أفكار وآراء

رحيل مستشار الوحدة الألمانية

23 يونيو 2017
23 يونيو 2017

سمير عواد -

عندما نجح الانقلاب السياسي الذي دبره هيلموت كول، رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، مع هانز ديتريش جينشر، رئيس الحزب الليبرالي، ضد المستشار الاشتراكي الألماني هيلموت شميت في عام1982، وانهارت حكومة الائتلاف الاشتراكي - الليبرالي، وتم بعدها تشكيل ائتلاف مسيحي - ليبرالي لأول مرة في تاريخ ألمانيا الغربية، استطاع كول، أن يحقق حلمه بأن يصبح مستشارا للحكومة الألمانية. 

وكنت قد باشرت عملي كمراسل صحفي في مدينة بون التي كانت عاصمة ألمانيا الغربية في تلك الفترة، وعايشت الأشهر الأخيرة من عهد شميت وكامل العهد الطويل لحكم كول الذي دام ستة عشر عاما مما أتاح لي الالتقاء به مرارا ففي ذلك الوقت كان عدد الصحفيين العرب في العاصمة الألمانية قليلا جدا. وأذكر أنه عندما استلم كول الحكم في عام 1982، لم يكن العالم يعرف شيئا عنه، فهيلموت كول كان عبارة عن سياسي محلي، ولم يبرز في وجه العملاقين السياسيين الألمانيين، فيلي برانت، المستشار السابق في تلك الفترة والذي كان يرأس الحزب الاشتراكي، وهيلموت شميت، صاحب الشخصية البراجماتية والذي كان حتى وفاته في عام 2015، يخاطب الشعب الألماني كمعلم وواعظ وليس كمسؤول سياسي، وكثيرا ما كان على حق.

ويقول المراقبون عن حق أن هناك جيلا من الألمان، ترعرعوا وهو في السلطة نسبة إلى عهده الطويل الذي تحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تجاوزه إذا فازت بولاية رابعة في سبتمبر القادم، لكونها تشغل منصبها منذ اثني عشر عاما. لكن الألمان لا ينظرون إلى كول الذي وافته المنية أخيرا عن عمر ناهز 87 عاما، على الرغم من الإنجازات التي تحققت في عهده ولاسيما استعادة ألمانيا وحدة شقيها في عام 1990 بعد انهيار جدار برلين قبل ذلك بعام تقريبا. ففي عملية استقراء للرأي أجرتها مؤسسة «فورسا» في نهاية عام 2013 حل كول في المركز الرابع كأبرز مستشار ألماني، بينما احتل شميت المركز الأول، رغم أنه شغل منصب المستشار أكثر من غيره وعايش ما شهده العالم خلال حكمه الطويل من أحداث وتطورات، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يصفه في الكلمة التي ألقاها بمناسبة حصول كول على جائزة تحمل اسم «هنري كيسينجر» وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، بأنه «أهم رجل دولة ألماني بعد الحرب العالمية الثانية».

وعندما انتخب كول في عام 1964 وكان يبلغ من العمر 34 عاما، في هيئة رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، كان قد أمضى نصف عمره عضوا في الحزب المسيحي الديمقراطي. وتسلق كول السلم السياسي فكان أصغر من ترأس حكومة ولاية «راينلاند بفالز» ورئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، وكان زعيما شرسا للمعارضة الألمانية. وخسر كول المنافسة أمام شميت على المستشارية في عام 1976 وفي عام 1982 حجب البرلمان الألماني «بوندستاج» الثقة عن المستشار شميت مما فسح المجال أمام كول ليخلفه في منصبه وفاز بعد عام بالانتخابات العامة وكرر فوزه حتى عام 1998 عندما أطاح به جرهارد شردور وشكل ائتلافا بين الاشتراكيين والخضر دام سبعة أعوام ثم جاءت ميركل في عام 2005.

استغل كول بدء انحلال الإمبراطورية السوفيتية، وشعر بعد انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989، أن هناك فرصة تاريخية نادرة يجب استغلالها لإقناع الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (الأب) بعزم الألمان استعادة وحدة بلادهم بعد انقسام دام أربعين عاما. ولما تأكد للحلفاء الأربعة الذين انتصروا على هتلر في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا وفرنسا» أنه لن يصدر خطر على جيرانها من قبل ألمانيا، أعطوا الألمان «الضوء الأخضر» للمضي بوحدة بلدهم وأصبحت برلين لاحقا عاصمة لألمانيا. وفي مؤتمر صحفي عقده كول في عام 1990، قال إن بلاده سوف تركز اهتمامها في السنوات القادمة على مواجهة تحديات الوحدة. وفي أول انتخابات لعموم ألمانيا تمت في عام 1990، فاز كول بعدما خدع الناخبين في ألمانيا الشرقية بالقول إن مدنهم وقراهم سوف تتحول إلى حدائق غنّاء إذا انتخبوه، وأن مستوى الحياة في مناطقهم سيساوي مستوى الحياة في ألمانيا الغربية. لكنه لم يحقق وعده حتى اليوم.

وعرف عن كول ولعه في الحصول على النفوذ وإزاحة معارضيه في الحزب، لكن ارتباط اسمه في فضيحة الحصول على تبرعات سرية ورفضه الإفصاح عن أسماء المتبرعين، عجل في سقوطه سياسيا وزاد النقمة ضده داخل حزبه أيضا. وفي عام 1999 وبالذات أنجيلا ميركل، التي استدعاها كشابة للانتساب إلى حكومته كوزيرة لشؤون المرأة ثم للبيئة، كتبت مقالا في صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» طلبت من كول التنحي عن منصبه كرئيس للحزب إذا تمسك برفضه الإعلان عن أسماء المتبرعين. وكانت هذه نهاية كول سياسيا وبدء صعود ميركل التي أصبحت رئيسة للحزب في عام 2000.

كما ارتبط اسم كول بتوطيد الوحدة الأوروبية ويوصف بأب اليورو، لدورها في تحقيق مشروع العملة الأوروبية الموحدة.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الألمانية العربية والنزاع العربي الإسرائيلي، فإن كول لم يختلف عن المستشارين الألمان في التعامل مع إسرائيل على أنها الولاية الألمانية السابعة عشرة ومع العرب في المجال الاقتصادي فقط. ويُعتبر أول مستشار بدأ علنا بتزويد إسرائيل بغواصات تستطيع حمل رؤوس نووية على متنها. فعندما تساقطت صواريخ «سكود» العراقية على إسرائيل، خلال حرب الخليج الأولى 90/‏‏1991، هرع رئيس الموساد الإسرائيلي إلى بون للقاء كول حيث طلب منه تزويد إسرائيل بغواصات ثم طلب تعويضات مالية زاعما أن شركات ألمانية ساعدت العراق في تطوير صواريخ «سكود». وفي عام 2000 وكان كول قد خسر منصبه قبل ذلك بعامين، وصلت أول دفعة من الغواصات من نوع «الدلفين» إلى ميناء مدينة حيفا، وكان في استقبالها، يوشكا فيشر، نائب المستشار شرودر وزير الخارجية الألماني. واليوم تملك إسرائيل أسطولا من هذه الغواصات قوامه ستة وسيتم تسليمها الغواصة السابعة في الأشهر القليلة القادمة. وتستطيع إسرائيل استخدام هذه الغواصات لشن هجوم نووي محدود ضد الجيران العرب وإيران وتركيا.