتي أبو سامي قصته عن الملك الظاهر بيبرس التي بدأها مع بداية شهر رمضان، وسيحكي بعدها قصة الزير سالم، وهو فارس عربي عاش في القرن السادس. ويقول إن الأوضاع التي يعيشها البلد غلّبت قصص الشجاعة والفروسية على الحكايات الغرامية والقصص الشعرية.

يتصاعد الدخان من رأس نرجيلة محمد ديوب، 49 عاما، يتكئ على كرسي خشبي، ويجلس في زاوية مقهى النوفرة، كي يتمكن من رؤية الحكواتي بوضوح، ولا يزال على حالته هذه كلما جاء إلى المقهى منذ ما يزيد عن عشرين عاما. يتفاعل محمد مع حكواتي المقهى، ويصفّق له ويطلبُ منه أحيانا أن يعيد حكاية قديمة أو تاريخية.

ويقول هذا الموظف الحكومي لوكالة فرانس برس «نعيش تفاصيل الأزمة في كل مكان، وكل وسائل الإعلام تعرض المآسي، لذلك نأتي إلى المقهى كي ننسى، وحكايات الحكواتي تنسينا (همومنا) وجود الحكواتي يرجعنا للماضي، نهرب من الواقع الذي نعيشه، ونجد في الحكواتي متنفّسا». وعلى الطاولة نفسها يجلس محمد أبو جعفر (57 سنة) ويغمض عينيه كلما قصّ الحكواتي قصته، محاولا تخيّل الصورة التي يتحدّث عنها، ويقول «منذ بداية شهر رمضان وأنا أحرص على متابعة قصة الملك الظاهر بيبرس لأنها حماسية وجميلة، وتذكرني بالتاريخ القوي الذي نعتزّ به، على عكس واقعنا الحالي». يغصّ مقهى النوفرة كل خميس بالمرتادين لرؤية الحكواتي، لكن خلال شهر رمضان، يتردّد الحكواتي على المقهى بشكل يومي، مع ازدحام بين الحادية عشرة ليلا والثالثة فجرا. في وسط العاصمة السورية، يتجمع العشرات أيضا في مطعم تابع لأحد الفنادق الفاخرة، وينتظرون الحكواتي «أبو شادي» وما في جعبته من قصص لهذا العام، وهو وسيم عبد الحي البالغ من العمر 32 عاما، والذي يأتي بلباس تقليدي مؤلف من حطّة بيضاء على الرأس، وسروال أسود فضفاض، ويحمل بيده عصا خشبية ويفتح كتابا كبيرا يستقي منه حكاياه.

وأبو شادي ليس حكواتيا في كل أوقاته، فهو موظف في شركة الكهرباء، ويعمل حكواتيا في الليل من باب التسلية في شهر رمضان، بعد أن كانت المهنة مصدر رزق أساسي له قبل اندلاع النزاع.

ويقول «قبل الأحداث كان لدينا كادر كبير، نسافر إلى دول الخليج ونقدم عرض الفلكلور الشامي لكن بسبب أوضاع البلد لم نعد نتمكن من السفر فصرنا نحافظ على بقاء المهنة في الداخل، حاليا نعاني من مشكلة قلة الحكواتية، ومن تبقى داخل البلد يعدون على أصابع اليد الواحدة».